في إطار الرؤية التي شرعنا في الإشارة إليها باعتبارها معبرة كما نرى عن الدلالة ذات المغزى البعيد المدى في المآلات المرغوبة والمنشودة والمطلوبة والمتوقعة والمحتملة نتيجة لما يجري في الحراك الداخلي الحالي الجاري في حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة والمؤسسة له، بما في ذلك ما أثير عن التحذير من مراكز للقوى المتباينة والمتنازعة والمتشاكسة والمتنافسة والمتصارعة، والتهديد بعدم السماح بذلك على النحو الذي ورد في الخطاب الختامي الذي أدلى به السيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير في الجلسة الختامية للمؤتمر العام الأخير للحزب مساء السبت الماضي. وبالعودة في سياق هذا الإطار للرؤية إلى ما أشرنا إليه أمس بشأن الإفادة المهمة التي أتيح لنا أن نستمع لها بصفة مباشرة في لقاء محدود الحضور مع الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية السودانية وملهمها ومرشدها لدى تأسيسها عام 1989م للسلطة الحاكمة الراهنة. وهو اللقاء الذي جرى في ساعة متأخرة من مساء اليوم الذي أقال فيه الرئيس البشير بقرار مثير في ديسمبر الماضي عدداً من كبار المسؤولين القياديين والمخضرمين والنافذين من مناصبهم العليا التي كانت تتيح لهم الهيمنة المفرطة في السيطرة على الشؤون العامة ومقاليد الحكم في الحزب والدولة كما هو مشهور ومعلوم لدى المراقبين في ذلك الحين.. فإنه تجدر الإشارة بناء على هذا إلى أن د. الترابي كان قد أعرب في تلك الإفادة التي أدلى بها في ذلك اللقاء، عن رؤية عميقة ومتعمقة وبعيدة المدى يرى فيها أن ذلك القرار المثير للرئيس البشير إنما يعني في حقيقة الأمر أنه ينهي به مرحلة وحقبة كاملة هي الحقبة الثانية من الفترة الممتدة للسلطة الحاكمة القائمة منذ استيلاء النخبة المدنية والعسكرية الممثلة للحركة الإسلامية السودانية الحديثة والمعاصرة على سدة مقاليد الحكم بانقلاب ثوري أقدمت على القيام به في العام 1989م. وفي سياق هذا المعنى الحضاري للرؤية، التي عبر عنها في ذلك اللقاء الليلي، أضاف د. الترابي أنه يرى أن السلطة الحاكمة القائمة والراهنة كانت قد بلغت المدى الذي أفضى وأدى إلى أن تتنامى الخلافات والاختلافات والصراعات التي كانت محتدمة بشأن الأهمية البالغة لضرورة الالتزام بما كان قد تم الاتفاق عليه منذ بداية الاستيلاء على سدة مقاليد الحكم فيما يتعلق بالحاجة الملحة للاستمرار في العمل على تطوير ما جرى لتوطيد دعائم السلطة وتمكينها وتثبيتها على قاعدة شعبية راسخة وخاضعة لإرادة شعبية صلبة ومتماسكة ومتلاحمة ومعبرة عنها بصورة صادقة ونابعة من القناعة المؤمنة والواعية بما تسعى له من أهداف سامية وشاملة لكل المناحي والمجالات في الحياة الدنيا من أجل إعمارها بأعمال صالحة ونافعة وهادية ومهتدية وراشدة وناضجة ومتطلعة إلى تحقيق الفلاح والنجاح في هذه الدنيا الفانية والزائلة والقائدة إلى الوقوف أمام رب العباد في يوم الحساب بالدار الآخرة الخالدة والباقية. ورغم أن د. الترابي كان قد أعرب في تلك الليلة عن مدى ما ظل يعرب عنه منذ ما يسمى المفاصلة في أواخر تسعينيات القرن الميلادي العشرين المنصرمة، وذلك فيما يتعلق بما لديه من خيبة أمل حادة ولاذعة وشديدة المرارة والوطأة الثقيلة عندما يتحدث عن أولئك الذين يرى أنهم كانوا قد اختاروا أن يتصدوا له ويقفوا ضده ويناهضوا ما ظل يتمادى ويتفانى في سبيله من أجل تنفيذ ما كان يرغب فيه من تطوير مستمر ومنتظم ومتواصل للتجربة الحاكمة الراهنة.. إلاّ أنه وكما بدا لنا في تلك الليلة وذلك اللقاء، فإن د. الترابي كان قد تمكن من السيطرة على حظ النفس في الشعور بالمرارة اللاذعة وخيبة الأمل الفاجعة والشديدة الوطأة فيما يتعلق بالرغبة في التشفي والانتقام من الذين يرى أنهم قد شاركوا في الذي جرى على النحو الذي أفضى وأدى إلى الوصول إلى تلك المفاصلة والدخول في الفصول الوعرة والشائكة والصعبة والمعقدة والمقعدة والمحبطة التي جاءت لاحقة لها ونابعة منها وناتجة عنها ومترتبة عليها.. حيث لم يكن في تلك الليلة وذلك اللقاء يبدو كثير الاكتراث بما فات وانتهى بقدر ما كان يبدو شديد الاهتمام بما قد يجري بعد ذلك. وبناء على هذا فقد أبدى د. الترابي في تلك الليلة وذلك اللقاء حالة متفائلة بأن ما حدث لا بد أن يكون له ما بعده، وأن الفرصة قد صارت سانحة وصالحة وملائمة ومواتية ومهيأة للإقدام على القيام بوثبة أخرى..