المصطلحات تحمل في دلالاتها خيارات لغوية تعبر عن عقل ووجدان الأمم والشعوب، لأن اللغة من أبرز وأهم أدوات التواصل الإنساني، وتحمل هذه المصطلحات من جهة أخرى سمات حضارية وثقافية ومعرفية تعبر عن روح الأمة الثقافي والتاريخي والتراثي والعلمي، ومظاهر الوعي والمدنية والتقدم والنهضة التنموية. إن قيمة الإنسان الكاتب أو المتكلم الثقافية والعلمية والعقلية تبدو للمشاهد أو السامع حين يتكلم ويخطب ويكتب، ولذلك أنت في مجال التواصل الإنساني الاجتماعي أو الفكري والحوار تظل تجهل هوية الجديد الذي تقابله لأول مرة، ولا تستطيع أن تحكم عليه حتى مجرد حكم أولي حتى تراه وتسمعه يتلكم أو تقرأ له ما خطه قلمه على القرطاس، عندها يمكن أن تحكم عليه.. ولذلك من الأقوال المأثورة قولهم «تكلم لأعرفك» وقول العرب «المرء مخبوء تحت لسانه» وقولها «إنما المرءُ بأصغيره لسانِهِ وعقلِهِ». المصطلحات والألفاظ صارت في قلب معركة الصراع الحضاري والثقافي و«الآيديولوجي» بين الشعوب والدول والحضارات والديانات، بل صارت واحدة من أخطر أدوات ومقومات هذا الصراع وتلك الحرب، لذلك صارت الأمم تهتم بلغاتها وهويتها الثقافية أعظم اهتمام، حتى لا تخسر الحرب ومآلات الصراع في هذا الميدان المهم والحيوي، ولذلك حرب المصطلحات هي الحرب الجديدة الخطيرة التي تسود الآن العالم إلى جانب الحروب التقليدية المعروفة مثل الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية، وحروب المياه والغذاء والنفط، والحرب الإلكترونية وغيرها، فهي حرب الإرهاب الثقافي والفكري.. وإذا أردت أن تعرف مثالاً لهذه الحرب التي نحدثك عنها فانظر إلى حال العالم اليوم، حين يتداول الناس في حوارهم السياسي والديني والحضاري والفكري والأمني مصطلحات مثل «الإرهاب» و «حركة أمل» و «الحوثيين» و «بوكوحرام» و «إسرائيل» و «أمريكا» و «إيران» وحزب الله و «المافيا» و «الحركة الشعبية» و «الجنجويد» و «الجبهة الثورية» و «الإيبولا» و «الايدز» و «السرطان» وغيرها.. ماذا تجد في نفسك حال سماع هذه الألفاظ وتلك العبارات، وتعال معي أيضاً لنقرأ ونسمع صدى عبارات أخرى مثل محمد رسول الله، العدالة الاجتماعية، الحرية، الجنة، الرحمة، الوفاء، الإسلام، السلام، الأمان، المحبة، التعاون وغيرها، ماذا تجد في نفسك حال سماع هذه الألفاظ وتلك العبارات؟ ومن هنا ومن خلال قرارة نفسك أيُّها القارئ الكريم تدرك فعلاً أن هناك حرب المصطلحات وصراع هويات وحضارات. الطهارة في المفهوم اللغوي العام تعني النظافة والنقاء والصفاء، هذه هي عموميات دلالاتها في اللغة العربية، وللطهارة مدلول مصطلحي شرعي في الفقه والتشريع الإسلامي، حيث يبدأ مفهوم الطهارة عند المسلم بتطهير فكره وقلبه ووجدانه، وشعوره.. تطهير عقدي من الآلهة والطواغيت والأصنام والأوثان والأوتاد والأغواث والتمائم والكهنة والتشاؤم والإلحاد والشيوعية والعلمانية والرياء، ليبقى قلبه ووجدانه وتصوره وفكره وشعوره خالصاً لله ربّ العالمين، وهذه أعظم أنواع الطهارات.. ثم تأتي طهارة المكان والبدن والثوب بوسائل الطهارة المعلومة في الفقه الإسلامي.. طهارة الغسل وطهارة الوضوء وطهارة التراب «التيمم» على الترتيب من أعلاها إلى ادناها. والطهارة ليست قاصرة على مفهوم الغسل والوضوء والتيمم، لأجل مشروعية العبادة والتوجه نحو الله تعالى، بل الطهارة عند المسلم تتعدى هذه الحدود الضيقة وإن كانت هي الأهم إلى طهارة النفس المعنوية.. طهارة من الأنانية والشح والعجز والجبن والحقد والحسد وفساد الطوية.. وهناك طهارة الضمير والطباع والفطرة من الدناءة والرذيلة والهوان.. وهناك طهارة النظام السياسي من الجبروت والتسلط ومظاهر الدولة البوليسية والاستبداد والظلم والقهر والدكتاتورية والفرعونية، ومصادرة حقوق الناس وحرياتهم بغير وجه حق، والشعور بإلهية السلطة والنفوذ، والمحسوبية والواسطة والشفاعة المحرمة. هناك طهارة النظام الاقتصادي من الغش والتطفيف والرشوة والتزوير والربا والفساد، والاعتداء على المال العام والخاص بالسرقة والنهب والاغتصاب والتجنيب السري والاختلاس.. وهناك طهارة النظام الاجتماعي من الفوضى والإباحية والتعري والمجون وإطلاق عنان الشهوات والبهيمية.. وهناك طهارة النظام الثقافي من التقليد والموضة والتغريب والدخيل الفاسد، والأمزجة والمظاهر والمعتقدات المستوردة السافلة. إن للطهارة أوجهاً شتى وأبواباً ضخمة وأنواعاً عدة، فحق علينا أن نعي مفهوم الطهارة بدلالاتها الشاملة.. كن طاهراً تسعد وتعيش موفور الجناب عزيز النفس كامل الرجولة أو كاملة الأنوثة.. وبين البقاء على أصل الفطرة والطباع ووازع الضمير والدِّين والعدل وحفظ حقوق الإنسان يمور العالم بصراع حرب المصطلحات والأفكار، فإما يبقى الناس على قيمة الطهارة بمدلولها العام أو ينساقون قسراً واختياراً نحو المسخ والنسخ والذوبان.