حقق حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر فوزًا كاسحًا على كل القوى البارزة في الساحة المصرية امتدادًا للزحف الإسلامي الممتد من شواطئ المحيط الأطلنطي ولن يقف بإذن الله إلا عند المحيط الهادئ لتكوين الأمة المسلمة الواحدة المتماسكة المتزاحمة من المحيط الى المحيط. هذا الفوز المبين فضل من الله ومنة فمن يمنع فضل الله عن عباده المتقين الطيبين الأطهار الأخيار.. هل جاء هذا النصر من فراغ؟ أم هو نصر له أسبابه ومقوماته؟ لا شك أن دعوة الإخوان التي حوربت كما لم تحارب دعوة قبلها وطوردت الجماعة كما لم تطارد جماعة ولا حزب لها من الجاذبية ما جعلتها تجذب معظم المقترعين فما هي هذه الجماعة؟ وما هي دعوتهم التي ملأت الدنيا وشغلتها؟ الإخوان المسلمون فكرة ظهرت في عام 1928 قام بها شاب رباني يدعو إليها بالحكمة والموعظة الحسنة بعد أن هاله ضياع الإسلام وهدم الخلافة الإسلامية على يد عدوالإسلام «كمال أتاتورك» ووجد أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فدعا في تجرد وإخلاص واحتساب لتكوين جيل مسلم يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا على أنه دين يتسع لكل مناحي الحياة وطبيعته ويستوعب كل الأغراض والمطالب ومنهجه لا يأبى الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة. لقد لخّص الإمام الشهيد حسن البنا دعوته فقال «تستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين: 1 - دعوة سلفية 2 - وطريقة سنية 3 - وحقيقة صوفية 4 - وهيئة سياسية 5 - وجماعة رياضية 6 - ورابطة علمية ثقافية 7 - وشركة اقتصادية 8 - وفكرة اجتماعية وشرح كل بند من هذه البنود في رسالة المؤتمر الخامس شرحًا وافيًا شافيًا.. وقد تميزت دعوة الجماعة بخصائص تميزها عن تلك الدعوات والهيئات التي كانت موجودة في الساحة المصرية. يقول الإمام الشهيد: «من هذه الخصائص:- 1 - البعد عن مواطن الخلاف 2 - البعد عن هيمنة الأعيان والكبراء 3 - البعد عن الأحزاب والهيئات 4 - العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات 5 - إيثار الناحية العلمية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات 6 - شدة الإقبال من الشباب 7 - سرعة الانتشار في القرى والبلاد منذ أن صدع الإمام بدعوته وبدأ في تأسيس جماعته إلا وشُنَّت على الجماعة الحرب الشعواء بلا هوادة تمامًا كما ناصبت قريش العداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته بالحسنى «يا أيها الناس قولوا لا إله الا الله تدخلوا الجنة» فما إن سمعه أعرابي حتى قال بفطرته السليمة «هذا أمر تكرهه الملوك» وقال له آخر «إذن تحاربك العرب والعجم» وقد كان في العالم أقوى إمبراطوريتين إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم والعرب عاطلون ليس لهم حول ولا قوة بل كانوا على هامش الحياة خدمًا للإمبراطوريتين فكانت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد كتاب الله أنه ربَّى أصحابه رضوان الله عليهم صورًا حية من إيمانه وصاغ من كل واحد منهم قرآنًا حيًا يدبّ على الأرض وجعل من كل فرد نموذجًا للإسلام يراه الناس فيرون الإسلام. واجهت دعوة الإخوان نفس القوى التي ناصبت الإسلام العداء عند ظهوره ونشأت الدعوة في عهد إمبراطوريتين مهيمنتين على العالم الإمبراطورية الشيوعية المؤسسة على الإلحاد والإمبراطورية الرأسمالية القائمة على الاستغلال، الأولى تشبه إمبراطورية الفرس والثانية إمبراطورية الرومان. وجهت الضربات القاصمة للجماعة بأمر مباشر علني تارة وخفي تارة أخرى.. ففي عام 1948 في عهد الملكية الفاسدة بدأت محنة الإخوان المسلمين عندما كان مقاتلو الإخوان يروون ثرى فلسطين بدمائهم الزكية حُلت الجماعة إرضاءً للإنجليز واليهود فقد قال موشي دايان في مؤتمر صحفي في عام 1948 في أمريكا «لا تخشى إسرائيل خطرًا من الدول العربية ولكنها تخشى فئة واحدة هي الإخوان المسلمين وستكفينا الحكومات العربية أمرهم». أما في عام 1954 فقد تم حل الجماعة إرضاءً لأمريكا وفي عام 1965 أعلن نفس الظالم المغرور الضرب بكل قسوة وشدة وهو في موسكو إرضاءً للشيوعية. إن الحرب التي واجهتها جماعة الإخوان والضرر والأذى الذي أصاب أفرادها من قتل وسجن وتشريد تشابه ما واجهته العصبة الأولى من المسلمين أمثال آل ياسر وبلال وصهيب وإخوانهم الذين كانوا قلة مستضعفة في الأرض تخاف أن يتخطفهم الناس فجاء النصر والتمكين بعد الهجرة وإن لم يقف الكيد والمكر والحرب على الإسلام بعد أن تأسست الدولة برئاسة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. إذن جاء هذا النصر للإخوان في مصر وفي غيرها من بلاد المسلمين لسبب واضح وبسيط. إنهم اتخذوا الله غاية والرسول قدوة والقرآن شرعة ومنهاجًا فثبتوا كالجبال الرواسي كما ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووعوا معنى الآية الكريمة «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب». هل هذا النصر سيكون فيصلاً بين عهد الصبر والمصابرة وعهد تأسيس الدولة أم سيستمر الكيد والمكر والحرب على الإسلام بأمر من الصليبية العالمية والصهيونية العالمية وخدمهم في المنطقة؟