تقرير المراجع العام في البرلمان قدمته أمس كل صحيفة بأرقام مختلفة، وشاكلة تتوافق مع السياسة التحريرية للصحيفة، كأنما المراجع العام قدم تقريراً مختلفاً لكل صحيفة. في كل عام في نفس هذا التوقيت تنشر أخبار عن تقرير المراجع العام الذي يحوي تجاوزات ومخالفات كبيرة. أرقام مخيفة في سجل الاعتداء على «المال العام». لم يحاسب موظف واحد، أو مسؤول مرة على هذه التجاوزات كلها تعرض للناس هكذا دون أن يكون هناك حساب أو عقاب على تلك المخالفات. رغم أن التقرير يأتي بأرقام محددة وتفاصيل دقيقة لكنها تقيّد ضد مجهول مع هذا التحدي، وعفا الله عما سلف. «2» الملاحظ أن كل التجاوزات التي حدثت طرفها جهات حكومية.. والاعتداء على المال العام واقع من أجهزة قومية ومن أجهزة ولائية، حسب ما جاء في تقرير المراجع العام. نستقطع بعض أجزاء الخبر الذي نشرته صحيفة «الإنتباهة» أمس عن تقرير المراجع العام. «المخالفات المالية والمال المعتدى عليه بالأجهزة القومية والولائية خلال الفترة من سبتمبر «2013م» حتى سبتمبر «2014» بلغ «289.4» مليون جنيه. المعارضة ليس لها «قرش واحد» من هذه الملايين... فقد سجلت المخالفات كلها على أجهزة قومية وولائية.. لا المعارضة ولا الحركات المسلحة لها يد في تلك الأجهزة. «3» الأمر يذهب أبعد من ذلك، والتقرير يذكر أن تجاوزات «الولاة» حسب المراجع العام الطاهر عبد القيوم، وصلت حتى أموال «الزكاة» التي تجمع للمساكين والضعفاء وأصحاب الحاجة. «الولاة لا يدخلون ضمن زمرة الذين يستحقون الزكاة ولا هم يدرجون في طائفة العاملين عليها». تحديداً تأتي الأرقام صادمة على هذا النحو: «تجاوزات في الدعم الاجتماعي للولاة بنسبة 50% في بعض الولايات»، وإشارة أوضح من ذلك تقول: «إن الصرف يتم فيها بناء على التوجيهات الشفاهية من الوالي». وهناك صرف في بعض الولايات يأتي على شكل دعم اجتماعي للدستوريين. الدستوريون أنفسهم أخذوا نصيبهم من «المال العام»... ماذا تبقى للشعب؟ «4» أخطر من كل هذا، أن «السفارات الدبلوماسية» للسودان في الخارج، يحدث فيها أيضاً مثل هذه التجاوزات، «أعلن المراجع العام عن تجنيب سفارات السودان بالخارج أموالاً عبارة عن تأشيرات الدخول للسودان والصرف من الإيرادات غير القابلة للتحويل دون التصديق من وزارة المالية، وعدم تجديد العقودات السنوية للعمالة المحلية بسفارات «بيروت، القاهرة، أبوظبي، دبي»، إضافة إلى عدم تطابق أسماء العاملين بكشوفات رئاسة الوزارة وكشوفات مرتبات السفارة بالقاهرة، وكشف المراجع أمام البرلمان أمس الأول عن تحويل 90% من رسوم خدمات القنصلية من دبي لصالح بناء السفارة ومنزل السفير بأبوظبي دون تصديق المالية، مشيراً إلى أن تكلفة نسبة إيجار سفارة السودان بالكويت ومنزل السفير بلغت 70% من قيمة المصروفات البالغة «301» ألف دولار، علماً بأن للسفارة قطعة أرض مساحتها «4» آلاف متر منذ عام 1975 لم يتم استغلالها». هذه الأمور تحصل في «سفارات» السودان في الخارج، سفارات ينتظر منها أن تمثل السودان، وأن تعكس الوجه المشرق للبلد... لا أن تنصرف نحو بناء منزل السفير. أخذوا نصيبهم حتى من «التأشيرات». «5» الخطر على السودان من هذه المخالفات والتجاوزات التي تحدث في الاعتداء على المال العام والمال المجنب. هذه التجاوزات أخطر على الحكومة من الحركات المسلحة والمعارضة والمؤامرات التي تدبر للسودان بالخارج. على الحكومة أن تضبط الولاة والدستوريين والسفارات قبل التوجه لجولة مفاوضات قادمة مع الحركات المسلحة. ما يحدث في «ميادين» القتال مقدور عليه، الإشكالية ما يحدث في تلك «المكاتب».