ناشد د. محمد محيي الدين الجميعابي القيادي الإسلامي وأمين أمانة المؤتمر الوطني لولاية الخرطوم الأسبق، المؤتمر الوطني بأن يمكِّن في المرحلة القادمة لقيادات حقيقية لا انتهازية أو صورية، وقال في حوار أجرته معه «الإنتباهة» حول الراهن السياسي إن الإسلاميين لو أخذوا بطريقة عبد الخالق محجوب في اختيار القيادات لملكوا السودان كله، وأضاف «يجب أن يكون مستقبل السودان هو الذي يجمعنا». وقال الجميعابي إن الساحة السياسية تحتاج الى اصلاح خاصة بعد انقسام المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية، وأن هناك رغبة جادة من الرئيس لانقاذ الحوار الوطني، لكن معظم قيادات المؤتمر الوطني غير متحمسين للحوار لأنهم لا يريدون أن يفقدوا مواقعهم، وأن القيادات الحالية تفتقد الى الكاريزما، ومضى قائلاً: الذي يجعل الناس في حالة صبر العشم في رئيس الجمهورية والقناعة بطرحه الصادق، مؤكداً أن المخرج للسودان هو حكومة قومية تمتد ما بين عام الى خمسة أعوام وإطلاق الحريات العامة وإزالة القوانين المقيدة للحريات وبناء الثقة بين القيادات، ووصف الجميعابي آلية «7+7» بأنها مثل خطة لفريق كرة قدم إذا فشلت تتحول الى «5+5» أو «3+4»، وأوضح أنه لا داعي لقيام الانتخابات إلا بعد حل المشكلات الأساسية وأن الحديث عن الانتخابات «عرضة خارج الدلوكة». وطالب الجميعابي الرئيس بالمواصلة في ما أسماه بعملية النظافة السياسية وإبعاد كل الفاشلين وأصحاب الممارسات السالبة.. في هذا الحوار الذي ينشر على حلقتين يجيب الجميعابي على التساؤلات التي طرحناها حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال: أين موقعك الآن من الخارطة السياسية؟ في سؤالك أين موقعي الآن من الخارطة السياسية أقول انني حقيقة أقف على أطراف المؤتمر الوطني، مع قناعتي أنه كحزب ممارسته وتجربته سالبة وأنا لا أستطيع أن أتخيل النتائج التي نتلمسها الآن أهي خلاصة تجارب خمس وعشرين سنة فهذه كارثة، فهذا الحزب من المفترض أن يكون قد وصل درجة من النضوج، فبعد خمس وعشرين سنة من المؤسف أن نبحث عن مخرج وعن أمل ومستقبل جديد للسودان، فبعد كل هذه الصراعات التي رأيناها في الساحة السياسية انقسم المؤتمر الوطني وانقسمت الحركة الاسلامية وبرز مؤخراً جسم الاصلاح الآن، وأنا على قناعة أن التجربة تحتاج لاصلاح، ولكن بكل أسف من الرموز الذين قادوا حركة الاصلاح الآن هم الذين شقوا الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني وهم الذين أدخلونا في هذا المأزق، تآمروا على شيخهم وعلى تنظيمهم وقادوا المؤتمر الوطني من غير مرجعية وقادوه بحجة إخراجه من قبضة الشيخ حسن عبد الله الترابي وانتهينا الى لا شيء، ويكفي أن على رأس الذين قادوا الخروج وشق الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني كان هو د. غازي صلاح الدين وهو نفسه الذي يقود الاصلاح الآن، ومع احترامي له فهو شخصية غير عادية وممتاز جداً ومميز كقيادي، ولكن مع كل ذلك أنا في تقديري أرى أن تجربته كانت فاشلة جداً وكان يجب عليه أن ينزوي ويكتب تجاربه فقط، وأنا شخصياً غير مطمئن إطلاقاً إلى أين يقود هذا الجسم ومتى ينقسم على نفسه. كيف تنظر لمسألة الحوار الوطني؟ الآن الدولة بدأت قضية الحوار الوطني وحقيقة هذه كلمة أتمنى أن يُراد بها حق، فأنا أرى وأتلمس رغبة جادة جداً من الرئيس في إنفاذ الحوار وفي نفس الوقت أرى طحيناً رديئاً سيئاً، فأحس أن المؤتمر الوطني كحزب على مستوى قياداته يعمل بكل ما أوتي للإجهاز على قضية الحوار الوطني، فهو قد ساهم في إبطاء حركة الحوار وقضية الحوار الوطني حتى الآن غير مشجعة وغير واضحة المعالم وأنا بالنسبة لي معظم قيادات المؤتمر الوطني هي غير متحمسة للحوار وهذا لسبب واحد هو أنهم لا يريدون أن يفقدوا مواقعهم، والآن المؤتمر الوطني حتى بعد التعديلات الأخيرة أتى بقيادة لا يمكن أن توصف بأنها مرجعية ولا توجد فيه كاريزما ولا يوجد شخص يمكن أن يلتف حوله الناس في قيادة المؤتمر الوطني، حزب كان في مرحلة من المراحل يجمع كل النجوم وعلى رأسهم قيادة فكرية كشخصية الشيخ حسن الترابي، والآن نسأل من هي القيادة الفكرية للمؤتمر الوطني ومن هو القائد الملهم ومن هي حتى القيادة الجماعية التي يمكن أن نسلم لها أمر السودان. فالذي يجعل الكل في حالة صبر هو عشم الناس جميعاً في رئيس الجمهورية باعتبار أن الناس لا يزالون يتلمسون بل ومقتنعين بأن في طرحه الكثير من الصدق ولكن المؤسسات التي يقودها لا تعطينا هذا الاحساس على الإطلاق. فالحوار هو قضية واضحة جداً وهو يعني أن تأتي كل الفرق السياسية والأحزاب والجماعات للجلوس لتصل الى مخرج لقضية السودان بخطوط عريضة أنا بالنسبة لي هي مسألة واضحة المعالم، فالناس إذا جلسوا فمن الطبيعي أن يفكروا في مخرج للسودان والمخرج للسودان يكمن في قيادة جماعية وجبهوية، والمخرج للسودان هو أطروحة جديدة تمثل كل السودانيين وحكومة قومية ربما تمتد من سنة الى سنتين الى خمس سنوات، يتوافق الناس على القضايا الأساسية في مستقبل السودان ويعطوا فرصة للأحزاب في أنها تنمو حتى ننطلق في قضية الحريات العامة ونزيل كل القوانين المقيدة للحريات ولا بد من بناء الثقة بين القيادات حتى نطمئن على مستقبل السودان، وحتى الآن عملية الحوار تسير ببطء مشفق. هناك آلية «7+7» والتي توصلت لخارطة طريق كيف تنظر لهذه الآلية؟ الحديث عن «7+7» هذه ليست قضية، وحقيقة «7+7» كأننا نتحدث عن خطة لفريق كرة قدم تفشل فنحولها الى «5+5» أو «3+4»، فالقضية الآن نحن نريد من الحكومة أن تجلس بمؤسساتها وأحزاب المعارضة والقيادات تأتي وكذلك الناس الذين ليس لهم انتماء حزبي أيضاً يأتون وكذلك منظمات المجتمع المدني، وأنا بالنسبة لي خارطة الطريق هي واضحة المعالم. الآن معظم حكومات الولايات تكاد تجزم عليها بالفشل والموت السريري والناس رافضون لها تماماً، ومعظم الولاة فشلوا بل أن معظمهم مرفوضون، فهناك صراعات مع التمكين للتمزق القبلي وانتهينا من لحمة الوحدة