النوادر هي الحوادث التي تقع بين بعض المتكلمين باللغة العربية وتكون ذات طبيعة تتسم بالغرابة والطرافة إما بسبب الغفلة الشديدة أو البراعة المتناهية في استعمال الألفاظ والتراكيب وطرائق البيان. طبيعتها: وهي إما أن تكون في النحو أو الصرف أو الاشتقاق أو المعاني، وأحياناً تكون في النطق ومخارج الحروف وهذا غالباً ما يقع للأعاجم وغير الناطقين باللغة العربية. مدلولها: وهي في كل الحالات توضح مدى العناية الفائقة التي يوليها أهل اللغة العربية لها ومدى تعهدهم وحفاظهم على لغتهم العزيزة الجميلة. وظيفتها: والنوادر وسائل تربوية وتثقيفية على جانب كبير من الأهمية، وغالباً ما تثير رغبة القارئ لمزيد من البحث والدراسة والاطلاع، إلى جانب ذلك تحقق قدرًا عالياً من الامتاع والإثارة وتوقظ ملكات التلقي لدى الدارس والباحث فيزداد تعلقه بالبحث ويبدي استعداداً أكبر للتعلم والاستيعاب وهاكم طرفاً منها: البدوي والغراب: مرّ بدوي بغراب ينعق في الصحراء غاقْ، غاقْ، غاقْ فالتفت إليه الأعرابي صائحاً: يا غراب: غاقٌ، غاقٌ أينصرف أبو أمية!! جاء رجل اسمه أبو أمية إلى الإمام أبي علي الشلوبيني أحد أكبر أئمة النحو واللغة في الأندلس. وقف الزائر بالباب وقرعه. فجاءته جارية صغيرة فسألها عن ابي علي فأخبرته أنه بالداخل فأخرج ورقة من جيبه وكتب عليها «أبو أمية بالباب». أعطت الجارية الورقة لأبي علي الشلوبيني فقرأها فما كانه منه إلا أن أخذ قلمًا ونون أمية فأصبحت أميةٍ وأعاد الورقة إلى الجارية فأخذتها إلى الزائر بالبال فقرأها ثم انصرف في الحال. الفقه عبر النحو: كان محمد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء يومًا عنده فقال الفراء: قلّ رجل أنعم النظر في باب من العلم فأراد غيره ألا سهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا فأنت الآن قد أنعمت النظر في العربية فنسألك عن باب من الفقه، قال هات على بركة الله تعالى، قال: ما تقول في رجل صلى فسها، وسها في سجدتي السهو؟ ففكر الفراء ثم قال: لا شيء عليه. قال: فلم؟ قال: لأن التصغير عندنا لا يصغَّر!! فقال محمد: ما ظننت أن آدميًا يلد مثلك. الجهل المفضي إلى العلم: جاء رجل إلى الوليد بن عبد الملك شاكياً فقال يا أمير المؤمنين إن ختني ظلمني. قال: فمن خَتَنَك؟ قال الأعرابي: ختنني الختان الذي يختن الناس. فالتفت الوليد إلى عمر بن عبد العزيز وهو دهش. وقال: ويحك! بم أجابني؟ قال يا أمير المؤمنين إنك لحنت وهو لا يعرف اللحن. كان عليك أن تقول: من خَتْنُكَ. قال: لله عليّ إلا ألقى أحداً حتى أتعلم العربية. فاحتجب عن الناس جمعة ثم خرج فكان من أفصح الناس حتى إنه أصبح يعطي على العربية ويحرم عليها. فجاءه وفد من قريش فكانوا يدخلون عليه رجلاً رجلاً فيسأله: من الرجل؟ فيقول: من بني أمية، من بني هاشم، حتى جاء رجل فقال ممّن الرجل فقال: من بنو عبد الدار فقال عبد الملك: تجدها في عطائك فأعطاه مائة وكان يعطي مائتين. التقعر مع سبق الإصرار: أتى رجل الهيثم بن العريان بغريم له قد مطله حقه فقال: أصلح الله الأمير إن لي على هذا حقاً قد غلبني عليه فقال له الآخر: أصلحك الله. إن هذا قد باعني عنجدًا واستنسأته حولاً وشرطت عليه أن أعطيه مياومة. فهو لا يلقاني في لقم إلا اقتضاني ذهبًا فقال له الهيثم: «أمن بني أمية أنت؟» قال: لا.. قال: «فمن بني هاشم أنت؟» قال: لا قال:«فمن أكفائهم من العرب؟» قال: لا. قال: «ويلي عليك! انزعوا ثيابه» فلما أرادوا أن ينزعوا ثيابه قال:«أصلحك الله. إن ازاري مرعبل» قال: «دعوه فلو ترك الغريب في موضع لتركه في هذا الموضع». ودخل أبو علقمة النحوي على أعين الطيب فقال :«إني أكلت من لحوم الجوازئ وطسئت طسأة فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأية العنق فلم يزل يربو وينمو حتى خالط الشراسيف فهل عندك دواء؟ قال نعم خذ خوفقًا وسربقًا ورقرقًا فاغسله واشربه بماء» فقال: لا أدري ما تقول!! قال: «ولا أنا دريتُ ما قلتَ!!» تعليم النحو بطريقة الحسنين: دخل الأصمعي على عبد الملك بن مروان فسأله: كم عطاءك؟ قال الأصمعي: ألفين قال عبد الملك: لحنت يا أصمعي: قال الأصمعي: يا أمير المؤمنين إني رأيتك تركت الإعراب فكرهت أن أعرب عليك. لو كانت الثريا تُنال بالفصاحة والبلاغة لما قصر عنها عمرو بن مسعدة: كتب عمرو بن مسعدة إلى المأمون في رجل من بني ضبة، يستشفع له بالزيادة في منزلته، وجعل كتابه تعريضاً فقال: أما بعد فقد استشفع بي فلان يا أمير المؤمنين لتطولك عليّ، في إلحاقه بنظرائه من الخاصة فيما يرتزقون به، وأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك تعدى طاعته والسلام، فكتب إليه المأمون: قد عرفنا تصريحك له وتعريضك لنفسك، واجبناك إليهما ووقفناك عليهما. الكسائي وسيبويه في سوق الأبيض: حكى الأستاذ/ محمد حمد آدم أنه ذهب يشتري خضروات من السوق في الأبيض، فاشترى من ذلك شيئين من رجل من مواطني غرب إفريقيا من غير العرب.. ولما كان الأستاذ مولعًا بالعربية فقد داعب الرجل قائلاً: «يا أبتاه، لقد بعتهما غاليتين. قال الرجل، ويبدو أنه كان من الحفظة «يا بني ماهما غاليتين» قال له الأستاذ: لقد لحنت يا هذا. قال :كلا لم ألحن، إن الله يقول في محكم تنزيله «فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم» يوسف مختارات من برامج صندوق دعم تطبيق الشريعة الاسلامية - ولاية الخرطوم - برنامج تقويم اللسان