في ضاحية «دوما» بالقرب من دمشق. كان مولد رأفت لأم يهودية سورية وأب يهودي عراقي يعمل دباغاً للجلود امتلك أسرار المهنة فأجاد الحرفة.. فأقام مدبغة في بغداد بعد ستة أعوام من العمل الجاد في سوريا.. إلا أنه هرب فجأة لموطنة الأصلي ومعه أسرته الصغيرة وذلك لاتهامه باغتصاب طفل مسيحي دون العاشرة.. فعاش في بغداد يحاصره الخوف من مطاردة أسرة الغلام والسلطات السورية إلا انه لم يرتدع بعد هذه الحادثة.. إذ واجهته هذه المرة تهمة اغتصاب طفل آخر في بغداد.. ولثرائه الفاحش ولخوفه من افتضاح أمره ومحاكمته محاكمة رادعة دفع مبلغاً كبيراً لوالد الطفل رقيق الحال فتبدلت الأقوال في محضر الشرطة وخرج رأفت ببراءته ليمارس شذوذه على نطاق واسع مع غلمان مدبغته إلى أن وجدت ذات يوم جثته طافية بأحد الأحواض المليئة بالمواد الكيماوية المستخدمة في الدباغة، وكان ابنه إبراهام وقتئذ في الثانية عشرة من عمره وأخته الوحيدة ميسون على أعتاب السابعة.. باعت أمهم المدبغة وهربت بثمنها إلى مكان مجهول مع السمسار اليهودي الذي جلب لها المشتري وتركت إبراهام وميسون يواجهان مصيرهما لدى عمهما البخيل، ويتذوقان على يديه صنوف القهر والقسوة والعذاب.. وأمام تلك المعاناة.. ترك إبراهام مدرسته والتحق بالعمل كصبي بورشة لسبك الفضة يمتلكها تاجر يهودي.. بينما عملت ميسون كخادمة بمنزل عمها مقابل الطعام.. دفعت هذه الظروف إبراهام للسرقة فمارسها بحذر شديد في سرقة المعدن الخام قبل سبكه ووزنه دون أن يلحظه أحد.. وما أن بلغ مرحلة المراهقة باندفاعها وطيشها حتى ظهرت عنده أعراض الشذوذ كوالده وكانت الضحية الأولى أخته التي كان ينام معها في فراش واحد بإحدى الحجرات المنعزلة، فكان يحصل منها على نشوته الكاملة وهي تغط في سبات عميق.. وذات ليلة.. استيقظت ميسون على غير العادة ولاذت بالصمت المطبق تجاهه عندما أحست به يتحسس جسدها فهو شقيقها الذي يحنو عليها ويجلب لها الملابس الجديدة والحلوى ويدافع عنها ضد جبروت عمه وزوجته ويطلب منها دائماً الصبر على قسوة الظروف.. يرسم لها رحلات خيالية بعيداً عن منزل عمها فكانت تسكت على ذلك الأمل.. البعيد المنال.. ولما ظهرت عليها علامات الأنوثة وعلتها مظاهر النضوج استشعرت برضوخها لمداعباته التي أيقظت رغباتها فتجاوبت معه على مضض وعلى استحياء شديد في البداية إلى أن استفحل الأمر بينهما.. فهرب بها إلى البصرة وبين أمتعتهما صندوق عجزا عن حمله كان بداخله خام الفضة الذي سرقه على مدار عشر سنوات كاملة من العمل بالمسبك.. واعتماداً على خبرته الطويلة أقام مسبكاً خاصاً به بحصيلة مسروقاته واكتسب شهرة كبيرة بين التجار وأثرى ثراءً كبيراً بعد أربع سنوات في البصرة.. كانت ميسون ناهزت التاسعة عشرة من عمرها جميلة يانعة تحمل صفات أمها الدمشقية ذات جسد ملفوف أهيف ووجه بشعر أشقر عيناها ناعستان كحبتي لؤلؤ تتوسطها فيروزتان في لون البحر وفم كبرعم زهرة غسلتها قطرات الندى يكتنز بالاحمرار والرواء وأنوثة طاغية تشتهيها الأعين.. بيد أن الحب له طعم آخر وملامسة بديعة تداعب الخيال فتهيج الخفقان سيمفونية رائعة من أغاني الحياة.. فعندما أحبت ميسون جارها وتمكنت منها المشاعر.. هربت كأمها مع الحبيب إلى أقصى الشمال.. إلى «الموصل» فتزوجته طامسة وراءها ذلك التاريخ والذكريات السوداء المؤلمة من أفعال شقيقها «إبراهام». فحزن لفراقها حزناً شديداً وأصبح يتخبط في البحث عنها في هذا المناخ يسهل جداً احتواؤه بفتاة أخرى.. تدفعها رياح الشفقة وتقترب منه عطوفة رقيقة بدأت تقربه منها حتى أناخت فضوله واستولت على رسنه هي «رحيل أليها» فلازمته في قمة معاناته للدرجة التي يصعب عليه الابتعاد عنها.. وثالثة الأثافي أنها بنت يهودي صهيوني يعمل لصالح الموساد.. إذ كان لها دور فعال في دفعه نحو شبكة التجسس فاستطاعت ضمه بسهولة لهذه الشبكة أي إلى شبكة والدها.. ومن منطلق تاريخه القذر «فهو خائن وبهيمي وسارق استباح حرمة أخته ذابحاً عفافها غير مبال بالدين والقيم ومن يتصف بهذه الأخلاق الذميمة لا يصعب عليه أن يخون الوطن الذي آواه منذ نعومة أظافره.. فكل القيم عنده طمست معالمها وغطاها الصدأ.. بدأت رحلته مع الجاسوسية بعدما تزوج من «رحيل».. فأخضع لدورات تدريبية عديدة أصبح بعدها جاسوساً.. فانتقل إلى بغداد ليمارس مهامه الجديدة.. ولم يكن يدرك أن شبكته التي يديرها بأنها ستكون فيما بعد أشهر شبكات الجاسوسية في العراق على الإطلاق.. في بغداد استأجر إبراهام منزلاً رائعاً وافتتح مكتباً وهمياً للتجارة بشارع السعدون والتحق بأحد المعاهد المختصة بتعليم اللغة الإنجليزية، وأول ما جند شاباً يهودياً يعمل مترجماً للغة الروسية له علاقات واسعة بذوي المناصب الحساسة في الدولة، كثير السفر إلى موسكو بصحبة الوفود الرسمية، كان دائماً ما يجيء محملاً بالسلع والكماليات معتمداً على إبراهام في توزيعها وتصريفها.. كان تجنيده بعيداً تماماً عن المال والجنس إذ كان «شوالم» غالباً ما يحكي لإبراهام أسرار سفرياته وتفاصيل ما يدور هنالك بين الوفدين العراقي والسوفيتي، ولم يدر بأن أحاديثه مع إبراهام كانت كلها تسجيلاً.. وعندما استدرجه ذات مرة في أدق الأسرار تشكك «شوالم» في نواياه فامتقع وجهه واستبد به الخوف.