لم أك أدرك أن لمِشية المرأة وطلّتها أهمية بالغة عند العرب البقارة، إلاّ بعد أن أغتسلتُ من أدران العزوبية وأحرمتُ عند بوابة الإحصان. وبدأتُ رحلة البحث عن شريكة تقاسمني حلوة الحياة ومُرها، ولأنني قررتُ دخول القفص الذهبي بالطريقة التقليدية (كما يقولون)، بدون سابق معرفة، نتعارف داخل عُشِنا. ومن المعروف سلفاً عند السودانيين أن الزواج عبارة عن مؤسسة يساهم فيها عددُ من الأهل والأقارب بآرائهم وترشيحاتهم، ونسبة لفقدي والدتي الحاجة (حليمة عبد الله)، قررتُ أن أنال رضاء والدي، وأعطيه حق مشاركتي الاختيار، بالرغم من اختلافنا الفكري والاجتماعي، حيث أعيشُ في مدينة عصيّة المِراس، نيالا البحير، وهو في أقصي جنوب دار فور، في قرية حالمة وادعة تنام ملء جفونها، بمحلية برام الكلكة مستمتعاً بحياة البدواة ومتشبعاً بعادات وتقاليد أهلي الرحل. فكلما وجدتُ حسناء من بلادي ذات خُلق ودِين، أحسُ بأنها مناسبة معي، أتصل عليه في القرية، وأقول له ولأخوتي بأني وجدتُ فتاة عايز أتزوجها، يبادروني بفيض من الأسئلة ، اسمها منو؟ أرد : فلانة، واسم أمها منو؟ أقول: علانة، يصمتوا برهة ثم يقولون لي: لا لا لا، دي ما بتنفع معاك. أقول لهم لماذا؟ يقولون لي دي حَمدها شين معاك ..دي (أم ستة، جلدة ضأن وأكلتها عِتة (حشرة) العايشة هي والميت أتا (أنت) أيّ نحسة، (بتقصر أجلك)، بالرغم من إيماني القوي بأن الأعمار بيد الله،. تركتها ثم بحثتُ عن أُخري وقبل إخطارها برغبتي في الإقتران بها، تأكدت من صفاتها وخُلقها عبر الأقارب، ثم اتصلت علي أخي الملازم لوالدي، قلتُ له وجدتُ فتاة رائعة ًومتعلمة ولها وظيفة محترمة، فقال لي اسمها شنو؟ قلت. فلانة ، وأمها اسمها منو؟ قلت علانة . صمت قليلاًًًً لإجراء عملية السقط (التنجيم) ثم قال لي أسمع يا أخي دي، بتلتلك وسوف تعيش عمرك كُله في الاستلاف من الناس، دي(أم أتنين ستعيش حياتك دين في دين) والوالد لا يمكن أن يوافقك عليها. دبّ في نفسي بعض القنوط، لأني فتحت باباً سيتعبيني كثيراً، وأثناء فترة دبرستي وجدني صديقي الدكتور الساخر إبراهيم محمد أحمد (جبرة) يائساً،(وهوكان متابعاً لإختياراتي)، فقال لي عرفناك سُلطان العاشقين في نيالا الثانوية، وقيس جامعة نيالا، والآن مدير إعلام جامعة كاملة، تشرق لك الشمس في الفراشات، وتُمسي في أروع النجمات، وصوتك في الإذاعة يشق السهول والوهاد، معقول تلجأ في اختيار شريكة حياتك وأميرة قلبك إلى أسلوب العصر الحجري يا دكتور؟ وجمتُ أمام حديث صديقي، لإني أعرفه تماماً يجيّد الوخز بالكلمات، ويتحين الفُرص لممارسة هواية التقريص، التي إعتدت عليها منذ أن كنت أعيش معه في غرفة واحدة بمنزل أسرته العامر بحي الوادي شرق. المهم قررتٌ، إعطاءهم آخر فرصة مشورة ،فإن لم أوفق معهم، سوف أتوكل علي الله وأمضي بقناعتي الشخصية. أخترتُ ثالثة من لُب الأسرة، لكني لم أراها يوماً في حياتي؟ تّم ترشيحها لي من إحدى أخواتي، والحمد لله نتيجة السقط الأولية طلعت عندهم موجبة، فقالوا لي: (دي أم تمانية سمحة وخلوقة وبتلد ولد)، بالرغم من عدم مقابلتهم لها، ثم أضافوا أنظر إلى ساقيها وعرقوبيها، وأهم حاجة( شيف) مِشيتها، إذا كانت تمشي تفتح قدميها من الخلف وتضمهما من الأمام فهي بخيتة لمّامة للنعمة، ولها رزق كتير، وإذا كانت تفتح قدميها من الأمام وتضمهما من الخلف فهي كشّاحة للنعمة، والفقر لم ولن يخرج من بيتك. هذا الموقف أو قُل الامتحان، جعلني أقف ملياً أمام مشية المرأة، وأتمعن فيما أختزنه من شِعر، لأن الشعراء أكثر الناس قُدرةً علي تصوير مِشية