جاء في الأثر (إن اللَّه إذا أحب قوماً ابتلاهم).. (وأن اللَّه إذا أحب عبداً ابتلاه في حبيبتيه).. ويقول سبحانه وتعالى في سورة الفجر الآيات «15 16»: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعّمه فيقول ربي أكرمنِ ٭ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننِ ).. ومن الآيات نجد أن الابتلاء في الحالتين بسط النعمة للعبد.. وإمساكها عنه.. كله ابتلاء.. وراح البعض يفسر ما يحدث للشعب السوداني من شظف في العيش وضيق في الحياة والحروب والدمار والموت وتآكل أطراف البلاد وحدودها وعدم الاستقرار اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ورياضياً.. وفنياً.. على الرغم من ثراء السودان بكل هذه الجوانب وضخامة إمكاناته في كل الجوانب.. وعدم اتفاق كبار البلد من ولاة أمر أو معارضين.. ربما يعود لحب من اللَّه لأهل السودان.. وما صبرهم وتحملهم لكل ما يحدث لهم من أذى إلا دليل على ذلك.. ويذكر اللَّه عباده بقوله: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً.. وإنكم إلينا لا ترجعون؟!).. وهذا للجميع لو كانوا يعقلون. أما الضفادع والجراد والدم والقُمَّل فقد كان وعيداً وتهديداً لآل فرعون.. ولم يُستثن منهم أحداً.. ثم رُفع عنهم ويوم القيامة أشدّ العذاب.. أما ابتلاء أهل السودان فقد جاءهم بشقّيه.. بالنعمة وبإمساك النعمة.. ففي السودان فئة لم تعد قليلة تعيش في نعمة ورفاهية وراحات لا حدود لها.. فلا معاناة ولا ضيق ولا شظف عيش ولا ضنك.. السكن الواسع الفاخر.. والاستمتاع بما لذ وطاب من طعام وغذاء.. وأمن كامل لهم ولأسرهم وصحة وتعليم للأبناء وللأسرة وحتى الأقارب والمعارف والأرحام.. وغيرهم.. وعدم إحساس بما يغشى غيرهم من عدمٍ وضيقٍ ومعاناة.. حتى وإن كانت هذه الفئة هي المتسببة فيما يحدث للفئة الأخرى (المبتلاة).. أيضاً بعكس ما تجده وتعيشه الفئة الأولى. في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعندما يأتي الحديث حول تعيين ولاة للأمصار واختيار والٍ لكل منطقة، كان الصحابة عليهم رضوان اللَّه يختبئ كل واحد منهم خلف الآخر خوفاً من المسؤولية الجسيمة.. وسؤال اللَّه عن كل تقصير أو ظلم يحيق بأحد الرعايا.. أو إخفاق في تسيير الأمور للمسلمين وغير المسلمين في ذلك العهد (الوضئ) وما قصة بغلة الشام التي يخاف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من سؤال اللَّه له عنها لماذا لم يعبّد لها الطريق؟!. بغلة.. وليس مئات الآلاف من المسلمين.. تعثراً وموتاً بالجملة.. واليوم يتكالب الرجال.. ويدعون القوة والأمانة ويحشدون أنصاراً يدفعون لهم بالغالي والنفيس من أجل الوصول إلى منصب ولاية.. ويتشبثون بما هم فيه من مناصب لم يؤدوا فيها حقاً ولم ينجزوا فيها عملاً من أجل رعاياهم.. ولا همّ لهم سوى المنصب والجاه والامتيازات والحصانات. ويتعجب العجب (ذات نفسه) من هؤلاء المسلمين في هذا الزمان الذي بدا يلوّح لهم بأنه في آخره.. وهم أعلم بعلامات الساعة الكبرى.. فتلد الأمة ربتها.. وها هم الحفاة العراة.. رعاء الشاة يتطاولون في البنيان ونار العراق تشتعل كل يوم أمام أعينهم وميتة الفجاءة تخطف إخوانهم أمام أعينهم كل يوم وكل ساعة.. ولحظة وها هو الوقت يجري أمامهم فلم يعد اليوم يكفي لقضاء أمر والشهر ينقضي كلمح بالبصر والأعوام تنطوي كالأيام.. ويقول اللَّه سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون). وفي الحاقة.. يقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه). وعلى الجميع أن يفيقوا من غمرة المطاردات التي لا تؤدي إلا للضياع والعذاب، أليس هذا هو الدين الإسلامي وكتاب اللَّه وسُنة رسوله؟؟