هذه وقفتي الثانية مع د.صلاح الدين البدوي الخنجر، تلميذ البرعي الذي كتب مدافعا عن شيخة الذي يناقض كثير من أقواله محكم القرآن وصحيح السنة كما بينت ذلك من قبل، فهو لا يرى من أخطاء شيخه العقدية شيئاً من فرط حبه له. يقول د.الخنجر في سياق محبته للبرعي:(قال سيدنا عبد الله بن مسعود: والله لوعلمت أن عمر بن الخطاب يحب كلباً لأحببته).ففي هذا القول يقارن الخنجر نفسه بابن مسعود، ويقارن شيخه البرعي بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وهذا من الشطط الذي ليس بمستغرب عن القوم. فعمر كان رضي الله عنه شديداً في الحق غاية الشدة، لا تأخذه فيه لومة لائم، وذلك حماية لعقيدة التوحيد التي في سبيلها اجتث رضي الله عنه شجرة البيعة،أي الشجرة التي جرت تحتها بيعة الرضوان، اجتثها من فوق الارض، لأنه علم أن عدداً من جديدي الاسلام من الناس أخذوا يداومون الجلوس تحتها بنية التبرك بها، فخشي أن يتعدى ذلك حد التبرك الى حد التقديس ثم الشرك. كذلك وجد رضي الله عنه رجلاً يحرص على الصلاة في مكان معين، فسأله عن سبب فعله ذاك فقال إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد صلي فيه ولذا حرص على الصلاة فيه فنهاه عمر عن تلك المداومه،آمراً له بأن يصلي في أي مكان غيره، وذلك كله خوفاً منه من أن يتطور الأمر كذلك من مجرد التبرك بالمكان إلى تقديسه، لأنه رأى أن ذلك مدخل للشرك فقرر سده. فما بالك به لو جيء إليه بشيخ يؤمن ويزعم وينشر، بأن شيوخاً له يعلمون الغيب،أو أن شيخا من أولئك الشيوخ يدرك مريديه في نزعهم الأخير ليلقنهم حجتهم، ثم إذا قُبروا أدركههم في قبورهم ليدرأ عنهم سؤال القبر وعذابه ثم يؤانسهم فيها؟. ذلك هو عمر بن الخطاب الذي يدرك أن سعد بن أبي وقاص هو خال النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي كان يقول لصحابته (هذا خالي فليرني كلٌ خاله)، ذلك هو أي سعد الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم باستجابة الدعوة وتسديد الرمية. فعندما جهز عمر جيشاً لمعركة القادسية ورشح له الصحابة رضي الله عنهم سعداً قائداً لجيش تلك المعركة، قال له يوصيه:[يا سعد! يا سعد بن وهيب! يا سعد بن أبي وقاص! لا يغرنك قول الناس: إنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من عباده نسب، فاتقِ الله يا سعد! في جيش المسلمين، واتقِ الله في خاصة نفسك]] فأغض سعد رضي الله عنه وأرضاه رأسه وطرفه وقال: [سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين). ذلك هو عمر بن الخطاب الذي لعله عندكم يا باطني العقيدة ومحبي البرعي أنه( كان وهابياً جافيا لا يحب رسول الله).هذا سعد بن أبي وقاص الصحابي المبشر بالجنة رضي الله عنه، وخال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومستجاب الدعوة بدعاء الرسول له بذلك، وهو الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه. ويقول عنه على بن أبي طالب رضي الله عنه:« ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه الا سعدا، فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سعد.. فداك أبي وأمي«.. وهو أيضا اول من رمى بسهم فى سبيل الله.هذا سعد يعظه عمر ويقول له:(فإن الله ليس بينه وبين أحد من عباده نسب) يعظه عمر بذلك وهو بفعله ذلك يختط للناس مبدأ صارماً ليُتَبعَ من بعده في حماية الحق كيف ما كان. ونحن اليوم في بلد إذا تجرأ أحدٌ فيه وذكر بالنقد حفيدَ حفيدِ شيخٍ من الشيوخ، الذين تعتقد فيهم العامة، وجهلة المتعلمين، بأنهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون في حياتهم وحتى بعد مماتهم، لوجدَ سيف الاتهام بالوهابية والتشدد مصلتاً في وجهه. فإن أي حديث للمرء عن ضرورة حماية العقيدة من البدع ودواعي الشرك، ومهما ساق في سبيل ذلك من دلائل القرآن الكريم وحجج السنة المطهرة، فهو متهم بالوهابية والتشدد وعدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم.وأعني بالبدع كل عمل في الدين لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله صحابته الكرام الذين حملوا لواء هذا الدين إلى آفاق العالم. فدع عنك يا خنجر مقارنة حبك للبرعي بحب ابن مسعود لابن الخطاب، فابن الخطاب أدرى الناس بعدم علم النبي صلى الله عليه وسلم الغيبَ إلا غيباً يوحي به ربه إليه، وابن مسعود أدرى الناس بأن ابن الخطاب لا يملك ضرا و لانفعا لأحد من الناس، وإنما أحبه لهذه الصفة الشديدة التي وعظه بها وهي تجرده للحق ولشدته في رعايته، وعلى رأس ذلك كله المحافظة على حماية العقيدة من أن تلحق بها أي شائبة من شوائب الشرك والضلال. يقول الخنجر: »وأقول لأيوب صديق: مالك والشيخ البرعي؟ فأنت تخصصك في إذاعة الأخبار ليس إلا، نعم كنت متميزاً في مجالك وعلماً بارزاً ونجماً إذاعياً ولكنك جاهل في العلوم الشرعية ولا تعرف شيئاً عن تفسير القرآن الكريم ومحكمه ومتشابهه لتحكم على أهل العلم والولاية والحكمة، لذلك ما كان لك أن تتجرأ هذه الجرأة وأن تتطاول هذا التطاول«. هذا قول الخنجر،وأنا أشكره إذ ذكرني بالخير في شأن تخصصي في إذاعة الأخبار، فهو يقول ذلك لأنه كان يسمعني، ولكن عن قوله عني إنني جاهل في العلوم الشرعية ولا أعرف شيئاً عن تفسير القرآن إلى آخر قوله، فأنا أقول له كيف عرفت جهلي بما ذكرت وأنا وأنت لم نلتق من قبل؟ فلم تجالسني ولم أجالسك، ولم تسمع مني ولم أسمع منك؟ أفلأنني كتبتُ ما كتبت في شأن شيخك؟ وقد كتب من قبلي عن عقيدته علماء أجلاء كبار في العلم الشرعي، من السودان ومن خارج السودان، فهل كل أولئك العلماء في العلوم الشرعية التي هي تخصصهم ويعلمون بها طلبتهم في حِلق العلم ومدرجاته، هم عندك الجهلاء الذين يجهلون العلوم الشرعية ويجهلون تفسير القرآن الكريم ومحكمه ومتشابهه؟ يهددني الخنجر ويحذرني بأن شيخه البرعي قادر على أن يضرني، وهو بذلك يؤكد بأنه ينطوي على عقيدة بأن شيخه يضر وينفع، مستشهداً في تهديده بأبيات شعر ركيكة لعلها من شعر البرعي نفسه. تقول الأبيات التي يهددني الخنجر بها: فاوعك الغلطة تجري عليك أحكام السلطة إما بالبلطة في الرأس دموية وجلطة بهذا الشعر الممعن في الركاكة يتوعدني تلميذ البرعي بأن سلطة شيخة يمكن أن تُجري عليَ أحكامها ب(البلطة) أو بجلطة في الرأس. وقد سمعتُ أن هذه (الجلطة) كان قد أشاع بعضٌ من تلاميذ البرعي، بأن أحد الذين جرى قلمهم بانتقاده، قد أُصيب بها، أي أن شيخهم قد أصابه بتلك الجلطة في الرأس، والرجل لم يصب بأي شيء والحمد لله. وكل ما في الأمر أن القوم يريدون أن يُضفوا على شيخهم صفة الضر والنفع، التي أضفاها هو على شيوخه من قبل، متناسين أن الضار والنافع هو الله سبحانه وتعالى . وبهذه المناسبة والشيء بالشيء يُذكر، فقد كان شاعرنا الكبير محمد سعيد العباسي عليه رحمة الله قد جرى بينه وبين أحد الشيوخ خلاف كبير، ومن غرائب الاتفاق أن ذلك الشيخ هو من الطريقة التي يتبعها البرعي. وقد خُوف العباسي وهُدد بأن ذلك الشيخ (سيسخطه)، فقال العباسي في ذلك شعرًا رصيناً من قصيدة طويلة منها : لا أكفرُ الرحمنَ نعمته فلي فضلٌ بفضلِ لسانيَ المفتوقِ وعجائبُ العزمِ الفتي وإنه في نائباتِ الدهرِ غيرُ رفيقِ مالي أُخوفُ بالعبادِ وإنما أمري إلى الخلاقِ لا المخلوقتبا مادمتُ سباقاً فليس بضائري أبداً مقالُ مدفعٍ مسبوقِ ولم يصب العباسي بسوء و وقد مد الله في عمره حتى انقضى أجله في هذه الفانية عليه رحمة الله. أعود إلى المسألة الأولى التي هي اضفاء البرعي علم الغيب على شيوخه، وهي أخطر المسائل الاعتقادية، وأقول للخنجر؛ عن معنى قوله تعالى:(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) أليس معنى ذلك هو النفي المطلق لعلم الغيب لسوى الله سبحانه وتعالى؟ أليس معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يعلم الغيب إلا الله) هو النفي المطلق أيضاً لعلم الغيب لسوى الله سبحانه وتعالى؟ ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاءت به الآية الكريمة:(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) ألا يعني ذلك نفي النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب؟ أنا في ذلك كله لا أسألك سؤال من يظن أنك تجهل المعنى المراد من الآيتين ومن الحديث كما اتهمتني من قبل كلا، وإنما أسألك سؤال من يستنكر عليك تسليمك لما يقوله شيخك عن أن بشراً يعلم الغيب بأنه قول صواب، وأن بشراً ينفع ويضر بأنه قول صحيح، وأن بشراً يدرأ عن بشر آخر سؤال القبر وعذابه هو عندك أمر حق.أنا أرى أنك تؤمن بذلك كله وهو أمر نابع من اتباعك المطلق لشيخك الذي هو عندك أمة تكاملت فيه جميع الصفات التي تنزه أقواله وأفعاله عن الخطل والزلل، حتى ولو أنه أحال بعض صفات الله تعالى على بشر ممن خلق، ومنها صفتا علم الغيب والضر والنفع.هذا وربما لأنكم معشر باطني العقيدة لاتنظرون إلى معاني الآيات والأحاديث النبوية على ظاهرها، وإنما تجيز لكم عقيدتكم تأويلها تأويلا باطنياً على كل وجه ترون، حتى وإن خالف تأويلكم ما اجمعت عليه أمة الإسلام، مثل إجماعها على أنه لايعلم الغيب إلا الله، تصديقا وعملاً بقوله تعالى:(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) وإجماعها على أنه لا يجلب النفع والضر إلا الله والنهي عن الالتجاء إلى غيره امتثالا وعملا لقوله تعالى:(وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّك فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ). (( يتبع))