يعتبر السودان من الدول الرائدة في مجال المسرح، وخاصة تجربة المواسم المسرحية بالمسرح القومي بأم درمان التي أسسها المسرحي الراحل الفكي عبد الرحمن، وبدأت المواسم المسرحية في العام (1967 1968) وأول المسرحيات التي قدمت به (المك نمر سنار المحروسة خراب سوبا أكل عيش). لكن في السنوات الأخيرة تلاشت تلك المواسم المسرحية من على خشبة شيخ المسارح واصبحت تقدم فيه عروض على فترات متباعدة ودون دعاية أو إعلان بشكل مكثف حتى أن البعض لايعلم بأن هنالك مسرحية على خشبة المسرح.. (نجوع) قامت بفتح ملف المواسم المسرحي بالسودان كيف بدأت وكيف اندثرت وأين هي الآن؟ استطلعنا عدداً من الرواد والمسرحيين ليدلوا لنا بدلوهم.. بدءاً التقينا الأستاذة الممثلة القديرة/ فائزة عمسيب والتي قالت في إفادتها لنا: قديماً كانت المواسم المسرحية تبدأ بزمن وتنتهي بزمن محدد، كان المسرح يقفل أبوابه يوم30/ يونيو بفعل الظروف المناخية وفي يوم 15/ أكتوبر يفتح المسرح أبوابه وفي تلك الفترة الزمنية يتم التحضير للموسم المسرحي الجديد، حيث تقوم لجنة النصوص بدراسة النصوص ومراجعتها واختيار الصالح منها للعرض وتحديد زمن عرض كل مسرحيه. وكانت الدولة هي المسؤولة مسؤولية تامة عن الفنيات الديكور والدعاية والبوسترات باختصار الدولة كانت تتكفل بكل ميزانيات الموسم المسرحي. وكانت هنالك لجنة سرية يتم بواسطتها اختيار الاعمال المميزة واختيار أفضل (مخرج ممثل " سيناريست فني ...الخ) وتمنحهم جوائز رمزية لتشجيع الانتاج والاستمرارية. وكان سعر التذكرة سعراً رمزياً وتتوفر المواصلات بعد العروض حيث كان يقف بص امام المسرح يقوم بنقل الجمهور الى المحطة الوسطى أم درمان ومن هناك تتوفر المواصلات لجميع انحاء العاصمة وهذا كان يشجع الناس على ارتياد المسرح. مخرجات المهرجانات.. فقاعة صابون الممثلة الرائدة رابحة أحمد محمود أفادتنا بقولها: المواسم المسرحية مرتبطة بإدارة المسرح وقد بدأت في بداية السبعينيات واستمرت حتى بداية الثمانينيات ولكن هنالك ظروف مر بها المسرح وعجز الميزانيات فتغير الحال وهجر بعض الممثلين الوطن وبعضهم ما زال موجوداً ومتمسكاً برسالته. لكن الذي يحدث الآن من إنعدام للمواسم المسرحية يعزى لعدم وجود برمجة واضحة بسبب شح الامكانات والوضع الراهن بالبلاد فالمسرح يجب أن يعامل معاملة الصحة والتعليم وأن يجد العمل المميز فيه الرعاية والاستمرارية. ذهبت المواسم المسرحية وحلت محلها المهرجانات ولكن مخرجات تلك المهرجانات اغلبها كفقاعة الصابون فمن لا يجد منتجاً يذهب عمله هباء منثورا وبالمقابل هنالك اناس ما زالوا يصارعون الريح. وبالنسبة للأعمال التي تعرض على خشبة المسرح لاتجد الاعلان المكثف فنحن قمنا بعرض مسرحية (وجع3) في مدينة الجنينة ووجدت رواجاً منقطع النظير وعندما قمنا بعرضها على مسرح خضر بشير لم يكن هنالك جمهور بالمعنى المفهوم سوى بعض الزملاء والمعارف مما قدمنا لهم كروت اكرامية لحضور العرض وفي اثناءء استغلالي لاحد المركبات العامة قابلت فتاة شابة وعندما اخبرتها بالمسرحية التي تعرض على المسرح هذه الايام اجابت بأنها لم تسمع بها وحت اذا ارادت مشاهدتها كيف يتسنى لها ذلك وهي (تدخل البيت بعد المغرب) ولاتوجد مواصلات فشعرت حينها بأن الوضع عموماً لايسمح بقيام مواسم مسرحية ابتداء من الجهات المسؤولة وختاماً بالمواطن البسيط. فماذا لو تشجع أصحاب رؤوس الاموال واستثمروا في مجال المسرح فلو فهم الرأسماليون أن المسرح اكبر استثمار لما توانوا لحظة من الاستثمار في هذا المجال المربح. فنحن كمسرحيين محبطين تماماً من اندثار المواسم فالمواسم مرتبطة