«الجمرة بتحرق الواطيها»، ومع أني لم أطاها، فقد أحسست كما أحس الكثيرون مثلي بدرجة الألم الذي يشعر به مزارعو بلادي، والهم الكبير الذي يجثم على نفوسهم. لست مزارعاً، ولكني أكتب من منطلق تخصصي في محاسبة التكاليف، وأتناول قضايا المزارعين والموسم الزراعي من هذه الناحية.. وأدلو بدلوي في هذا الأمر لعلي أجانب الصواب فيما أقول، وأحرك ساكناً في هذه ال«بركة». ومع الزيادة الكبيرة في إنتاج محصول السمسم هذا العام في جميع ولايات السودان المختلفة إلا أن تكلفة إنتاجه كانت عالية جداً، سمعنا أنين المزارعين عبر الهواتف من مواقع الإنتاج، والذين يشكون من تدني الأسعار، تلك المشكلة التي اعتبرها رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الولايات «وصلت اللحم الحي للمزارعين»، كما أفادني أحد مزارعي ولاية شمال كردفان بأن تكلفة إنتاج المخمس بلغت «1,000» جنيه، وأن تكلفة القنطار«530» جنيهاً. يُلاحظ أن هذه التكلفة عن ولاية شمال كردفان والتي تختلف عن ولاية سنار في أساليب الإنتاج حيث يتبع مزارعو ولاية سنار طريقة الحلة في قطع السمسم «وتجمع حَلال بفتح الحاء وتشديد اللام» وتكلفة الحلة تصل إلى سبعين جنيهاً، وقد تتراوح سعة القنطار من اثنين إلى ثلاث أو أربع حَلال كما يقول أهلي الطيبون «أربعة حلال حتَّان ملن الشوال»، فكلما ضعف الإنتاج كانت تكلفة القنطار عالية الأمر الذي يجعل تكلفة إنتاج قنطار السمسم في ولاية سنار قد تكون أعلى من ولاية شمال كردفان. في تقديري أن هنالك ثلاثة عوامل مهمة مترابطة مع بعضها وهي الإنتاجية والتكلفة والسعر مع توافر الجودة كمطلب أساسي، فإذا زادت إنتاجية المزارع ولم يصاحب ذلك تحسن في الأسعار وخفض للتكلفة كانت استفادته قليلة وربما يتعرض للخسارة. وفي هذا الصدد حددت الدولة سعر شراء للمخزون الاستراتيجي ب«500» جنيه للسمسم الأبيض و«450» جنيهاً للسمسم المربود و«400» جنيه للسمسم الأسود. إذا سلمنا بصحة فرضية حساب تكلفة المزارع البسيط والتي بلغت «530» جنيهاً وباع ذلك المزارع قنطار«السمسم الاسود» بسعر «400» جنيه يكون قد خسر «130» جنيهاً في كل قنطار. والنتيجة النهائية هي السجن؟ لان المُقرض سواء كان بنك أو تاجراً سيكون له بالمرصاد، وخاصة أن المزارع مضطر للبيع الفوري لسداد أجور عمال القطع المرتفعة. خلاصة القول أقترح أن تنتهج الدولة متمثلة في البنك المركزي ووزارة المالية إستراتيجية التسعير على أساس التكلفة Cost Plus Pricing Strategy وأعني بذلك أن يحدد تكلفة حقيقية «موسمية» لقنطار السمسم ثم يضع هامش ربح معين لتحديد سعر البيع، لان غرض الدولة في النهاية ليس ربحياً وإنما هو لحماية المُنتِج وخلق توازن بين الموارد الاقتصادية في المجتمع ورغبات افراد المجتمع. و أن يتم تحديد سعر للمخزون الاستراتيجي لكل ولاية منتجة على حدة بواسطة فرع البنك المركزي ووزارة المالية لكل ولاية، لان لكل ولاية عناصر تكلفة وأساليب إنتاج تختلف عن الأخرى ومن ثم يتم تحديد سعر البيع وفقاً لذلك، وأن يتم تحديد سعر موحد للقنطار بغض النظر عن نوعه. وأن توفر الدولة آليات حديثة لقطع السمسم، لأن استخدام الآلية يقلل من تكلفة الإنتاج وتكلفة القطع وحدها قد تمثل أكثر من «70%» من تكلفة الإنتاج.