وأما عن محاولة التشكيك في قراءة (لأهب لك) بذكر القراءة الأخرى (ليهب لك). فأنقل لك هنا كلام الإمام الطبري في تفسير هذه الآية حيث يقول (واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو (لأهَبَ لَكِ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك: يقول: أرسلني إليك (لأهب لك غُلامًا زَكِيًّا) على الحكاية، وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء (ليهب لك غلاماً زكياً) بمعنى: إنما أنا رسول ربك أرسلني إليك ليهب الله لك غلاماً زكياً. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك، ما عليه قرّاء الأمصار، وهو (لأهَبَ لَكِ) بالألف دون الياء، لأن ذلك في مصاحف المسلمين، وعليه قراءة قديمهم وحديثهم، غير أبي عمرو، وغير جائز خلافهم فيما أجمعوا عليه، ولا سائغ لأحد خلاف مصاحفهم انظر جامع البيان ت شاكر ج18/ص 461. ويقول الإمام الفخر الرازي في تفسير هذه الآية: (أما قوله لأهب لك ففي مجازه وجهان. الأول: أن الهبة لما جرت على يده بأن كان هو الذي نفخ في جيبها بأمر الله تعالى جعل نفسه كأنه هو الذي وهب لها وإضافة الفعل إلى ما هو سبب له مستعمل قال تعالى في الأصنام: إنهن أضللن كثيراً من الناس {إبراهيم 36}. الثاني: أن جبريل عليه السلام لما بشرها بذلك كانت تلك البشارة الصادقة جارية مجرى الهبة)، ( انظر تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ج2/ ص 522. ويقول الإمام القرطبي: جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله )،( انظر تفسير القرطبي (ج 11/ 91 ص). فالخلاف ليس في أن الواهب للغلام حقيقة هو الله، ولكن في جواز نسبة فعل الله للمتسبب فيه مجازاً وأنه أمر نطق به القرآن نطقاً صريحاً ليس فيه لبس ولا غموض قال تعالى: (إنما أنا رسول ربك لأهب لك). فتأمل أخي القارئ الكريم لكلام هؤلاء العلماء وهم أئمة المفسرين وقارن ذلك بالمثل الأجوف الذي ذكره المذيع لو أنك أرسلت أحد طلبتك بكتاب ليعطه لطالب أخر... إن هذا المثال ليدل دلالة واضحة على الجهل الفاضح باللغة والتفسير، فبالله عليك ما هذا التهافت أيها المذيع أن الطالب لو نسب لنفسه إعطاء الكتاب يكون كاذباً إلا إذا كان ذلك من باب المجاز الذي تنكره أنت والذي وصفتني أني مغرم به، وهل من لوم علىَّ إذا كنت مغرماً بالمجاز؟ إن المجاز أصل أصيل في لغة الضاد وهي لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة وفيهما من أنواع المجاز مالا يسع مذيع الأخبار فهمه واستيعابه. وإن حاولت إنكار ذلك جهد استطاعتك وصدق الإمام البصري رحمه الله حين قال: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم. أما قولك أن النبي صلى الله عليه وسلم يهدي هداية حقيقية فهذا يدل على عدم علمك بمعنى الهداية الحقيقية وهو خلق التوفيق في القلب أما هداية الدلالة فهي من باب الهداية المجازية. أما عن وصف المذيع لحديث جابر رضي الله عنه أنه قد أجمع العلماء على وضعه فهذا مجرد افتراء وكذب منه وإلا فليذكر لنا مَن من المحدثين قد نص على هذا الإجماع الذي ادعاه؟! ما أكثر تبجح هذا الرجل وشقشقته! أقول الحديث حكم عليه بالوضع غير واحد من العلماء منهم الحافظ عبد الله ابن الصديق الغماري وله فيه رسالة مفردة حشد فيها الأقوال من حيث الصناعة الحديثية وخالفهم غيرهم من العلماء من حيث الفقاهة الحديثية وهذا مبحث عسير الهضم عليك يحتاج إلى متخصص في علم أصول الحديث وأن شئت أفردت له مقالاً خاصاً لأنه يحتاج إلى مقدمات وشروح. وأقول ينقض دعوى الإجماع وأن الحديث غير موجود في المطبوع من مصنف عبد الرزاق أن الشيخ عيسى بن مانع الحميري طبع الجزء المفقود من المصنف وفيه هذا الحديث بإسناد كالشمس. ثم إن هذا الحديث ليس هو الوحيد في الاستدلال على أولية الحقيقة المحمدية وإنما هنالك أحاديث أخرى صحيحة كثيرة في هذا الباب أفردت لها مقالاً كاملاً أرجو أن ينشر في هذه الصحيفة وأزودك في هذه العجالة بالآتي: أن حديث جابر له شاهد من حديث ميسرة الفجر أخرجه الحاكم في مستدركه: 2/ 665 بلفظ: «متى كنت نبياً؟ قال: وآدم بين الروح والجسد» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفي لفظ: «مُنْجَدِلٌ في طينته». ورواه أحمد في مسنده: 27/ 176 رقم (16623) عن رجل وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح وصحابيه هو ميسرة الفجر. و34/ 202 رقم (20596) عن ميسرة الفجر بلفظ: يا رسول الله متى كتبت نبياً؟ قال: ... «وآدم عليه السلام بين الروح والجسد» وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح. وقد صححه محدث السلفيين الألباني. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/223 باب ورواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح. وفي سنن الترمذي 5/ 585 كتاب المناقب عن رسول الله، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم رقم (3609) عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح غريب. ورواه البخاري في التاريخ الكبير: 7/ 374 باب ميسرة رقم (1606). إن مجرد ادعاء أن الحديث موضوع ادعاء باطل فكيف إذا اقترن ذلك بدعوى إجماع العلماء على وضعه؟؟ إن غاية ما يوصف به الحديث هو الضعف وبالشواهد والمتابعات يمكن أن يرتقي لدرجة الحسن لغيره بل حتى ولو بقي على ضعفه فإن يقبل طالما أنه ورد في باب مناقب النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يسارع لردها أو إنكارها إلا شقي محروم كهذا المذيع .وختاماً أقول هذه ردود سريعة جرت بها رؤوس الأقلام على تلك الشبهات التي حاول المذيع السابق صديق أيوب أن يطعن من خلالها ويشكك في عقيدة الشيخ البرعي رحمه الله الذي هو إمام من أئمة الهدى الذين قل أن يجود الزمان بمثلهم ولكن أقول له هيهات هيهات، فقد حاولت أن ترتقي مرتقىً صعباً واللَّهُ المسؤول أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إلى مرضاته، هذا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. * أستاذ العقيدة المساعد بكلية التربية جامعة الزعيم الأزهري