كثيراً ما نحذر ونكتب... وتارة نصرخ وأخرى يبح صوتنا، حين قلنا إن الأطفال كالزجاج إذا لم تحسن التعامل معه سرعان ما ينكسر، وما أغلاه من زجاج وقيمة.. لكن بعض الناس يظنونا فقط «نحبر» ونسوِّد الصفحات لأغراض تخصنا... نحن حين نكتب هدفنا فقط التذكير والتبصير. الآن الأطفال يروحون ضحايا هذا الإهمال واللا مبالاة سواء من الأسرة أو المدرسة أو ما يعرف برياض الأطفال. صعب جداً على الآباء وأولياء الأمور متابعة هؤلاء الأطفال طيلة ساعات اليوم، وربما ظروفهم المهنية لا تسمح بذلك، فيلجأون إلى ترك أبنائهم في أيادي آخرين ظناً منهم أنهم بذلك في رعاية تامة. لكن هذا لا يتماشى مع درجة الأهمية والاهتمام من شخص لآخر.. فمثلاً عربة الترحيل تجد فيها ما لا يقل عن خمسة عشر طفلاً أو قل عشرين، في حين أن العربة يجب ألا يزيد عدد الأطفال فيها عن العدد المقرر حسب المقاعد، ولكن السودانيين يعتقدون أن المسألة «هزار» ولعب.. أشحن وحقق مالاً أكثر.. والغريبة أهل الأطفال لا يسألون بعد أن يلج الطفل داخل الأمجاد أو الهايس، ولا يتذكرون أن بين الأطفال من هو مريض وبينهم من يحمل مرضاً معدياً.. ومنهم من تربى بسلوك مشين.. ومنهم الشرس.. ومنهم «قليل الأدب».. فكلها أشياء متوقعة.. وفي بالنا ظروف الوالدين والشغل وكده... وهنا يجب أن يتدخل من هو في الوصلة الثانية، حيث أن الأسرة سلمته له لإيصاله للمدرسة أو الروضة، وعليه أن يقوم بدوره.. وأن يكون داخل السيارة مشرف حريص حصيف من ضمن العاملين بالروضة يحمي الأطفال من شر السائق أولاً إن كان غير مستقيم ويضبط سلوكهم فيما بينهم، وهذه وصلة... ثم يأتي دور الروضة هناك.. ومن بداخلها مهمتهم الأولى والأساسية رعاية هؤلاء الأطفال ومتابعة حركتهم، ويجب أن يلاحظوهم في كل صغيرة وكبيرة يقومون بها... كما عليهم ملاحظتهم حتى في أكلهم وشربهم وحديثهم وطبيعته وشكله ولونه وطعمه حتى يتمكنوا من الإلمام التام بما يجري من سلوك الأطفال لتقويمهم التقويم السليم بناءً على معلومات هذه المتابعة الدقيقة. هذه روشتة بسيطة في منتهى البساطة واليسر... لكن الإهمال ضرب كل المؤسسات بما فيها المؤسسات التربوية.. ولعبت اللامبالاة دورها الكبير في ضياع الرسالة.. وصار الآباء وأولياء الأمور يحصدون كل نتائج الندم والحسرة والحزن والألم نتيجة هذا الإهمال. وحتى الشارع العام يجب أن يشترك في هذه الرسالة بالمراقبة والزجر والتبليغ لجهات الاختصاص.. حين يلاحظ كل ما هو معوج وغير سليم.. وهذه رسالة ورسالة سامية جداً لو كانوا يعلمون. والله وأقسم بالله.. في إحدى المرات شاهدت عربة ترحيل لأطفال روضة زجاجها الخلفي مكسور ومغطى «بسلوتيب».. زول سأل السائق مافي وماشي بكل اطمئنان لأنه واثق ما في زول بسأله.. حتى الأب أو الأم التي «جدعت» ولدها أو بنتها داخل هذه السيارة لم تسأل عن سلامة فلذة كبدها في وصوله لمؤسسة التربية التي أدخلته فيها.. ومن هنا تحدث الكارثة... رغم إيماني القاطع بأن الحرص الشديد لا يمنع وقوع الخطر... وحينما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا رسول الله ناقتي هذه أطلقها وأتوكل على الله؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل» فهو لا ينطق عن الهوى... عليه أفضل الصلاة والتسليم. لذا يجب علينا أن نهتدي لهذا الحديث العميق الإستراتيجي من صاحب الرؤية الثاقبة في كل أمور حياتنا. سنواصل الحديث حول كارثة الطفل ابن الطيار بشركة «نوفا» للطيران الذي راح هكذا بين مصدق ومكذب للواقعة وشكلها وكيفيتها... لكن انتظرونا باكر.