في شهر فبراير القادم سيشهد السودان كله، ومعه الدول العربية والإفريقية حدثاً فريداً من نوعه، ولكن بنكهتين إفريقية وعربية وهوأول مهرجان للثقافة العربية الإفريقية، حضارية تراثية، وحديثة معاصرة، ويتناول المشاركون في فعاليات المهرجان التلاقح التاريخي العريق عبر قرون زمنية شهدت توالي أجيال أكسبت بعضها بذلك التلاقح سماتها وصفاتها بتبادل «جيناتها» التوريثية، جيلاً بعد جيل، ولتوثيق هذا التلاقح الجيني العربي الإفريقي، وأنساله الغابرين والحاضرين الذين ينتشرون في كل المساحة الجغرافية لقارتهم السمراء (إفريقيا) وما هم عليه من تماثل ليس في السمات والصفات وحدها، ولكن في القيم والتقاليد والعادات والأعراف البدوية والحضرية، لتوثيق ذلك كله لا غنى لأحد مشارك في فعاليات هذا المهرجان الثقافي عن التساؤل المشروع، والملح: ماذا نريد من هذا المهرجان، ماهي أهدافنا التي نرجوها منه، خاصة في ظروف التفتيت الذي عليه دولنا، بعد الحدود التي افتعلها الاستعمار الأوروبي طوال خمسة قرون من الاسترقاق، والاستغلال الجشع لثروات قارتنا، وفرض على شعوبنا الفقر وتوابعه من الجهل وأمراض التجويع الممنهج لتكريس واقع التقسيم الجغرافي للقارة بين إفريقيا زنجية سوداء مسيحية في جنوب الصحراء الكبرى، وأفريقيا عربية إسلامية في شمال الصحراء الكبرى. هدف التقسيم الاستعماري الانفراد بكل شطر على حده يقول الدكتور «علي شلش.. وهذا التقسيم الجغرافي لأفريقيا لا يزيد عمره على قرن في إطار استعماري واضح الهدف وهو تشطير القارة وتدعيم تجزئتها والإنفراد بكل شطر على حدة، ولم تكن الصحراء الكبرى فاصلاً حقيقياً بين الشمال والجنوب، ولم يكن العرب أبناء الشمال في عزلة عن الزنوج، ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين بدأت تغرب شمس الاستعمار الأوروبي المباشر في سماوات القارة الأفريقية فقي عام 1960م بدأ تحرر العديد من الدول الأفريقية المستعمرة، وعندما استرد الأفارقة سلطة الحكم وإدارة بلدانهم، بدأ أيضاً التواصل بين جنوب وشمال القارة، وظهرت حقيقة أن دول جنوب الصحراء التي أراد الاستعمار أن تكون» زنجية خالصة بلا عرب أو إسلام، كان 1 من دلالات اختيار السودان لاستضافة المهرجان الثقافي الذين يحرصون على إنصاف السودان أرضاً وشعباً وسلطة حكم وإدارة لشؤونه الداخلية، وعلاقاته الخارجية على مستوى القارة الأفريقية، والمنطقة الشرق أوسطية، والمجتمع الدولي ممثلاً في الأممالمتحدة، ووكالاتها المتخصصة، يدرك أن له السودان منذ استقلاله أدواراً سياسية وأمنية وعسكرية، واقتصادية وتجارية واجتماعية وثقافية كان له بها قصب السبق في حرية شعوبها، وسيادة أوطانها، قام السودان بتلك الأدوار التحريرية لأفريقيا خلال أربع سنوات فقط مرت على نيله الإستقلال والسيادة والحرية (1956 1960) وفي تلك الحقبة من التاريخ ظلت الخرطوم قبلة أبطال الكفاح الأفريقي السياسي والمسلح، ومعبراً آمناً لهم إلى القاهرة التي ساندتهم، وسخرت ما استطاعت نفوذها الأقليمي والدولي تأييداً وانتصاراً لكفاح أحرار افريقيا. - لقد جعل السودان شعباً وحكومات في الماضي وفي الحاضر من شعوب دول الجوار الأفريقي شركاء له في ما أفاء الله سبحانه وتعالى عليه من فيض نعمائه، فمد يد العون إليهم في بلدانهم يقاسمهم خيرات أرضه، وفي الداخل لم يضق ذرعاً بالمقيمين منهم، وباللاجئين إليه من قتال أو مجاعة، فكان بحق (قدح الضيفان). والسودان العربي الأفريقي المسلم، وسعت سماحة إيمانه بدين أغلبيته المسلمة حقوق مواطنيه أمن مسيحيين، وحتى الأرواحيين (الوثنيين) أن يمارسوا شعائر وطقوس ما يؤمنون به من عقائد روحية أومادية، وحتى العقيدة الشيوعية الملحدة كان لها وجود في أرض السودان، في ظاهرة حضارية، ثقافية، قلما تبدو في كثير من دول الجوار، وفي كثير من دول العالم، عبرت بجلاء عن حرية الاعتقاد، وحق التعبير عنه في السودان، مما جعله واسطة عقد بين أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمالها، كما ظل قديماً وحديثاً «جسر» تواصل وتلاحم وتمازج بدم الأرحام، والمصاهرات العربية الزنجية، ما سهل تبادل القيم الحضارية، فنشأ بهذا التبادل التشابه في التقاليد والعادات والأعراف، والسمات الغالبة على الأجيال التي نشأت من عرب وزنوج. مسؤولية تكليف لا تشريف عن تحديد أولويات أهداف المهرجان في تقديري المتواضع حقاً أنه يتعين أن تكون لدينا جميعاً قناعة يقينية بأن استضافتنا وتنظيمنا لهذا المهرجان الثقافي العربي الأفريقي الأول ليس مجرد «تظاهرة» محضورة، ينتهي أثرها بانتهاء فعالياته، ولذلك لا بد من الآن أن ندرس بعناية أولويات الأهداف التي نرجو أن نلتف حولها بعزم وإرادة لكي ننكب على وضع الخطة السياسية الإستراتيجية لتنفيذها وأن نرفع تلك لأهداف مرفقة بالخطة إلى قادة الدول الأفريقية والعربية الذين يملكون سلطة اتخاذ القرارات اللازمة بشأن ترجمتها إلى إنجازات واقعية تمهد الطريق إلى وحدة جنوب وشمال قارتنا الفتية. ------------------- المصادر: 1- كتاب الأدب الأفريقي للدكتور علي شلش ص13