المرأة، فوجدتُ أن العرب يحبذون المرأة البطيئة الحركة، الرزينة ،الموزونة الخطوات، والخجّولة الطّلات،،ويمقتون الخفيفة (الشليقة)، سريعة الحركة، بالرغم من أن البعض يراها ( أي سريعة الحركة) امرأة نشطة ومليانة حيوية، بالمعنى الآخر (عصريّة). فمشية المرأة كانت في قديم الزمان واحدة من مواصفات الجمال، تناولها الشعراء كثيراً، حتى القرآن الكريم تحدث عنها، خاصة مشية الاستقامة والهداية وأن الشخص يجب إلآ يحُك بأنفه السماء تكبُراً، ولا يمش حاسر الطرف مُكباً راسه. ويحكي القرآنُ الكريم قصة بنتيي سيدنا شُعيب، عندما مشتْ إحداهما نحو سيدنا موسى عليه السلام بحياء وأدب لتبلغه رغبة والدها في إعطائه أجر سُقيته لهما، حيث قال تعالى (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوكَ ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) سورة القصص الآية (25) ولم يغفل الأدب العربي منذ الجاهلية عن مِشية المرأة التي تنم عن شخصيتها، وما زالت أبيات الأعشي التي قالها في لحظات وداع حبيبته (هريرة)، حيًة تمشي بين الناس ، تجمّل أقوالهم وأمثالهم وحكاياتهم، حيث يقول الأعشي أن حبيبته هريرة بيضاء ذات شعر طويل (فرعاء) تكشف إبتسامتها الوضيئة عن عوارض مصقولة، وتمشي بخطوات مُتئدة كأنها ثور حاف الأظلاف، أوسحابة مُمطرة تسير بسرعة متوسطة (لا ريث ولا عجل) ودع هريرة أن الركب مُرتحل * فهل تطيق وداعاً أيها الرجل غراء فرعاء مصقولة عوارضها * تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل وكأنّ مشيتها من بيت جارتها * مرّ السحاب لا ريث ولا عجل كذلك تحتفظ الذاكرة الجماعية للسودانيين بأغنية الزينة جات تتقّسم التي كانت منتشرة في شتى أنحاء السودان الزينة جات تتقسّم وماشة علي تتبسم حلاوة خِفة دم زالت عني الهم ويصف الشاعر الشعبي محمد الجزولي إحدى فتيات قرية (نورلي) بأنها حريفة، ومُدركة لفن المشي، وسر الأناقة، خاصة إذا لبست فردتها الرسالة (نوع من الثياب)، وتمنى أن يسكن معها في قريتها التي يعتبرها جنة يانعة جات لابسة الرسالة في المِشية تتني كسرت مسايرها المشي عارفة فنّا وبعد دا نورلي نعتبره جنة وكِن بحظنا يكون مسكنا ويرى علماء الجمال أن مِشية المرأة البطيئة تدل علي الدلال والإعتزاز بالنفس، ونوعاً من الذوق الرفيع متماشياً مع الحياء الذي تتدثر به، بينما يرى علماء التشريح أن بطء مِشية المرأة (خاصة البدينة) ناتجاً عن التركيبة التشريحية للمرأة، ومحاولتها الموازنة بين إستقامة عودها وبعض المواضع المكتنزة من جسمها، سواء كانت في حوضها أو صدرها. وهناك بعض النساء يصنعن مِشيات بهدف (الفشخرة ) ولفت النظر أو إدعاء الأناقة ،كالتي تميل جيدها، أو تفرد أصبعها الصغير (الأنصر). مثل التي صورها الشاعر الشعبي وهي تتبختر في مشيتها بثوبها المشجّر (الملوّن) عوضية الطاؤوس في المِشّة تتبختر بثوبها المشجّر زي زهور المشتل كِن جات ماشة المنزل، ما أروع المنظر وشبه الهداي أحمد تاج الدين شُعيب مِشية إحدى الفتيات المنتظمة الخطوات بمشية الرائد الذي يسير بخطوات تنظيم عشانكِ بطلّع قصايد كحلا مِشية الرايد نفيسها ون مانشو والنسيم مع الهبايب وظيفة اللواء الشكّل كتايب وإتجه منطِقة حلايب وأيضاً يقول نفس الشاعر في فتاة نجلاء العينين جاتني ماشة بخطوة نظامية أديتها تحيّة أم عيوناً بتلمع مثل كهربة الأُميّة وأم جمالاً معدوم في البلد ما فيّة في ختام هذا المقال أقول لكم هل تصدقوا؟ كل ما قاله أهلي تحقق بنسبة مئة بالمئة حتى ولادة الولد، سبحان الله (كذب المنجمون ولو صدقو)