بحفاوة وكرم حاتمى التقيناه بمنزله العامر فى قلب الخرطوم.. خرج ينتظر قدومنا بعد أن تهنا فى زخم الطريق.. تابع تحركاتنا عبر الهاتف لنصل الى منزله أخيراً.. وعلى عكس ملامحه الحادة كان اتزان مفرداته يمتلك منطقاً مقنعاً استخدمه فى إجاباته الجريئة عن عدد من الاستفهامات التى طرحناها امامه.. وبسعة صدر تقبل النقد وبسخرية وضع بعض القضايا فى قالب الألم.. الا ان انفاسه ودماءه المشتعلة تنم عن شخصية حملت هم الوطن.. فهو غيور على ابناء شعبه، وباحث عن حلول لأزمات وقضايا المواطن الغلبان.. ويحلم بالديمقراطية والتغيير الحقيقى.. وحازم في الرأى عن كل ما به تضليل.. ويكره التلتيق وسياسة الترزية.. «واحد زايد واحد بساوى اتنين» لا غير هى حال الواقع السياسى بصورة واقعية بعيدة عن السيطرة وسياسة الحزب الواحد.. محدثي الدكتور الشفيع خضر القيادي بالحزب الشيوعى كان لنا معه حوار الواقع السياسي بعيون المعارض المثقف الطموح الغيور. نبدأ من آخر مستجدات الساحة السياسية.. اعلان باريس او اتفاقية حزب الأمة مع الجبهة الثورية والحركات المتمردة.. ما تقييمكم للحدث؟ قبل الدخول فى تفاصيل الحدث لو سمحتوا لى من هنا اود انا اترحم على روح ابنائنا المتضررين من السيول والأمطار وشهداء وضحايا غزة الجريحة، واطالب باطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ابراهيم الشيخ والدكتورة مريم الصادق المهدى وزملائهم، وافتكر ان اى كلام عن حوار وتقدم وسياسة الاعتقالات وكبت الرأى مستمرة كلام ما عندو معنى. وبالنسبة لاتفاق حزب الأمة مع الجبهة الثورية رد فعل لاى تصرف سابق له هذه عملية سياسية مستمرة، ومنذ اعوام الناس بتبحث عن قاسم مشترك اعظم بين كل القوى السياسية فى السودان وحل سلمى تفاوضى يصب فى اتجاه وقف الحرب، بمعنى انه ليس رد فعل او مناورة، ونحن لا نقيمه كذلك فهو على الاقل اتفاق بين حزبين او حزب وجبهة، والأمة حزب كبير ومسؤول وعنده أرضية وجماهير فى الحركة السياسية، والجبهة عندها قضايا وثقل ومطالب وجماهير، لذلك مفروض ان يقيم الاتفاق فى هذا الاطار بدلاً من الدخول فى اطار المكايدات والمماحكات والانتقادات غير الموفقة. عفواً ولكن المؤتمر الوطنى افاد بأن الاتفاق مع حملة السلاح لا يمكن ان يكون سلمياً؟ منطق المؤتمر الوطنى منطق مبتور لأنه مازال يفاوض حركات تحمل السلاح، ونظرة المؤتمر الوطنى لهذا الاتفاق نظرة قاصرة تعكس ضيق أفق، فالاتفاق لا يحمل إعلاناً عن استخدام وسائل غير سلمية ولا اعلاناً عن انه يسعى لتغيير النظام بالقوة، بل إنه يحمل اشارة ايجابية كون الجبهة الثورية أعلنت ايقاف اطلاق النار مؤقتاً للظروف الانسانية، كما ان رئيس حزب الأمة اتصل بدكتور مصطفى وابلغه بالخطوة، وهى معروفة لدى الوطنى، غير ان سياسة الوطنى تظل هى احتكار كل شيء السياسة والتفاوض والحرب، ودى سياسة حتودى البلد فى داهية. أنتم في الحزب الشيوعى هل تفكرون فى السير في نفس الاتجاه وربما التفاوض مع الحركات المسلحة المعارضة؟ يحتمل ذلك.. ونحن دائماً نبحث عن أرضية مشتركة مع القوى السياسية.. واتفاق باريس هو اتفاق بين حزب الأمة والجبهة الثورية. لكن الصادق المهدي ذكر أنه سيتم التوافق مع عدد من الأحزاب للانضمام لإعلان باريس؟ أية دعوة فى اتجاه توحد القوى السياسية المعارضة واتجاه حل سياسى سلمى لمصلحة البلد نحن نتفق معها، لكن كيف ومتى؟ هذا يتوقف على تفاصيل محددة. ونحن قبل ذلك دخلنا فى اتفاقيات، ودى ما اول مرة. وانا اعتقد ان اتفاقية باريس خطوة لازم نرحب بها، واذا دخلنا فى تفاصليها ربما نجد بعض الملاحظات، لكن بشكل عام هى خطوة فى اتجاه البحث عن مخرج لأزمة البلاد، ومن هذا المنطلق نحن بوصفنا حزباً رحبنا بها، والمنطق يقول ان الاتفاق كان حول مخرج توافقى واجماع ووقف للحرب ونحن نرحب به. هنالك تخوف من أن الإعلان نظم برعاية من الاتحاد الاوربى، وقد تشير اصابع الاتهام الى تورط إسرائيل في الإعلان؟ الاتفاقية ما عندها علاقة بالاتحاد الاوربى، هذا اتفاق تم فى باريس والاتحاد الاوربى قاعد مع الحكومة فى جيبها، ومفاوضات أديس أبابا تتم برعاية الاتحاد الافريقى والمجتمع الدولى، واى كلام غير كده كلام ساذج جداً. أعلنتم عن مقاطعتكم للحوار بشكله الحالى.. لماذا اذن مادام الحوار يسير فى اطار البحث عن حل سلمى لقضايا الوطن؟ السؤال يبدو كأنما هنالك جديد فى الموضوع، وعندما اطلقت الدعوة للحوار من قبل رئيس الجمهورية نحن قلنا اى حوار عنده متطلبات تتمثل فى المناخ الملائم.. الغاء القوانين المقيدة للحريات.. اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والغاء القوانين المقيدة للحريات، والاتفاق حول اهداف الحوار وتوجه نحو وقف الحرب، وهو ما لم يتم، لذلك نحن لن ندخل فى حوار من اجل الحوار، والقوة التى دخلت عليها ان تتحمل نتائج الحوار.. وانا ما معلق سياسي او رياضى، لكن حوار بهذا النوع لن يخرج البلد من أزماتها. ما الذى يمكن أن يخرج البلاد من أزماتها؟ حيخرجها حوار شامل تشترك فيه جميع القوى السياسية، وان نعترف ونقر بوجود أزمة، والاتفاق على ضرورة وجود وضع انتقالى حقيقى، ولكى يتم ذلك لا بد أن يكون هنالك جو من الحريات لا رقابة على الصحف ولا اعتقالات، واعلان بأجندات وآليات للحوار باتفاق كل الناس حولها. هل تعتقد ان ازمة الادارة السياسية متمثلة فى اشخاص بعينهم ام هى معضلات اخرى؟ الأزمة فى أن البلاد وصلت الى مفترق طرق كيف؟ بوجود الحرب الاهلية والتأزم السياسى بدليل الاعتقالات، اضافة الى الغلاء الذى لا يطاق ومعيشة صعبة وانفلات امنى، اضافة الى مشكلة مجابهة الظروف الطبيعية.. امطار وعواصف، الى جانب حرب القبائل والتعصب والحرب ما بين القبائل. وهذه أزمات كبيرة جداً تتطلب أن تتوقف سياسة المؤتمر الوطنى، وتتطلب التحول الى نظام سياسى جديد.. فحل هذه المشكلة فى ظل وجود حكومة الانقاذ مستحيل. لكن بعض آراء الشارع السودانى تتمسك بالإنقاذ لأنها لا ترى أن هناك بديلاً او خياراً ملائماً، خصوصاً مع ضعف المعارضة الآن؟ ده كلام الحكومة البتقولوا للناس ساي وتغشهم بيهو.. الشعب بفتش عن زول يوقف ليهو الحرب ما ممكن يقول ما عايزو.. الشعب بفتش عن زول يوقف الاعتقالات والحرب فى دارفور، وعن الخدمات الصحية واعادة بناء العلاقات الدولية مع الدول والوطن العربى السيئة.. الشعب معقول يلقى زول يخفف من غلاء المعيشة.. سعر الزيت والسكر واللبن.. ويقول لا.. نحنا قلنا محتاجين الى حكومة انتقالية حقيقية تصفي السياسات السابقة.. البلد هسه بقت حزب.. اتخاذ قرارات مصيرية جائرة مثل تصفية مستشفى الخرطوم.. من الذى اتخذ هذا القرار.. ثم اللغة المتعالية المبتذلة وفى نفس الوقت البلد وصلت مرحلة نخشى بعدها الانفجار، لذلك نحن نتحدث عن ضرورة قيام الحكومة الانتقالية.. والرقابة ممكن الناس يتفقوا عليها.. وهل هى حكومة تكنوقراط ام حكومة احزاب.. وتفاصيل لاحقة؟ لكن الحزب الحاكم حالياً أبعد ما يكون من هذا المفهوم؟ خلاص.. فليتحمل المسؤولية عن الانفجار الذي سيحدث فى البلد. وهناك مطالب فى كل شىء.. انهيار مشروع الجزيرة والسكة حديد والخطوط الجوية والقطاع العام والأراضي.. وخلاف حول مناطق السدود.. البلد عبارة عن صندوق مشاكل لو ما اتختت فى تربيزة وتم علاجها لن نمضى للأمام، مع ضرورة أن تكون هذه الطاولة محايدة، لذلك أية خطوة فى اتجاه توحد المعارضة سيكون إيجابياً. بعض المراقبين وصفوا الحوار بين الوطني والأحزاب بأنه سيناريو لشغلها عن الاستعداد لدخول الانتخابات.. هل تتفق معهم؟ أنا شخصياً لا أرى ان هنالك حواراً حقيقياً.. ودى ما أول مرة.. قبل مدة دار حوار فى بداية الإنقاذ وما ادى الى نتائج، لأن المسائل لم تتم لمعالجة جذور الأزمة، وممكن يكون فى هذا سيناريو يتفق فيه الوطنى مع الاحزاب نظير بعض المناصب.. ما بعيد. لكن هنالك من تفاءل بالتعديلات التى طرأت على قانون الانتخابات؟ نحن ما بنشتغل مع الترزية.. ممن يخيطون القوانين فى آخر دقيقة.. وما ممكن ندخل انتخابات بطريقة القطاعى.. نحن نناقش عدداً من القضايا المحورية: الخدمة المدنية والعسكرية وقضايا الفساد وبرنامج شامل لإنقاذ البلاد، وفى الخاطر ما حدث فى الانتخابات السابقة. هل لديك إحساس بنجاح الثورة الاشتراكية وهل مازلت تؤمن بنفس الفكرة؟ انا ما حصل أحسست بوهم ان السودان ستتحقق فيه الاشتراكية.. السودان لسه فى مرحلة بناء الدولة الحديثة، لأننا منذ ان أمنا الاستقلال لم نحل قضايا رئيسة، مثلاً شكل الحكم المناسب لنا ما هو وشكل الديمقراطية والهوية وعلاقة الدين والدولة ونماذج اخرى، لذلك نحن فى فترة انتقالية، بدليل الحرب والظلم.. ونحن نبحث عن برنامج قومى لبناء الدولة السودانية التى نحلم بها.. دولة ليست فيها مليشيات ولا أشخاص يتحكمون فى مصير الغلابى.. مش قرارات فاسدة كالتي باعت خطوط الطيران وأدت إلى انهيار السكة حديد وأكبر مشروع فى العالم ينتج بدورة زراعية كاملة كمشروع الجزيرة.. نحن نحتاج للمشروع القومى للتخلص من الفاسدين.. والاشتراكية أفق.. وانا لا اعتقد اننى حاحضر الزمن ده. هنالك من يضع الاشتراكية والشيوعية والإلحاد فى دائرة واحدة.. ما تعليقك؟ الكلام ده اندثر قبل فترة ورجع مرة اخرى، وهى محاولات استخدمت فى المعارك السياسية ضد الآخر.. والحزب الشيوعى السوداني اتولد فى البلد دى مع نفس الأحزاب عام 1946م، ومن تاريخه الى الآن لم يتحدث عن أية قضية سوى تحرر الوطن ويشيد ببرنامج وطنى للبناء.. ما فى كلام عن الحاد.. ده كلام استخدم لاغراض تدميرية زى ما الناس بتتكلم عمن يتاجر باسم الدين لاغراض خاصة «يعمل لى دقن عشان يسرقني» خلونا مشينا الجوامع وهم مشوا السوق زى ما بقولوا.. لكن الاجيال اتخطت الكلام ده الآن. يعنى مفهوم الحرية لديكم بلا سقوفات او حدود؟ الحرية لا تتخطى القانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.. الحرية الحقيقية فى حدود دولة القانون المتوافق عليه مع مفهوم المواطنة.. الناس سواسية ومتوائمة مع المواثيق الدولية، ودولة القانون تعنى استقلال القضاء.. ما فى تأثير من الدولة الآن.. وكل المسألة تحتاج الى مراجعة.. نحن «25» سنة فى العك ده.. نحن ما لم نتوافق فى المضمون ما حنقعد مع ناس المؤتمر الوطنى.. خليهم يتحاوروا هم سبعة سبعة سبعة واحد يجيبوا لاعب اجنبى.. ويحلوها بى طريقتهم «قالها بسخرية» وده كلو ترقيع لن يؤدي الى حل. هل ترون أن هناك حاجة الى ربيع عربى فى السودان؟ طبعا نحتاج.. بس الحاجات دى ما بحددها شخص.. انا بسمع ناس بقولوا ما حيحصل.. لكن الشعب السودانى هو الذى سيقول كلمته.. يعنى معقول نتناقش وننسى الفساد الحاصل ده.. مثلاً في مصر النشاط الحزبى اقل من السودان، وبعد ده كلو حصل فيها ربيع عربى بعد «30» عاماً. كأنما ارتبطت فى أذهان الشعب السودانى صور محددة للشخص القيادي قد لا يرونها فى المعارضة؟ الجملة عندها أساسها، لأن الفترة الزمنية التى عايشها معظم الشباب «25» عاماً لم يروا فيها غير قيادات فاسدة، وفى الجانب الآخر يرون أن المعارضة لم تستطع ان تطيح الحكومة.. لكن أكيد التاريخ والشعب ولاد، والدنيا اصلها كده، والسودان أفرز قيادات جديدة فى أكتوبر 64م وجاءت قيادات جديدة فى أبريل 85م، وممكن تجيء قيادات جديدة لاحقاً. المعارضة بشكلها الحالي هل تحتاج إلى دعم خارجى يفوق في امكاناته الحزب الحاكم؟ انا أفتكر انو اى دعم خارجى للمعارضة هو بداية فشلها.. وما فى تغيير فى داخل السودان يمكن ان يحدث الا من داخل السودانيين أنفسهم.. ونحن من أنصار الحراك الشعبي وضد التآمر والانقلابات، ومع الحوار الحقيقى.. ما حوار ديكور. كيف تكونون ضد الانقلابات والتاريخ سجل لكم محاولات انقلابية أُعدمت فيها قيادات من الحزب؟ ما عملنا انقلاب قبل كده.. أعدموهم لكنهم لم يقوموا بانقلاب، وده موضوع كبير ودي جريمة كبرى، ونحن كنا نتناقش حولها قبل أقل من شهر، وده موقفنا نحن من التغيير من الداخل دون استدعاء لأية قوة خارجية عبر الحراك الشعبي والجماهيري.. وباختصار نحن مع الحل السياسي الديمقراطي السلمي، ومما ممكن البلاد تمشي لي قدام في ظل سياسة المؤتمر الوطني الحالية.