٭ يحرص كل أب متعلم ومتدين على أن يجعل من أسرته أنموذجاً مثالياً، وأن يقدم لهم كل ما بإمكانه أن يقدمه، فيغدق عليهم الترف والراحة، ولعل هذا المقصد النبيل أغفل جانباً مهماً لدور الأب في الرقابة التامة على أبنائه وبناته في ظل ظروف اقتصادية صعبة، فكانت النتيجة جيلاً يتصف بالفساد النفسي والاجتماعي، ويزداد ذلك السوء لوجود فجوة كبيرة بين الآباء وأبنائهم، والفجوة التي أعنيها أن لهذا الجيل خصوصياته وأدبياته وتقنياته التي يصنع بها زمانه الذي لا تحده حدود، وهو ما لا يعرفه الآباء إلا من رحم الله، فكثيراً من الآباء يظنون أن دورهم ينحصر في توفير الأكل والشراب وهو تفكير «حيواني» بحت، أي يقوم الأب هنا مقام راعي الضأن لا يهمه الا مأكلها ومشربها، وينسى أن هناك دوراً محورياً في التربية السلوكية، بل دور شرعي مكلف به من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ومفهوم التربية لدى علماء المسلمين أنها تنشئة وتكوين إنسان مسلم متكامل مع جميع نواحيه المختلفة، الصحية، التعليمية، الاعتقادية والروحية، الإدارية، الإبداعية، وذلك يجعل للوالد أو المربي صفات يجب أن يتميز بها ليكون ناجحاً، وهي العلم، الأمانة، الحرص، القوة، العدل، العزم، الصدق، الحكمة والحسم، وهناك حكمة سودانية شهيرة تقوم عليها تلك الصفات تقول: «ولدك كان كبر خاويه»، وفي تقديري كمهتم بالشأن التربوي أرى أن هذه الحكمة تشكل بعداً إستراتيجياً مهماً لحل أزمة الفارق الزمني بين الآباء والأبناء، ولك أخي الوالد وأختي الوالدة أن تتصورا راحة الضمير عندما يبوح أحد الأبناء بما يجيش في داخله ليجد عندكما ما يريد، ولكم أن تسالوا أنفسكم، كم من الوقت تقضونه بصراحة مع أبنائكم؟ وما هي نوعية الطلبات التي تقدم لكم؟ وفي أي موضوع تتناقشون؟ وما هي اهتمامات البنات، خاصة إن كن في المرحلة الجامعية؟ وهل لهن علاقات متعددة مع زملائهم وزميلاتهم؟ هل يطلعنك «بناتكم» على مضمون الرسائل التي يتلقينها من الخارج؟ والكثير من الأسئلة التي تحتاج لإجابات.. فإن لم تك هناك إجابات فالواقع يشير إلى أن الطبيعة البشرية تحتم وجود هذه العلاقات والاهتمامات ولكنها خارج مظلتكم. عزيزي الوالد وعزيزتي الوالدة، أوكد لكم حديثي بالشواهد التالية: انظر لزمن بنتك أو ابنك الذي يقضيه خارج المنزل، وعندما يعود كم من الزمن يقضيه لوحده، حاول أثناء الليل ومنتصفه أن تتفقد أبناءك، فوجودهم بالمنزل لا يعني أنهم في أمان، لأن ما تبثه قنوات الديجتال وما يدور من وسائط التواصل الاجتماعي «صورة وصوت» أصبح بالنسبة لهم مصدر تعلم وتعود وتربية، وصار هناك من يغذي أبناءكم بتعاليم غربية لا تتناسب مع البيئة السودانية، وعليكم أيضاً متابعة استخدامهم للنت، اذ اصبح بمقدور المشتركين بحسابات التواصل الاجتماعي على الفيس بوك والتويتر والواتساب أن يتعاملوا بالصور الحية فيما بينهم وعبر الإسكاي الذي لا تحده حدود.. وأخيراً أكرر نصيحتي لكم: «كان كبروا خاووهم». وهج النصيحة اعلموا أبنائي بناتي حفظكم الله.. أن الناصح ما دعاه إلى نصحكم إلا محبته لكم وخوفه عليكم، واعلموا كذلك أن الناصح ما هو إلا ناقل لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا تواضعتم له وقبلتم نصحه، فقد تواضعتم لربكم جلَّ وعلا واتبعتم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا رفضتم النصيحة ورددتموها، فقد رددتم في الحقيقة كلام ربكم وسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.