اندلعت الثورة فى سورية لان خمسة أطفال دون الثانية عشرة أعجبوا بشعار ثورات الربيع الإسلامى فكتبوا على جدران بعض منازلهم بمحافظة درعا «الشعب يريد إسقاط النظام»... براءتهم التى فى أعينهم لم تشفع لهم عند زبانية النظام الذى سحل بعضهم وبتر الأعضاء التناسلية للآخرين فى قسوة بالغة وغير مبررة ضاعت معها توسلات آباؤهم بعدما أهينت كرامتهم وديست بنعال مدير جهاز الأمن الذى طالبهم أن ينسوهم ويخلفوا غيرهم وإن كانوا لا يستطيعون فليحضروا له نساءهم ليخلف لهم نيابة عنهم .. خرجوا والصدمة تلجمهم قاصدين المحافظ والذى لم يكن أقل وقاحة وفظاظة... حتى عندما رموا بعمائمهم عند رجليه «عادة عربية تعنى منتهى التذلل والخضوع» ما كان منه إلا أن قال لحارسه ارمها فى صندوق النفايات والقمامة ... فخرجوا من عنده لتشتعل البلاد كلها الى يومنا هذا رغم التنازلات المذلة والمهينة التى قدمها النظام ولا يزال. ومن قبلهم اندلعت الثورة فى مصر لأن الأمن سحل أحد الشباب الإسلاميين بالاسكندرية قائلاً لأهله إنه انتحر فى الزنزانة لأنه ممن يتعاطون المخدرات ويروجونها.. ومن قبلهم اندلعت الثورة التونسية لأن شرطية صفعت جامعيًا لم يجد مهنة غير بيع الفجل والعجور فى سوق الله اكبر بعدما دلقت خضرواته على الأرض لأنه لا يحمل تصديقًا من سلطات المحلية... فثار لكرامته ورجولته حين أشعل النار فى جسده والتى امتدت للبلاد كلها ومن بعدها لدول الجوار وعبرت البحار ولا تزال تحصد الطغاة والجبابرة وتحرق عروشهم عرشًا عرشًا. أهلنا المناصير الذين نصروا الجبهة الاسلامية حين أهدوها الدائرة الجغرافية الوحيدة لها فى كل الولاية فى انتخابات 86 ثم انتصروا للإنقاذ والسودان حين أهدوهم ارضهم وتاريخهم للسد الذى يسد باب التخلف ويفتح ابواب الانطلاق لكل البلاد... الشهيد الزبير حين سألوه عن البديل قال لهم بطيبته المعهودة وصدقه المشهود «لو دايرين تسكنوا القصر الجمهورى ما عندنا مانع» كلمات بسيطة لكن سحرها لا يزال يلجم الأنفس ويكظم الغيظ اللاحق. حين بدأت إدارة السدود عملية الحصر وإعداد الدراسات واقتراح البدائل والمعالجات قال الاهالي بشبه إجماع إنهم مع الخيار المحلى الذى يربطهم وجدانيًا بارضهم واجدادهم وتاريخهم رافضين اى بدائل اخرى... من جانبها رفضت إدارة السدود اى حديث عن الخيار المحلى وفق ما جاءت به دراساتها وشرعت فى إنشاء البديل فى كل من المكابراب«خمس قرى سعة الواحدة ألف منزل مع خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والطرق والاتصالات ومشروع زراعى بنحو 65 ألف فدان».. ونحو ذلك فى كل من كحيلة والفداء بذات النسق والجاهزية والتى رفضت تماما من قبل السكان المحليين الا قليلا منهم وآخرين من المناصير الذين هجروا ديارهم منذ عشرات السنين والذين لم يجدوا غضاضة فى القبول بخيار المكابراب واخواتها... لست أدرى بأى منطق لم تتقدم حكومة الولاية وقتها لتكون امام مواطنيها إذ ليس معقولا أن تكون إدارة السدود هى الخصم والحكم للدرجة التى يقول بها البعض ان احد المسؤولين هددهم بالخروج حالا «قبل أن تخرجهم المياه غدا من كراكيرهم زى الفيران المرعوبة» هذه الكلمات سواء كانت حقيقة ام مدسوسة اثارت فتنة وغضبًا لا يزال يغلى فى الصدور. الوالى اللاحق المجاهد د/غلام فرض حضور الولاية ممثلة لرعيتها وتبنى إدخال القضية للمكتب القيادى الاتحادى الذى شكل لجنة برئاسة البروف ابراهيم احمد عمر لدراسة الخيار المحلى والافادة حيث استعانت تلك اللجنة بالمختصين من العلماء والخبراء من أهل الشأن والذين اتفقوا جميعًا على ان الخيار المحلى افضل للآتي: 1/الجروف المتاحة حول بحيرة السد ستكون اكبر وأخصب من تلك التى كانت حول مجرى النيل. 