الوطنية والذين يموتون الآن في الصراعات القبلية أكثر من الذين ماتوا في الصراعات السياسية في تاريخ السودان، فماذا دهانا وما الذي يحدث في السودان، فنحن صحيح سرنا هذه السنوات وأنجزنا إنجازات في ظاهرها كبيرة ولكنها مدمرة جداً، ففي اتفاقية نيفاشا قصدنا أن نوقف الحرب مع جنوب السودان فلم تهدأ بعض المناطق المتوترة حتى الآن والسبب هو أن الاتفاقية فاشلة وصحبتها اتفاقيات أيضاً فاشلة، وأنا الآن إذا قُدر لي أن أحلل ملف الحوار مع حركة العدل والمساواة وما تم من حوارات في الدوحة أو ليبيا سابقاً أو أبوجا فنجد أن المسألة لم تكن مجدية، فنحن نحاور تنظيمات وننتهي بوضع اتفاقيات مع مجموعات لا تكاد أن ترى إلا بالمجهر. الآن هناك إعلان لقيام الانتخابات ماذا تقول فيها؟ أنا أتساءل لماذا الانتخابات طالما لم نحل بعد الأساسيات، فلا يوجد سبب للانتخابات ولا يجب أن يكون هناك حديث عن انتخابات ولا دستور ولا استحقاقات، والآن الناس يتحدثون عن إبراهيم الشيخ يحاكم أو لا يحاكم فهذا إن تحدث أو لم يتحدث عنه الناس ماذا سيفعل فهو ليس له أي وضع جماهيري، ولو أصبح هناك عدد ألف شخص مثل إبراهيم الشيخ ماذا سيفعلون حتى نُقيم كل هذه الضجة، والآن هناك سبعة أوثمانية أحزاب مشاركة لو نزلوا الانتخابات دائرة واحدة في السودان لن يتحصلوا عليها. فنحن نتحدث عن حوار ونخسر شخصية مثل الصادق المهدي ونخسر الناس الذين لهم أمل وعشم في الحوار، فأنا أعتقد أن الحديث عن الانتخابات هو «عرضة خارج الدلوكة» وليس له أي معنى وقفزة في الظلام بل وقفزة للوراء، فإذا لم ندر الحوار واذا لم نثبت مآلات السودان في المرحلة القادمة لا يمكن أن نتحدث عن انتخابات، وأنا مقتنع تماماً أن قضية الانتخابات لن تحل مشكلة البلاد، والآن كل الأحزاب لا يوجد فيها حزب مؤهل يمكنه أن يحكم السودان، فإذن المطلوب هو تشكيل جبهوي وقومي يجمع الناس وأن نتفق على حل القضايا الأساسية ونوحد البلاد وننظر لمشكلتنا مع جنوب السودان وهل سيعود هذا الجنوب مرة أخرى ولماذا لا يعود، فنحن جئنا باتفاقية وخرجنا بدولة فاشلة في الجنوب ودولة شبه فاشلة في الشمال، ورغم النقد الذي وجهته فأنا أعتقد أن العقول السودانية الموجودة هي كافية في أنها تجتمع وتضع مخرجاً وحلولاً لأزمة السودان. وواضح أن الذين ترجلوا مؤخراً من المؤتمر الوطني لن يستسلموا وهم حتى الآن في تقديري هم مراكز قوة، ولكن أنا ما زال عشمي في السيد الرئيس فهو الشخص الذي يجد قبولاً من المعارضة ومن الحزب الحاكم ومن الشعب السوداني الذي ليس له علاقة بالأحزاب، وأنا مبسوط جداً لأنه في قمة آلية الحوار شخصية مثل الشيخ حسن الترابي، وأنا إذا سألوني أقول إن هذا «الشايب» يمكن أن يؤمن المخرج لأزمة السودان باتفاق مع الرئيس البشير، ومن الممكن أن يُعطي آراءً مقبولة جداً لكل أحزاب المعارضة، ونحن نطالب الشيخ الترابي بأن يستعجل ويخاطبنا ويخرج بنا من خلال موجهات حاسمة في قضايا الحوار الوطني وقضايا الحريات، وأنا مقتنع تماماً أن هذا الرجل بحكمته يمكن أن تكون كلمته نافذة داخل وخارج السودان وهو شخصية متوازنة، فنحن نريد من الترابي أن ينهض ويتحرك بهمة ونشاط حتى نصل الى مخرجات يطمئن بها أهل السودان الى مستقبل الحوار. هناك الدستور أيضاً قادم عبر الحوار ماذا تقول فيه؟ يا أخي دستور شنو فالسودان مر بالعديد من الدساتير، والآن قضيتنا ليست هي الدستور لأنه بمجئ الحوار ثوابت الدستور يمكنها أن تظهر، وأنا أعتبر أن الحديث عن الدستور هو مضيعة للزمن الآن، فأولوياتنا في هذه اللحظة ليست هي الدستور ولا الانتخابات، ففي هذه اللحظة يجب أن نتحدث عن كيفية إعادة اللحمة الوطنية والحوار الجاد الذي يؤمن مستقبل السودان في التنمية وفي مستقبل أجياله والمستقبل السياسي والمعالجة الاقتصادية للاقتصاد المنهار. ولو أن هناك شيئاً يمكن أن أكبره وأحمده للرئيس البشير أنه من وقت لآخر يعطني الإذن للحديث معه ودائماً ما أتحدث معه في القضايا الساخنة، فيا أخي الرئيس نريد منك أن تواصل عملية النظافة السياسية ونأمل في أن تبعد كل الفاشلين وكل الذين تكلسوا وكل الذين اجتمعت لديكم عنهم المعلومات عن ممارساتهم السالبة، وما زال الشعب السوداني يثق فيك، وأهم معيار لاختيار القيادة هي طهارة اليد، فنحن نريد أناساً لم يمتلكوا العمارات ولا الأرصدة. بحديثك هذا يمكن أن تصفك ذات الشخصيات التي ترمز إليها بأنك متحامل عليهم لأنك بعيد عن المواقع فما هو ردك هنا؟ أنا أيضاً أسأل هنا لماذا أنا بعيد ومن الذي أبعدني، فنحن الذي أبعدنا هو لساننا وبعدنا لأننا نتحدث ولكن نحن خيار ولا فخر، وأنا عندما أتحدث الآن لا أريد أي موقع، فمن منهم كان معنا في الجامعات على مستوى القيادة ومن منهم كان معنا في الشارع ومن منهم بنى معنا المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية ومن منهم كان معنا في الصحراء في ليبيا أو غيرها، ولذلك قلت لك عندما نتحدث فنحن خيار ولا فخر ولا نريد مواقع ورأينا سنقوله تماماً، فنحن كل الذي نريده هو إتاحة المجال لنا لإبداء رأينا، والى الآن نحن نعطيهم التفويض المطلق فنحن لا نبحث عن موقع ولا عن قيادة، ولا نبحث عن قيادة الحزب ولا عن أي موقع في الجهاز التنفيذي، وهذا حديث أسخر منه كثيراً فلو كنا نبحث عن قيادة لطأطأنا الرؤوس ولكنا وصلنا الى أي موقع ولكننا لا نريد ذلك، وأنا أفتخر كثيراً بأنني لا أملك منزلاً في حياتي ومن يعرف لي منزلاً فليتقدم لإضافته لأي أسرة أو للأوقاف، ومن يعرف مالاً فليتقدم لأخذه لنفسه ولأي شخص ومن يعرف لنا شهادة بحث في الأراضي فليتقدم لأخذها، وعموماً الحمد لله عشنا طاهرين وأيادينا لم تمتد الى المال العام وظللنا نقدم النصيحة لاخواننا ولأصدقائنا وأنا شخصياً لا أحقد على أحد وكل الذين يهمني هو مستقبل السودان. وكل الذي يهمني هو مستقبل طلاب السودان وأبنائه وقضية الفاقد التربوي والمخدرات، وحقيقة الحريات في السودان والتنمية واللحمة الوطنية ووحدة الناس وجمع البلاد فهذا هو الذي أريده.