شجرة ظليلة جوار مركز سلمى لمرضى الكلى كانت ملاذ عدد من مرضى الفشل الكلوي، يجتمعون ليتناقلوا أخبارهم ومن ثم تبدأ رحلة كل واحد منهم في غسيل الكلى، في تلك الفترة وربما قبلها بقليل لم يكن يعرف الكثيرون هذا المرض الذي استشرى في السودان، وهذا ما أشار إليه أحد زارعي الكلى الذي أجرى عملية الزراعة في بداية التسعينيات. حيث قال كنا لا نتجاوز الثلاثين شخصاً، أما الآن فالإحصائيات غير الدقيقة تقول إن مصابي مرض الفشل الكلوى في السودان يصل إلى ثمانية آلاف مريض، بعضهم أجرى عملية زراعة الكلى وغيرهم ما زال يجاور ماكينات الغسيل في عدد من المراكز، وعدد أولئك المرضى تحت شجرة مركز سلمى بالخرطوم يتطور مما جعلهم يفكرون في إنشاء كيان يتكافلون من خلاله، فكانت رابطة زارعي الكلى، ومنحهم مركز سلمى في ذاك الوقت مكتباً صغيراً يجتمعون داخله ويتفاكرون حول أحوالهم وأحوال غيرهم من أصحاب هذا المرض، ثم تطورت الرابطة لتصبح جمعية زارعي الكلى مع بداية الألفية الجديدة لتستمر أربعة عشر عاماً، قدمت خلالها العديد من الأعمال والخدمات لهذه الشريحة من المرضى، بعض مرضى الفشل الكلوي أبدوا ارتياحهم لعمل الجمعية الخيري، وأثنوا على الأعمال والخدمات التي تقدمها الجمعية، فيما قال الأمين العام لجمعية زارعي الكلى عادل بابكر الخضر إن مستشفى زارعي الكلى يعتبر الأنجاز الأكبر للجمعية، مشيراً إلى دعم بعض المؤسسات ووزارة المالية إلا أنه أضاف ان المستشفى ما زال يحتاج للكثير من الدعم خاصة مع ارتفاع المواد التى تستخدم في الغسيل والقسطرات. وأوضح عادل ل «الإنتباهة» أنهم يحتاجون لما لا يقل عن ثلاثمائة ألف جنيه شهرياً لتقديم الخدمات العلاجية للمرضى، مشيراً الى شراكتهم مع ديوان الزكاة الذي يقدم دعما متواصلا لمرضى الفشل الكلوى، وأوضح عادل ان إحصائيات مرضى الفشل الكلوى غير دقيقة، ولكن يقارب الرقم المذكور، مبينا أن هناك خمسة وسبعين مريضاً يجرون الغسيل في المستشفى يومياً وذلك خلال ثلاث ورديات، منبها الى أن المتوسط لغسيل مرضى الكلى في العالم ثلاث مرات في الاسبوع إلا ان بعض الظروف تحتم اجراء عمليات الغسيل مرتين فقط في الأسبوع في السودان، فيما ابدى عدد من المهتمين بمرضى الفشل الكلوى في السودان ارتياحهم لما تقوم به جمعية زارعي الكلى بيد أنهم بدأوا قلقين بعض الشيء من نقص الدعم الذي يفترض ان يتوفر حتى يجد المرضى كافة الفحوصات والمواد لعمليات الغسيل التى تتم مرتين في الأسبوع للمرضى، وقال بعض منهم ل «الإنتباهة» ان الحل الناجع لمريض الفشل الكلوى هو زراعة كلى، وهذا يتوفر في السودان الذي يكثر فيه المتبرعون بعد تطابق الأنسجة وهو عكس ما يحدث في الخارج حيث لا يوجد متبرعون للكلى إلا من أجساد الموتى. ونادى بعض المهتمين بمرضى الكلى المؤسسات والشركات ورجال المال والأعمال بتقديم المزيد من الدعم للجمعية حتى تقوم بعملها على أكمل وجه ، فيما نادي بابكر الى ضرورة فتح المزيد من مراكز زراعة الكلى في السودان، وقال يجب أن تتاح الفرصة لأصحاب الإمكانيات العالية للزراعة في الخارج حتى تتاح فرصة لأصحاب الدخل المحدود، وأشار بابكر الى أن عضوية الجمعية أغلبهم من متلقي الخدمة العلاجية، مشيرا الى انعقاد الجمعية العمومية للجمعية خلال الأيام المقبلة، وقال ان الذين يحضرونها عدد قليل من المرضى، مؤكدا أن جل عمل الجمعية يتركز في العمل العلاجي، مشيرا الى مذكرة تفاهم وقعت مع الاتحاد الوطني للشباب السوداني لتوفير فرص عمل لبعض المرضى الذين يفقدون وظائفهم بسبب تكرار عمليات الغسيل الى جانب إقامة زواج جماعي بالتنسيق مع اتحاد الشباب. وقال عندنا مقولة نذكرها باستمرار وهي «يدخل المرض من الباب والفقر من الشباك»، وأكد بابكر استمرار حملات التوعية للمواطنين حتى يتجنبوا الإصابة بمرض الفشل الكلوى وذلك من خلال الندوات والورش التى تعقدها الجمعية، مشيراً الى برنامج أطلقته الجمعية وهو «اطمئن على كلاك وطمئنا معاك»، فيما دعا بعض الاختصاصيين إلى ضرورة الكشف الدوري للكلي حتى يتجنب الإنسان خطر الإصابة بالفشل الكلوي، وقالوا إن فحص البول ووظائف الكلى سنويا يجنب المواطن الاصابة بهذا المرض، مشيرين الى أن علاج الكلى في بداياته أسهل بكثير جدا من العلاج في مراحل متأخرة، فيما أوضح بابكر أن للجمعية علاقات دولية تسعى من خلالها لتوفير كل احتياجات مرضى الفشل الكلوي في السودان، مبيناً أن جميع اعضاء مجلس إدارة الجمعية الذين يصل عددهم الى تسعة من زارعي الكلى، موضحاً ميزة للجمعية هي توظيف المرضى في إدارات المستشفى الى جانب بعض الدعم الاجتماعي للعاملين والمرضى، وانتقد بابكر شركات الاتصال وقال انها لم تقدم لهم شيئا، موضحاً انه أحيانا يذهب لاحدى الشركات الضخمة ولكن لا يجد تعاوناً ولا يستقبلوهم في إدارة الدعم الاجتماعي، مشيرا الى أنهم يتلقون دعماً باستمرار من مؤسسة محمد صالح الخيرية ومجموعة حجار الخيرية التى دعمت المستشفى بالصهاريج، هذا الى جانب الدعم من وزارة المالية. حسناً.. مرض الفشل الكلوي انتشر في السودان بصورة مخيفة، والعلاج من هذا الداء يحتاج للكثير من الدعم من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني حتى يجد مرضى الكلى العلاج الناجع بالتكافل المطلوب، وما حققته جمعية زارعي الكلى خلال مسيرتها التي امتدت أربعة عشر عاماً كفيل بأن يجعل كل المؤسسات من تقديم العون لها حتى تسهم في علاج مرضى الكلى بالسودان.