قدم الدكتور النوراني عبد الكريم كبور رئيس قسم الآداب بجامعة الفاشر، محاضرة حول عامية دارفور قامت بتنظيمها جمعية اللغة العربية بكلية التربية جامعة نيالا، أمها جمع غفيرُ من أساتذة الجامعة والشعراء والمهتمين باللغة العربية والثقافة بجانب حضور مميز من الطلاب. أشار الدكتور في مستهل حديثه إلى ثراء عامية دارفور الذي نتج عن تعدد قبائلها، وتباين ثقافتها، ولهجاتها وفنونها الشعبية وحكاياتها الأسطورية. ويتألف مجتمع دارفور من قبائل متجاورة ومتعايشة بطريقة متجانسة ومتآلفة، أثرت كل قبيلة منها في الأخرى، بنسب متفاوتة فمنها قبائل عربية احتفظت بعروبتها ولسانها العربي الفصيح لم تجد العجمية طريقاً إليه، وقبائل حامية احتفظت بلهجتها ورطانتها، وقبائل أخرى جمعت بين الرطانة والعربية هذا فضلاً عن مجتمع المدن الذي يتحدث عامية أهل السودان. وبالرغم من هذا التباين القبلي والتنوع الثقافي إلا أن اللغة العربية هي اللغة السائدة في دارفور والقاسم المشترك بين قبائلها، ومنها تولّدت المفردات العامية. ومن المعروف عن أهل دارفور أنهم أهل قرآن وتُقابة وجُلهم يدينون بالدين الإسلامي الذي تعتبر اللغة العربية سحره وبيانه.. وقال النوراني: إذا نظرنا إلى عامية دارفور ومحّصنا عباراتها ودققنا في مفرداتها وجُملها نجدها تتميز بالمميزات الآتية: أولاً: تزخر عامية دارفور بظاهرة «الإبدال» وهي ظاهرة متفشية حتى في بعض أجزاء السودان المختلفة فمثلاً نجدهم يبدلون حرف الذال، دالاً أو ضاداً، مثلاً كلمة «ذكر» يقولون «دكر» أو«ضكر» الثاء «تاءً»، كما في كلمة ثوب يقولون «توب»، و«ثوم»، «توم»، و«ثور» «تور» وأنثى أنتايا وغيرها من الإبدال. ثانياً: تقليب الحروف «مخالفة الحروف»، مثل جرّب يقولون «جبّر». ثالثاً: تكثر في عامية دارفور ظاهرة الإدغام، أّيّ إدغام كلمة في كلمة أخرى، مثل كلمة «جبُنقا» وهي كلمة تتألف من مقطعين «جب» وهو مقطع «سامي» ويعني الأخذ بقوة و«نقا» مقطع حامي ويعني مُشين، ومعنى جبنقا «سلوك مشين»، وهي عادة سيئة كانت تمارسها إحدى قبائل دارفور، حيث يخطف الرجل البنت أو المرأة التي يرغب في الزواج منها، ويسافر بها إلى بلد آخر نائي، حتى تحمل منه، ومن ثم يعود بها ويتزوجها بعد ولادتها، ويدفع مقابل هذا السلوك الشائن مبلغاً من المال والأبقار أو الجمال لأهل البنت المخطوفة، لكنها عادة انحسرت بفضل انتشار العلم والإسلام، كذلك نجد الإدغام في كلمة مشوار وهي من «مشى» و«توارى» أيّ بمعنى «مشى حتى توارى أو اختفى». رابعاً: هناك بعض مفردات الرطانة انحسرت بين ثنايا العامية وجرت مجرى العربية مثل كلمة «أتناي» وتعني حفيد. خامساً: هناك مفردات من اللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية، وجدت مكاناً مرموقاً في العامية مثل كمبيوتر computer، وfresh طازج وo:k سادساً: بعض المصطلحات يستخدمها شباب اليوم خاصة طلاب الجامعات بعضها استقوه من الفضائيات والمسلسلات وبعضها تسلل إلينا من دول الجوار، مثل «مرسى»، «شرط»، «أنسى بس»، «دسيس». سابعاً: أما أميز ما يُميز عامية دارفور الأصوات الشائعة التي تتبع بعض المفردات للدلالة على حالة المفردة فمثلاً يقولون: «أحمر بنك» أيّ أحمر لا يخالطه أي لون آخر، و«أسود لت» أي أسود شديد السواد، يقولون جرى «دُقُ دُقُ»، أو جرى «بط بط بط»، أي جرى حتى سُمع صوت قدميه، ولفّة «وط» أيّ أخذ لفة بسرعة، وضربه «كرد» أيّ ضربه بآلة حادة، «وكتله جم»، أي قتله حتى فاضت روحه إلى بارئها، ووقع «بخ»، تُقال عند سقوط الشيء المرن أو الشيء المفخخ. ويقولون شرب الماء «شوووت»، أيّ حساه كله، وأكل الطعام «زط». وشهدت المحاضرة مداخلات ثرة، من قبل الحضور ووجدت إشادة كبيرة من أساتذة كلية التربية واتسمت بالفكاهة والسلاسة.