قبل أسبوعين وتحديداً في يوم الخميس 13 نوفمبر 2014م فجع الكثيرون من أهلنا داخل السودان ومن المقيمين بالمملكة العربية السعودية بخبر وفاة الأخ الأستاذ المأمون الحاج مصطفى الجميعابي، الذي حدثت وفاة وبرفقته أخيه في حادث مرور في رحلة عودته للمملكة بسيارته بين الخرطوم وبورتسودان. وقد كتب بعض الإخوة في فقده وعدّدوا أعمالاً فاضلة للأخ المأمون في مسيرته في العمل العام، إذ عمل بالسفارة السودانية بالرياض لأكثر من عشرين سنة كان خلالها يؤم المصلين بمسجد السفارة، وهو الذي يقوم بإجراءات عقد الزواج للسودانيين المقيمين بالرياض وغيرها من مدن المملكة القريبة للرياض، وعمل مندوباً لجامعة القرآن الكريم، وفي الفترة الأخيرة كان الكثير من جهده في متابعة إجراءات الموقوفين والمسجونين من الجالية السودانية ومتابعة إجراءاتهم. لقد عرفتُ الأخ مأمون خلال فترة العشرين سنة السابقة وعرفت الكثير من صفاته الطيبة وتفانيه في أعمال الخير والبر، ومحبته للخير للناس وعدم تردده في المساعدة بما يستطيع، كما عرفت رقة قلبه وحرصه على الدعاء والتواصل الطيب الجميل، فهو حسن الخلق يألف ويؤلف رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى. هكذا أحسبه ولا أزكيه على الله تعالى، وما أن كنتُ أزور السفارة بالرياض إلا ويقدمني لإلقاء كلمة للمصلين بعد صلاة الظهر، كما أنه كان يقف مع إخوانه السودانيين في مصابهم وآلامهم، وآخر لقاء جمعني به كان في مغسلة الأموات حيث اشتركنا سوياً في غسيل بعض الأموات من السودانيين، وكان يتصل بي أحياناً لطلب المساعدة في التعرف على أقارب أو مساعدة سجين سوداني بسجون الرياض. هكذا عرفته ومن حقه علينا أن نذكره بالخير وأن ندعو له، فالرجل لم يكن رجلاً لخاصة نفسه وإنما كان رجل عامة يساعده في ذلك مروءة طيبة وحب للدين ولعمل الخير مشهود به بين الجميع، ومثل الأخ المأمون رحمه الله لم تفقده أسرته وزوجته وبناته وأبناؤه لوحدهم وإنما فقده الكثيرون من أصدقائه ومعارفه ومن السودانيين بالمملكة العربية السعودية عموماً والرياض خصوصاً. وقد كان يرسل إليَّ رسائل بصورة مستمرة في هاتفي استغلالاً منه لهذه التقنية، ورغم كثرة رسائله إلي إلا أن طابعها جميعاً كان من مضمون واحد ألا وهو الدعاء بالخير العاجل والآجل والترغيب في الذكر والعمل الصالح ومعرفة حقيقة الدنيا، وأنا أراجع مطالعة تلك الرسائل رأيت أن أنتقي نماذج منها أضعها بين أيديكم أيها القراء الكرام وفي ذلك ذكرى لنا وعظة لنستثمر الأوقات في الإكثار من الطاعات فها هي إحدى عشرة رسالة من بريد رسائله التي أرسلها لي: 1/ «اللهم ارزقنا: طول الصحبة وحلاوة الأخوة ولذة المغفرة وصفاء الود وتجنب الزلل وبلوغ الأمل وحسن الخاتمة بصلاح العمل، اللهم أرزقنا: الإخلاص في الدعوات والقبول في الطاعات والشكر عند الخيرات والخشوع في الصلوات والعفو عند العثرات 2/ «اللهم إني أحتسبت يومي هذِا لوجك الكريم فيسرِ لي وبارك لي فيه وتقبله مني.. اللهم أرِني ما يرضِيك واسمعني ما يرضِيم وانطقني مايرضَيك واستعملني في طاعتك.. اللهم افتحّ لي أبواب رِحمتك وارزقني من حيثُ لا أحتسب رزقاً حلالاً يرضيني يا رب العالمين». 3/ وهذه من آخر رسائله التي وصلتني وفيها يستودع الله نفسه: «أستودع الله الذي لا تضيع ودائعه؛ ديني ونفسي وأمانتي وخواتيم عملي وبيتي وأهلي ومالي وجميع ما أنعم الله به عليَّ. أستودعت الله نفسي ووالدي وأخوتي وأولادي في ديننا ومالنا وخواتيم أعمالنا.. اللهم استودعك بيتي عن الزنا والكذب والفساد.. اللهم حصن بيتي من أوله لآخره ومن أعلاه لأسفله.. اللهم أبعد عنه الحرام بأنواعه.. اللهم أخرجني منه عزيزاً وردني إليه أعز، وأجعل لنا فيه سعادة في ديننا ودنيانا.. اللهم إني أستودعك قلبي فلا تجعل فيه أحداً غيرك. اللهم إني أستودعك لا إله إلا الله فلقني إياها عند الموت. اللهم أستودعك نفسي فلا تجعلني أخطو خطوة إلا في مرضاتك. اللهم أستودعك كل شيء رزقتني وأعطيتني فاحفظه لي من شر خلقك أجمعين، وأغفر لي ولوالدي يا من لا تضيع عنده الودائع». 