الحكومات الرشيدة هي من تبني مجدها الاقتصادي باستغلال ما يتوافر لديها من موارد وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل لهذه الموارد المتاحة.. بينما الحكومات التي تدمن الشعارات البراقة وتعتمد على ماضيها (التليد) وتعاقب المنتجين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هي من تطيح باقتصادها وتهوي به إلى أسفل سافلين.. وهذا ما يحدث لدينا في الدولة السودانية مركزياً بما يسمون الوزراء الاتحاديين وولائياً بما يسمون بالوزراء الولائيين وهم الذين يقع عليهم عب النهوض باقتصاد الدولة.. والمنوط بهم إصلاح شأن الاقتصاد هي وزارات (المالية والزراعة والصناعة والثروة الحيوانية إضافة إلى وزاره الموارد البشرية).. ولنأخذ الجانب الزراعي نموذجاً لنرى العجب العجاب مركزياً كان أو لائياً فيما يتعلق بوضع الخطط وتنفيذ السياسات والقراءات الواقعية للمستقبل.. فنجد أن المركز رغم ما يمتلك من إمكانات مهولة يجهل تماماً قوائم الولايات التي يمكن لها أن تدعم الناتج القومي من الاقتصاد بالمنتجات الزراعية التي تتلاءم مع مناخها السائد.. ثم يأتي دور الوزراء الولائيين الذين لا يضعون الخطط أو السياسات التي تمكنهم من الاستفادة من الأراضي الزراعية وإمكانية تحقيق أفضل النتائج من إنتاج المحصولات الزراعية.. ولم تكن الولاية الشمالية بمنأى عن ذلك فتقف وزارة الزراعة بالولاية الشمالية عاجزة عن إعانة مزارعيها بما يحتاجونه من معينات لتطبيق الحزم التقنية فيما يتعلق بالاتجاه نحو الزراعة الحديثة وهجر الزراعة التقليدية التي أصبحت غير مواكبة للتطورات الحديثة.. ففي بداية الموسم الشتوي الحالي بالولاية الشمالية تعزز على كثير من المزارعين زراعة الفول المصري الذي يعتمد عليه مزارع الشمالية كعماد لاقتصاده الفردي أولا ثم تسويقه للجهات الأخرى وذلك عندما قفز سعر جوال الفول المصري من (700) جنيه للجوال إلى (1500) جنيه.. تزامن ذلك مع بداية عملية البذر لهذا المحصول الذي تعذر على كثير من المزارعين الحصول عليه، وكذلك من معيقات الزراعة بالشمالية فشل وزارة الزراعة والجهات الرسمية في إيصال الكهرباء لعدد من المشروعات الزراعية الصغيرة في التروس العليا وهي التي تهتم بزراعة وإنتاج محصول القمح وحتى التي انتظمت فيها خدمة الكهرباء قبل أربع سنوات يعانون من تذبذب التيار الكهربائي مما يضطر العديد منهم لري المحصول ليلاً للاستقرار النسبي للتيار، ومما يؤسف له انه لا يوجد بالولاية الشمالية مكتب للخدمات الزراعية يتبع للجهات الحكومية حتى يوفر للمزارعين المعينات الزراعية بأسعار مناسبة من (تقاوي محسنة أسمدة زراعية آلات زراعية إرشاد زراعي مبيدات...الخ)، فيما تركت الجهات الحكومية هذه المهمة للتجار الذين جل هدفم الربح المادي فقط، وهذا ما يتنافى مع السياسات الحكومية التي تهدف إلى استقرار الإنتاج الزراعي في جميع الولايات. ويرى مراقبون أن الحكومة إذا أرادت أن تمزق فاتورة استيراد القمح وهي تملك امكانية إنتاجه بالسودان فعليها وضع الخطط والسياسات السليمة التي تعين المزارعين في الولايات المنتجة لهذا المحصول ولن يكون وضع الخطط عن طريق التصريحات الاعلامية التي من شاكلة (نستهدف في هذا العام زراعة (500) ألف فدان من القمح بالولاية الشمالية لوحدها).. مشيرين إلى أن مثل هذا الحديث لا يقدم ولا يدعم الإنتاج ما لم تتبعه خطط ملموسة وسياسات مدروسة من شاكلة توفير المدخلات الزراعية بالأسعار المناسبة وإمكانية تمويل صغار المنتجين حتى تمكنوا من تمويل أنفسهم مستقبلاً. وفي الاستطلاع الذي أجرته (الإنتباهة) وسط شريحة من المزارعين تحسر العديد منهم على ضياع الموسم الشتوي دون أن يتمكنوا من توصيل مشروعاتهم الزراعية بالكهرباء، وأوضح المزارع معتصم محمد صاحب مشروع زراعي في حديثه ل (الإنتباهة)، أنه تمكن من تجهيز مشروعه الذي بمساحة (10) فدان من كل النواحي من حيث استخراج المياه من باطن الأرض وتجهيز التقاوي والمبيدات والاسمدة رغم ارتفاع تكاليفها إلا أن إيصال عملية الكهرباء للمشروع تبقى هي المعضلة مشيرا إلى أنه بدأ في تقديم أوراق التوصيل بالكهرباء للمشروع منذ نهاية الموسم الصيفي وحتى الآن لم يتمكن من عملية التوصيل علماً أن مواعيد زراعة محصول القمح تبقى لها شهر واحد فقط، متوقعاً أن لا يتمكن من اللحاق بالموسم الشتوي الحالي وفقاً للبطء الذي يلازم عملية كهربة المشروعات الزراعية مضيفاً أن هناك ما لا يقل عن (30) مزارعاً يعانون نفس المشكلة.. ويشير وزير الزراعة بالشمالية المهندس عادل جعفر في تصريحات إعلامية سابقة أن وزارته تسعي لكهربة المشروعات الزراعية الصغيرة عبر التمويل من البنوك الزراعية، مضيفاً أن وزارته تمكنت من كهربة معظم المشروعات الزراعية الكبيرة عبر مراحل مختلفة وان الأمل معقود بإكمال كهربة المشروعات الصغيرة. عموماً تبقى قضية الاهتمام بالزراعة واحدة من المحاور التي يتكئ عليها الاقتصاد السوداني غير أن اهتمام الجهات الرسمية بهذا القطاع في جميع مكوناته حتى الآن يظل دون الطموح.