قبل مقال الكرنكي الذي أُعيد نشره اليوم كتب الأستاذ كمال حمزة متوجعاً من السلوك المشين الذي بدر من بعض أبناء السودان، وكمال حمزة لمن لا يعلمون من أولئك الرجال الذين سطروا اسم السودان بأحرف من نور في دبي التي كان للرجل فضل إنشاء وإدارة بلديتها تماماً كما فعل الأخ أحمد عوض الكريم في ستينات القرن الماضي في أبو ظبي، وعندما زرتُ دولة الإمارات في بداية عام 1975م مغترباً وجدت اسم كمال مكتوباً في دليل الهاتف بعد اسم الشيخ راشد آل مكتوم حاكم دبي ولذلك فإن من رفعوا اسم السودان عالياً في تلك الأيام يؤذيهم أن يُمرَّغ في الوحل والطين من قِبل أُناس لم يعرفوا ما فعلته النخب السودانية التي هاجرت إلى الخليج في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. كنا في تلك الأيام نضيِّق الخناق على أنفسنا سلوكاً وانضباطاً في العمل خوفاً على سمعة بلادنا.. ومرت الأيام فإذا بنا نشهد بعض السودانيين يوقدون الأوراق والمناديل في ميادين كرة القدم في دبي والقاهرة وغيرهما عندما يحرز فريقهم هدفاً دون أن يفكروا في ذلك السلوك المعيب على الجماهير الأخرى وعلى من يشاهدون من خلال الفضائيات التي تنشر الروائع كما تنشر الفضائح. سمعت أن من شارك في بطولة الدوحة باسم السودان الذي يعاني من ضائقة اقتصادية تُمسك بخناقه وتوشك أن ترديه قتيلاً تجاوزوا «300» شخص!! من تراه يحدد أولوياتنا ويمنع من يهدرون أموالنا ويهتكون شرفنا ويتلاعبون بسمعتنا من السفر خارج البلاد؟! «300» شخص عادوا بما لم يعُدْ به حُنين صاحب الخُفَّين!! مذبحة الرياضة السودانية في الدوحة انطلقت دورة الألعاب العربيَّة في العاصمة القطرية الدوحة في مطلع ديسمبر الجاري، ومن المنتظر أن تختتم فعالياتها غداً الجمعة 23/ ديسمبر 2011م. وقد شهدت دورة الألعاب خسائر جسيمة بالجملة للفرق الرياضية السودانية، حتى أصبحت الدوحة مقبرة جماعية للرياضيين السودانيين. وقبل مغادرة تلك الفرق الرياضية إلى الدوحة سمعوا خطباً مشتعلة لا تقل اشتعالاً عن خطبة طارق بن زياد وقد أحرق السفن متأهِّباً لفتح الأندلس. لكن برغم الخطب النارية، خسر فريق كرة القدم السوداني أمام فريق فلسطين «الجريحة» 2/ صفر. وأطاحته الهزيمة خارج المنافسات في الدور الأول. حيث انطوى عهد الفريق القومي السوداني الذي يهزم عُمان 14/ صفر، أو الفريق الذي يفوز بالبطولة الإفريقية لكرة القدم عام 1970م، كما حاقت بفريق كرة السَّلّة السوداني في الدوحة هزيمة ساحقة ماحقة. أيضاً في الكرة الطائرة نال الفريق السوداني هزيمة صاعقة. في «تنس الطاولة» هزيمة مدوِّية. وفي السباحة هزيمة بجلاجل. وفي الملاكمة خرج الفريق السوداني مهزوماً هزيمة تثير الإشفاق. فقد أصبح الملاكم السوداني بسبب الضربات الفولاذية عاجزاً عن رفع رأسه، فكيف يرفع رأس السودان؟ يُذكر أن الصومال «الدولة الفاشلة» أحرزت ميدالية ذهبية في دورة الألعاب العربية في قطر. لقد أضافت هزائم الفرق الرياضية السودانيّة في دورة الألعاب العربية في الدوحة هزأة إلى صورة السودان. كأن السودان لا تكفيه استهزاءات من يجهلون السودان والسودانيين من أمثال ليلى علوي وسمير غانم وراغب علامة، إضافة إلى عم «دهب» «المسخرة» في مجلة ميكي أو عم «عثمان» في الأفلام المصرية بملابسه السودانية في مهنة «البوَّاب» أو «الجرسون» أو «السّفرجي». كأن السودان لا تكفيه هزأة قرار وزير العمل السعودي باستقدام السودانيات للعمل خادمات منازل في البيوت السعوديَّة. وكل فريق عربيّ في أي نوع من الرياضة لم يذق انتصاراً في حياته، أتاحت له الفرق السودانية في الدوحة الفرصة ليذوق طعم الانتصار. وأي فريق عربي أراد هزيمة السّودان في أي نوع من الرياضة، وجد فرصته في الدوحة، إلا مَن أبى. ومَن يأبى؟ فقد انهمكت الفرق الرياضية العربية بلا رحمة في جلد نظيراتها من الفرق السودانية، في مشهد من لعبة «الرِّمة وحرَّاسها». إحدى تلك الهزائم كان يوم الثلاثاء 13/ ديسمبر 2011م، حيث رقد فريق كرة اليد السوداني «سلطة» في الميدان، ليتيح لنظيره المصري فرصة ذهبية لكسر الأرقام القياسية. فقد كانت نتيجة الشوط الأول «26/ صفر»، لصالح الفريق المصري. ذلك رقم قياسي. كذلك في الشوط الثاني جنّدل الفريق المصري شقيقه السوداني لتنتهي المباراة «58 5» بفارق «53» هدفاً. وذلك رقم قياسي آخر. تبَّت يدا فريق كرة اليد!. خسائر بالجملة للفرق الرياضية السودانية في دورة الألعاب العربية في الدوحة. خسائر بالجملة لم تستثن كرة القدم أو كرة السلة أو الكرة الطائرة أو تنس الطاولة أو السباحة أو الملاكمة. الاصفرار ده كتير يا وزارة الرياضة. مَن صاحب ذلك القرار «الحكيم» بهذه المشاركات العشوائية التي أساءت للسودان، فالهزائم الجماعية الفادحة للفرق الرياضية السودانية في الدوحة، أدخلت السودان بالمقلوب في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. حيث لم تكسر تلك الفرق رقماً قياسيَّاً واحداً، بقدر ما كسرت رقبة الرياضة السودانية. الذي أصدر ذلك القرار «الحكيم» بالمشاركة في دورة الألعاب العربية واستجلب اللاعبين عشوائياً من منازلهم دون تمارين، هل استخار في ذلك القرار؟ هل صلَّى صلاة الاستخارة؟ هل سمع بقصة الفريق الكونغولي. عندما انهزم الفريق الكونغولي لكرة القدم «10/ صفر» في مباريات كأس العالم عام 1974م، توعَّد رئيس الكونغو فريق بلاده بالحكم بالإعدام، إذا تكرَّر ذلك. الرياضة في السودان «قطاع عام» وهي تحمل كل سمات فشل القطاع العام. الرياضة في السودان شركة «قطاع عام» فاشلة مفلسة يجب تصفيتها. كما يجب خصخصة الرياضة السودانية، بدايةً بكرة القدم وانتهاءً بغيرها. تلك هي البداية الصحيحة لوضع الرياضة السودانية في مسار صحيح جديد. وآن الأوان لبداية ذلك المسار. فقد أرهِقت أعصاب جمهور الرياضة السوداني من مشاهدة الفرق السودانية وهي ترتعد خائفة حتى من فريق «القطن» التشادي و«السّايسل» التنزاني و«القات» اليمني!. كانت الفرق السودانية لكرة القدم تنازل نظيراتها المجريَّة والبرازيلية واليوغسلافية والتشيكية، وغيرها. الرياضة السودانية أصبح إثمها أكثر من نفعها لبعدها عن أساسيات وبديهيات الموهبة والتدريب والإعداد والتأهيل. وأصبحت لا تعزو هزائمها إلى افتقادها تلك البديهيات والأسس. حيث صارت غارقة في عوالم «الأناطين» الخرافيَّة السحرية. ولكن في الدوحة تبَّت يد الأناطين. ففي كلّ الهزائم التي سبقت هزائم الدوحة كان يتعالى الصراخ والخطب النارية بأن القاصي والداني يجب أن يعلم أن الهزائم لا علاقة لها باللاعبين والمدربين والإداريين، وأن أسبابها هي سوء الطالع! وسوء الأحوال الجوية وسوء التحكيم وانحيازه!. الفرق السودانية المهزومة في الدوحة لعبت حسب وصية مجلة «الحقيقة الناصعة» المسيحية، التي ترى أن الرياضة هي أن تلعب «مع» وليس «ضدّ». أي أن تلعب لتوثيق عرى الصداقة الأخوية العربية وليس للانتصار!. أي ليس المهم أن تنتصر ولكن المهم الأخلاق!. لكن حتى تلك «الأخلاق» كانت محنة أخرى في «الدوحة»، حيث انهمرت البطاقات الصفراء والحمراء على رؤوس لاعبي الفريق السوداني. المشاركة في دورة الألعاب العربية في الدوحة إذلال رياضي لم يشهد له تاريخ الرياضة السودانية مثيلاً. لقد جاءت فضيحة الدوحة بفعل فاعل، ولم تأتِ بفعل صاعقة سماوية وقعت من حيث لا يحتسبون. كم تبلغ فاتورة العملة الصعبة التي أنفقها السودان على فرق العار والشنار المهزومة في الدَّوحة. إذا لم تأت هزائم الدوحة بفعل فاعل، هل جاءت بسبب سوء أداء «الأناطين». تبَّت يد الأناطين!. لكن لإحقاق العدالة يجب أيضاً إضافة تبَّت يدا وزارة الرياضة وتبَّت يدا المجلس الأعلى للرياضة.