2/الاراضي الزراعية حول المنطقة وفى الوديان يمكن استصلاحها بقليل من الجهد والمال. 3/ الثروة السمكية فى البحيرة تشكل إضافة اقتصادية كبرى للمواطنين. 4/البعد النفسى والوجدانى لا يعوض باى ثمن «حلفاالجديدة خير مثال»... فضلاً عن تقليل التكلفة المالية. المكتب القيادى وافق على الدراسة والاخ الرئيس أصدر قرارات بإنفاذ الخيار المحلى فورا وأعلن ذلك من خلال زيارته التاريخية للمناصير... إدارة السدود رفضت الاعتراف بدراسة لجنة البروف«رغم ان الواقع الآن أثبت صحة وعلمية لجنة البروف» وبالتالى رفضت التمويل قائلة ان مسؤولية ذلك تقع على حكومة الولاية. حرص إدارة السدود على المال العام يدحضه إنفاذها لسد مروى قبل إنفاذ طريق هيا عطبرة مروى والذى افتتح غداة افتتاح السد والذى نقلت اليه عشرات الملايين من اطنان الحديد والاسمنت والاجهزة والمعدات عبر طريق هيا كسلاالقضارف مدنى امدرمان مروى «ثلاثة أضعاف الطريق الآخر» مما اهدر عشرات المليارات كفرق سعر للطن المنقول فضلاً عن اهلاك البنى التحتية والوقود والاسبيرات والزمن المفقود. تمويل السد يعنى إنشاءه وتعويض المتأثرين وجبر ضررهم .. فباى منطق تقوم حكومة الولاية بذلك خصما على ميزانيتها وهل تدفع إدارة السدود من مالها الخاص ام من مال التمويل فتبديدها للمال العام فى القرى المهجورة لا يعفيها من تحمل مسؤوليتها تجاه المتضررين. اعتصام المناصير امام حكومة الدامر ليس لأن تدفع لهم ولكن لكى تقاتل عنهم ... وشعارهم المكتوب واضح وصريح «نطالب بإنفاذ قرارات الرئيس» رغم أن الكهرباء التى تخرج من عندهم وصلت بورتسودان شرقًا وكوستى جنوبًا وتشارف وادى حلفا شمالاً بينما لا يزالون فى ظلام دامس على رؤوس الجبال بلا مساكن ولا مدارس ولا مياه ولا طرق ولا صحة... دمغ البعض لهم بأنهم شعبيون او شيوعيون هروب من المسؤولية وعبقرية صنع الأعداء لا تنطلى على احد ووطنيتهم مشهودة لا تقبل المزايدة او الانتقاص وقد رفضوا لجميع الأحزاب أن تتاجر بقضيتهم او تصفى حساباتها مع الحكومة على حسابهم... ولطمهم للسفارات والمنظمات والفضائيات خير برهان ... وحتى لو كانوا كفارًا او مشركين فإن ذلك لا يُسقط حقوقهم خاصة فى دولة الحركة الاسلامية التى هى أولى من غيرها بإنفاذ العهود والمواثيق وضرب مراكز القوى التى لا تجعل من نفسها «دولة داخل الدولة فحسب بل إمبراطورية داخل الدولة» توردها موارد الفتنة والظلم والهلاك.. ومبررات الثورات العربية أقل من ذلك بكثير. أخى الوالى حديثك قبل يومين بأنك ستبحث عن حل لهذه القضية غير موفق كون الحل جاهز «إنفاذ قرارات الرئيس» التى تحق الحق وتبطل الباطل وقبل ذلك ترسخ هيبة الدولة ... ودون ذلك الإستقالة وذهابك مرفوع الرأس موفور الكرامة خير لك من الدنيا وما فيها.