هذا العنوان ليس من باب التلاعب بالألفاظ، ولا من شاكلة «المكشن بالبصل».. وأنا في منتصف الأسبوع الماضي في جولة تسوقيةٍ وقفت أمام بائع بصل، ولاحظت اختلافاً واضحاً ما بين البصل المعروض، وذلك الذي في «شوالاته»، فقلت له: «يا خوي بصلك ده ما زي داك»!! فقال لي قولاً صاعقاً: «هو البصل ده تاني بسألوا منو.. ما كله مضروب بالكيماوي»!! وهكذا حال كل خضرنا وفاكهتنا وخبزنا في أسواقنا، ونحن نشتري ونأكل، فنمرض ونموت موت الضأن، وبدلاً من أن «نشتري المجد بأغلى ثمن» صرنا «نشتري الموت بأغلى ثمن»، يعني «ميتة وخراب ديار»!! تلك واحدة، أمَّا الثانية.. فقد حدثتني نفسي يوماً أن أشتري لحماً، وذلك بالطبع قبل موجة اللحوم «الحميرية الكلبية الكديسية والنافقة» التي اجتاحتنا أخيراً، والتي مهما قيل عنها إلا أنَّها قد اجتثَّت من دواخلنا حديث النفس الأمَّارة بالسوءِ لتناول اللحوم، وقفت أمام أحدهم وهو يرش اللحم الذي أقام الذباب حوله مهرجاناً احتفائيَّاً صاخباً يرشه بالبف باااااااااااااااف «والله شهيد على ما أقول»!! ثالثة الأثافي انظروا عند الصباح الباكر وأنتم تغدون إلى أعمالكم كيف يتم ترحيل اللحوم بالركشات؟!! وفي ذهني صورةٌ زاهيةٌ، مضى عليها أكثر من ثلاثين عاماً، وأنا يافع في مدينة رجل الفولة، أنتظر كل صباحٍ باكرٍ مجيء اللحوم إلى الجزارة من السلخانة وهي خارج المدينة، فيؤتى بها محمولة في حاويات ألمونية مغطاة بالكامل بقماش من الدمورية أكثر بياضاً ونصاعةً من لبس أي بائع لحوم اليوم في عاصمتنا الخرطوم!! وعليها خاتَم إدارة الصحة بالمدينة، والترابيز المعدَّة للبيع تتضوَّع تعقيماً صحيَّاً ومنظراً بهياً، و «الكمونية والبواسم» يؤتى بها نظيفة تسر الناظرين وتغري الآكلين، أين هي من لحومنا و «مرفقاتها» اليوم في الخرطوووووم.. لا في الفولة؟!! رابعتها فلننظر لخُضَرنا وفاكهتنا في أسواقنا!! وهي مفروشة على أسمالٍ بالية مهترئة من الخيش بشكل بائسٍ ومُقَزِّز، و تظل تلكم الأسمال البالية على الأرض ليلاً ونهاراً، صيفاً وخريفاً، والكلاب تتخذها ملاذاتٍ تمارس عليها كل تفاصيل حياتها وإسقاطاتها، ثم يأتون ولا يكلِّفون أنفسهم مشقَّةَ نفضها عمَّا عَلُق بها، وهم يدوسون عليها بأحذيتهم!! ذلك فضلاً عمَّا في معروضاتهم من سموم كيميائية تعمل على إنضاجها قبل أوانها، وبالتالي تحيلها موتاً زؤاماً لا يبقي ولا يذر!! هذا الحال البائس بكل أسف في كل أسواقنا بالعاصمة.. في قلبها أو أطرافها بلا استثناء!! على العموم هذا حال أسواقنا، ولكن ما أود قوله، وقد لاحظت اهتمام وسائط إعلامنا بتوجيهات النائب الأول لرئيس الجمهورية أخيراً، بتيسير أمر «قُفَّة الملاح»، فضلاً عن لجنة سالم الصافي حجير البرلمانية، لضبط جموح وتفلت الأسعار، أقول لهم «دعوا الأسعار تنمو»، فهي لم ولن تهبط مطلقاً، وليس ثمَّةَ ما يعلو ويهبط في حياتنا إلا «ضغطُنا»، ونحن في كل الأحوال ميتون، ولكنَّنا أن نموت جوعاً خيرٌ لنا من أن نموت مرضاً بسبب التلوث الكيميائي بالمواد المسرطنة في خضرنا وفاكهتنا وخبزنا ولحومنا وغيرها. وبدلاً من أن تكون ميتة وخراب ديار فلتكن ميتة فقط، بسبب الجوع وغلاء الأسعار!! وعليه المطلوب أن توفروا لنا سلعاً غذائية خالية من التلوث الكيميائي السرطاني ولو «بأغلى ثمن»، ذلك حتى يهنأ على الأقل الأغنياء بالصحة والعافية، ويموت الفقراء جوعاً «فقط لا غير»، بدلاً من موتهما معاً، فتعدم بلادنا «نفَّاخ النار»، فيُعلن خلوها من سكانها، بدلاً من خلوها من الأمراض والمواد المسرطنة!! وذلك بإحكام المداخل وسد «الفَرَقَات»، وإعمال وتفعيل القوانين الرادعة، «فوضع الندى موضع السيف بالعلا مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى»، «ولنحذر فإن أمامنا عيداً»!! لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكنَّ أخلاق الرجال تضيق كتبها فتحي حسن عجب عشي تعليق: صدقت الأسعار لن تنزل لأنها مثل الروح... هسا الروح لو طلعت ممكن تنزل؟