بالإنتاج والإنتاج مرتبط برأس المال وهذا مرتبط بالادارة والادارة مرتبطة بالدولة إذن على الدولة السعي في تفعيل المواسم المسرحية بعمل مؤتمرات وسمنارات لمناقشة الأسباب والبحث عن حلول. الدكتور فيصل أحمد سعد الممثل والأستاذ بكلية الموسيقا والدراما أفادنا قائلاً: انشئ المسرح القومي في العام 1959م وقُدمت فيه أول المواسم المسرحية في العام 1967م وكان مدير المسرح حينها الأستاذ الفكي عبد الرحمن وانتظمت المواسم المسرحية حينها ولا يستطيع ايه شخص ان يقدم عملاً على خشبة المسرح مالم يثبت كفاءة ومقدرة وكانت الدولة تقوم بإنتاج الاعمال المسرحية وكان الجمهور يؤم المسرح فقد كانت المسرحيات التى تعرض ناجحة ولكبار الممثلين. ولكن عندما رفعت الدولة يدها عن الانتاج اختل النظام وأصبحت العروض تقام على خشبة المسرح القومي كيفما اتفق سواء كانت مبادرات أو مهرجانات ولا يوجد موسم مسرحي بالمعنى المفهوم فالعروض الحالية لاتشبه المواسم المسرحية فمن يستطيع الانتاج ينتج ومن لديه المقدرة على استئجار المسرح يستأجر فالمسرح اصبح عبارة عن دار عرض يتم تأجيره للاعمال الجاهزة وما زال شبح الامكانات يهدد المسرح القومي. وهنالك افرازات بسبب غياب المواسم المسرحية مثل غياب شكل المنافسة وتأخر ظهور نجوم جدد فلا توجد آليه واضحه لظهورهم، إضافة الى أن المشاهد حُرم من مشاهدة أعمال منتظمة بالسعر البسيط. المسرح كان للتثقيف وليس الترفيه الرائد المسرحي السر حسن يوسف قال في إفادته لنا: شهد المسرح ازدهارا في الفترة من نهاية السبعينات وحتى نهاية الثمانينات وكانت تقدم فيه مسرحيات ذات مغزى على سبيل المثال مسرحية (التمر المسوس) من إخراج عثمان قمر الأنبياء تمثيل فرقة أضواء المسرح بقيادة محمد خلف الله ويسن عبد القادر وقبلها قدمنا مسرحية (بيت العزابة) من إخراج عثمانأحمد حمد (أبو دليبة). كما قدمنا المسرحية الشهيرة (خطوبة سهير) وهي من المسرحيات الخالدة من تأليف حمدنا الله عبد القادر وإخراج الأستاذ مكي سنادة، وكنا نطوف الأقاليم في ذلك الوقت بعروضنا المسرحية بعد عرضها على خشبة المسرح القومي. أما الآن فلاتوجد مواسم مسرحية بالمعنى المفهوم ولكن توجد عروض مسرحية لأسباب كثيرة أهمها أن المسرح قديماً كان تحت رعاية الدولة رعاية تامة وكان الناس يؤمو المسرح للتثقيف وليس للترفيه. أما الآن فالمسرح اصبح مسرحاً تجارياً فالذي يود إنتاج مسرحية يجب ان تتوفر إليه مبالغ مالية طائله تتراوح مابين 50 70 مليون جنيه. فعلى وزارة الثقافة ان تدعم الحركة المسرحية لتعود للمسرح السوداني عافيته بوجود المواسم المسرحية فالمسرح هو هوية البلد. هروب الجمهور وابتعاد المميزين الأستاذ محمد شريف علي أفادنا قائلاً: بدأ مواسم مسرحي في (1967 1968) وكان في كل موسم تقدم عدد من المسرحيات السودانية والعربية والافريقية والعالمية وكانت تتاح فرص للكُتاب بأنواعهم وتتاح كذلك للمخرجين من خلال المكتب الفني الذي يحدد شكل الموسم وأنواع المسرحيات وعددها. في البداية كنا نستقطب الناس التذاكر الاكرامية والدعوات حتى استطعنا جذب جمهور كبير واصدقاء للمسرح، ثم بعد ذلك توالت المواسم وازدهر المسرح في اوائل الثمانينيات من حيث الجمهور واصبح للمسرح جماهير غفيرة في كثير من العروض ففُتحت دور أخرى للعرض كقاعة الصداقة ومسرح أمبدة الأهلي. الآن لا توجد مواسم مسرحية لانعدام التخطيط والفنيات. فقط تُقدّم مسرحيات قليلة ولايؤمها جمهور بالمعنى الواضح سوى عدد قليل من العالمين بالمسرح. فالجمهور هرب ونفذ بجلده من العروض السقيمة. فكثير من المميزين آثروا الابتعاد عن الساحة الفنية.