4/ «أَللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ يَوْمِي هذَا صَلاحَاً، وَأَوْسَطَهُ فَلاحَاً، وَآخِرَهُ نَجاحَاً، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْم أَوَّلُهُ فَزَعُ، وَأَوْسَطُهُ جَزَعٌ، وَآخِرُهُ وَجَعٌ»». 5/ «كعادتي صباحي لا يحلو بدونكم فهديتي دعائي لأحبتي.. اللهم بك أصبحنا وقلُوبنا تسألك عوناً وترجوك لطفاً فيسر لنا، اللهم يا أَحَدُ يا صَمَدْ يا نِعْمَ المولى والسَّنَدْ إحفظ كُلَّ غالٍ على قلبي أينما حلَّ وسَجَدْ واحرس ذريته وأهله من الحِقْدِ والحَسَدْ، وأبعد عنه الشرَّ وما فَسَدْ، واملأ أيّامهُ ولياليهِ بالسَّعَدْ وادم عليه الخير إلى الأَبَدْ». 6/ «أصبحكم بأحلى السلام «وأذكركم بأغلى الكلام أذكركم بالباقيات الصالحات ٭ سبحان الله ٭ والحمد لله ٭ ولاإله إلاالله ٭ والله أكبر٭ ولا حول ولا قوة إلا بالله٭ من رطب قلبہ «بذكر آللہ لن يتعب من جفاف الحياة». 7/ «أصّبحنِا علَى فُطِرة الَإسِلام وعلَى ْلَمة الَاخِلاصّ وعلَى ديِنِ نِبيِنِا محمدٍ الَلَهّم ما أصّبح بنِا منِ نِعمة أو بأحدٍ منِ خِلَقُ فُمنِْ وحدك لَا شُريِْك لك. وٌبًارك الَلَهّ يِومهم ويِسِر الَلَهّ أمرهم وٌسِهّلَ الَلَهّ دربهم وشُرح الَلَهّ صّدرهم وحقق الَلَهّ أمنياتهم وفرجّ الَلَهّ همومهم» 8/ ومن رسائل المعايدة هذه الرسالة: «من طيبة الطيبة ومن روضة الحبيب المصطفى الطاهرة أرسل إليكم أنبل التهانئ وأغلى التبريكات لعيد الفطر المبارك كل عام وانتم بخير.. ربنا يحقق الاماني ويلم الشمل ويجمع الكلمة ويجمعنا معكم في ساعة خير ويحقق امانيكم ويديكم اللي في مرادكم.. نرجو العفو والمسامحة عن كل تقصير او سوء فهم او اساءة وكل سنة وانتو طيبين. 9/ «أَسْأَل الْلَّه تَعَالَى أَن تَدُوْم الْسَّكِينَة فِي قَلْبِكم وَالابْتِسَامَة عَلَى وَجْهِكم وَالْسَّعَادَة فِي بَيْتِكم وَالْصَحِة فِي بَدَنِكم وَالتَّوْفِيْق فِي حَيَاتِكم وَالْأمَان فِي دَرْبِكم والنُّورُ فِي وَجْهَكم وَان يَغْفَرْ لَكم ولوالديكم 10/ «اللهم ارحمنا يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر وتنشر الدواوين وتوضع الموازين ويقوم الناس لرب العالمين برحمتك يا ارحم الراحمين». 11/ «هُناك منْ يُهديكَ لحُب دُونَ أنْ تُهديهِ أي شَيء، وَهُناكَ منْ يُهديكَ لألَم بَعْدَ أنْ تُهديهِ كُل شيء.. فاصبر واحتمل فالدنيا أيام قليلة ثم الفراق ثم جنة أو نار». هذه نماذج مما هو في بريد الوارد لدي من هاتف الأخ الفقيد المأمون الحاج، وكل رسائله بلا استثناء هي من هذا النوع، وهي بإذن الله علامة خير بقيت شاهداً لما كان عليه الأخ هكذا نحسبه والله حسيبه وكل من عليها فان، والموت سبيلنا جميعاً، فأسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويتجاوز عنه وأن يسكنه أعلى الجنان، وأرجو أن يوفق معارف الأخ المأمون الحاج وزملاؤه خاصة بالسفارة السودانية بالرياض إلى إقامة وقف يليق بمكانة وجهد وبذل الأخ المأمون لديهم، وإن فتحوا الباب وتبنوا ذلك فسيجدون من الراغبين في المساهمة في ذلك الكثير.. اللهم لا تحرمن أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، وارزق ذريته وأهله الصبر وحسن العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.