لك التحية معتوهٌ في مدينتنا اعتاد ولحكمة ربما كانت «مجنونة» أن يخفي عينه اليمنى بإلصاق ورقة تحول دون رؤيتها، ولما كانت عينه هذي سليمة معافاة، سأله العاقلون يوماً عن علة إخفائها! فرد مستخفاً بعقولهم: «بعد أن تملأوا هذه سأفتح لكم المحجوبة» استحضرت المتنبىْ في بيت هجاء له : أابن كَرَوَّسٍ يا نصف أعمى *** وإن تفخر فيا نصف البصير لا أدري كيف كانت قريحته الشعرية ستسعفه صياغة نظم بيته هذا حتى يفي مجنوننا هذا حقه مدحاً أو ذماً؟ ولما صرنا إلى زمن ٍ زاغ البصرُ فيه عن فرز لونيّ الضّد وسُدّت البصائر عن إدراك الحدّ بين فضيلة ورذيلة ٍ ليس فقط، بل جُلّ ثنائيات المقابلة! زمنٍ احتشدت علامات الاستفهام جيش فيروس شلّ خلايا المخ المليارية بطاعون «لا تفهم». أُصيب به «أبو ماضي» من قبل، جُنّ حتى سأل البحر يوماً: « هل أنا يا بحر منك؟» ومن فرط علة البحر هو الآخر أجابه:« لست أدري» بُليت بذات الطاعون وما عدتُ أفهم، يممت معتوه مدينتنا عسى أن يريحني بنزرٍ من بقية حكمةِ فيهِ، و«فيه» هنا أحد الأسماء الخمسة أي «فمه» وليست حرف الجر! عاجلته بلا مقدمات: أيُّها المعتوه « فيم عجيج مدينتنا؟؟» أخذ ورقة وسدّ عينه الأُخرى !! توسلته مستعطفاً: «أراغب أنت عن رؤيتي؟؟» عاجلني: «لا، بل لأحلم».. ثم غاب عني إلى عالمه اللا واعي وحكى: عجيج مدينتكم ميلاد حكومتها، ولكلٍّ لسان يخوض!! قارئ طالع كفها: إنها عريضة، بل قومية، تسع الجميع، وقطعاً شبابية. الخبازون يعجنون فيها: نتحاور، نختلف، نتفق على، نرفض، أوشكنا قطعنا شوطاً. نار الطبخة هادئة... طبيب المدينة: يخط على دفتره: ليس قبل شهرين، شهر لا يزيد، التسعة اكتملت، بقيت الأيام التسعة، القيصرية غدًا يتدلى المولود... وشهقة أكسجين الحياة تستصرخه «المولودة أنثى»!! فنيو معامل التحليل سينية، رنينية، مقطعية، دموية، بولية!!! إنهالوا على الجسد الرطب نهشاً وجساً. وباعتداد الحاذقين النخبوي اندلقوا يثرثرون: شامتةٌ: نسخة من أمها لم تحمل من الآباء جينة!! لابد من عملية تعديل وراثي!! محايد: فصيلة دمها نادرة «م ص» «ملازمين صبابي» عززت بض«و» «وطني» محبط: لن تعيش طويلا ً تحمل ذات العلة الوراثية التي أودت بشقيقاتها السّالفات. متوجس: ستعاني كثيرًا من مشاكل في القلب والمفاصل غير عابئ : لابد من إدخالها «الحضانة» فوزنها دون المعدل اللازم. متفائل: هجين فصائل الدم «م ص و» ربما ساعد في إطالة عمرها. نساء مدينتنا، ابتلعْن ألسنتهنّ فما جلجلت زغرودة ُ فرح، الحلوى كبريت أصفر، الأكف مقبورة في الجيوب ما خرجت بيضاء تصافح مهنئةً. وعند ساحة المدينة هناك احتشدت «شِينات» جمع «ش» والمصدر معجم «نافع» تزعق: يا للعار، لن نهدأ حتى تمسي المولودة «موءودة» فالقبر معدٌ وهي في ظلمات الرحم!! وهناك وخلف الهضبة المجاورة، يكمن عروة ٌ والشنفرى وجميعهم.. تأبط شرًا وليس فقط المولودة بل المدينة مغنمهم.وجارة مدينتنا، صديقة لدود «رتيلتها !!» تجوس حوارينا، حشدت ثم حشرت ونادت كل أبناء أفاعي الأرض حبالا ً وحبائلَ، لينفثوا زعاف سمِّهم في وريد مولودتنا ويحتسون «آخر فنجان قهوتهم» نخب إنتصارهم. وثيران ما، خلف بحار الظلام، حدّت قرونها وشدّت أذيالها أوتارا ًو«تكتحت» ميممةً مستودع خزف المولودة!!. وأهل مدينتنا في شغل شاغل: ما بين «كركرةِ» روحهم في «كركر»! وغلاء سعرٍ، صعّر رقابهم وخدودهم عن مجرد رؤية ما يشتهون! وإتاوة محليةٍ أتت على يابسهم! واصل المعتوه بعد نفس طويل عميق: نعم، أنا «تعيس عقل» يهرّف!! ولكن «سعيد عقل» قد حكى يوماً: «سعيد عقل» فيلسوف ومفكر، شاعر مؤرخ لبناني. حكى وأهل بلاده تمور طوائفها في بعضها صخباً أعجز الدنيا لمّ شملهم، رغم قتامة الصورة، معتداً حكى عن مدينته وهو قد جاوز التسعين، قال: خلق الله الأرض ولما رأى جمال صنعه فيها، أحب أن يكرمها بهدية، فأهداها، الأنسان «. ولما رأى الأنسان في أحسن تقويم ، أراد أن يرفعه على المخلوقات فأهداه «العقل». ولما رأى العقل مبدعا خلاّقاً، زيّنة وزنة للأمور، أراد رفع مكانته، فأهداه «الحرف» «إقرأ».. ثمّ هدر سعيد عقل بآخر ماتبقى في صدره من حشرجة، معتدا ً معتزا ً بوطنه غير عابئ بكل ضجيج وطحين الطوائف: «لبنان هي الحرف»!! أزاح المجنون الغطاء عن عينيه وانتفض صائحا ً: متى تذبحون عقيقة مولودتكم؟ وتخطون على شهادة ميلادها اسم مدينتكم؟وتصرخون في كل الدنيا «السودان هو الحرف»؟ محمد الفاتح 0113355886