من محاسن الاغتراب العديدة خلاف المادية الوقوف على ثقافات الشعوب العربية والاسلامية وبعض الاجنبية، الامر الذي يضع المرء في موقف يحسد عليه احياناً كما يجعل الانسان يدافع عن وطنه بلا هوادة ولا يرضى الحديث عنه بسوء وهو يعلم ان الدفاع هذا في كثير من المواضع ليس ايجابياً ويفتقر الى الموضوعية، وعندما كنا نتحاور ونتجادل مع زملاء المهنة من ابناء مصر الشقيقة مثلاً - كانوا كثيراً ما يصورون لنا بأن بلادهم لا مثيل لها وهي ام الدنيا بحالها ونحن من جانبنا نقول لهم السودان هو ارض المليون ميل مربع - قبل الانفصال بالطبع- وهو يمتاز بموارد طبيعية لا تقارن ويمتلك ثروة حيوانية هائلة، بالمقابل يعيش الناس فيه بالكفاف وبعضهم يفتقر الى أبسط مقومات الحياة - فالنقاش في تلك المجالس كان يتم في الغالب بروح يغلب عليها الجو العاطفي والخروج من أزمة الغربة، لأن المغترب تتولد عنده حساسية مفرطة تجاه وطنه لا يحتمل انتقاده او توجيه اللوم وبعد العودة النهائية قبل خمس عشرة سنة تقريباً وجدنا اشياء سلبية عديدة وسلوكيات غير حميدة لم تكن في الماضي، وهناك صفات جميلة انتهت اذ صار العداء بين الاهل والاقارب شعار المرحلة ونادراً ما تجد من يذم هذا الواقع المرير والكلام في هذا الشأن يُعد من الكماليات والمصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم يقول «من لا يَرحم لا يُرحم» وصلة الرحم تطيل العمر وتوسع في الرزق وزيارة الارحام ترضى الله سبحانه وتعالى والإحساس بآلام الجار والسؤال الدائم عن احواله تزرع السعادة في نفس السائل، ناهيك عن تقديم المساعدة ولقمة العيش بدون من وأذى وللاسف الشديد هذه أيضاً أخلاق بدأت تذوب في عصر العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي المعروفة - نحن نشكو ضيق الحال والظروف الضاغطة ونرمي اللوم كله على الحكومات غير اننا بالطبع مقصرون - ومن المفارقات العجيبة في السودان ان يصل كيلو اللحمة اكثر من ستين جنيهاً ونحن نمد دولاً عربية واسلامية باحتياجاتها من هذه السلعة الحيوية، فالمواطن اليوم يشكو من الغلاء الطاحن في بلاد حباها الله بالارض الغنية والمياه الوفيرة والمناخ المتباين الذي يصلح لكل المنتجات والان كيلة الذرة في ولاية الجزيرة وصلت ل «50» جنيهاً بالسعر الجديد والشمالية بها القمح والتمر، لا توجد لدينا ارادة سياسية صادقة ولا روح وطنية تستطيع ان تفجر الارض خضرة وذهباً، نمضي معظم الوقت، في الحديث في السياسة والحوارالقادم والمستقبل المجهول وننتظر الحل من امبيكي ورفاقه وباريس وواشنطن.. ولكنها المفارقة العجيبة.. فعلاً وقولاً..