حوار: روضة الحلاوي تصوير: متوكل البجاوي الفريق عبد الرحمن سعيد تولى منصب نائب رئيس التجمع الوطني الديمقراطي المعارض إبان سنوات الإنقاذ الأولى، كذلك تولى أكثر من منصب وزاري بعد توقيع اتفاق القاهرة، والآن انضم للحزب الاتحادي الديمقراطي وأصبح عضواً لهيئته القيادية.. على خلفية ذلك جلست إليه «الإنتباهة» في هذا الحوار لمعرفة آرائه حول ما يجري في الساحة السياسية، وقد أبدى بعض الانتقادات على تجمع المعارضة الذي قال إنه أشبه بالغائب وليست له برامج وأهداف، وصوَّب حديثه للترابي مطالباً إياه بالكشف عن موقفه والهدف الذي يسعى إليه ووسائل تحقيقه حتى يكون الناس على بينة ويحددوا موقفهم منه بدلاً من الغموض الذي ينتهجه، وطالب الحكومة بالسعي لإزالة الآثار التي قد يخلفها مقتل خليل.. وأشار لعدم الجدية في محاربة الفساد، وقال إن القصة ليست مجرد «كلام» بل لا بد من الفعل والتحرك الحقيقي مبيناً أن الفساد استشرى لدرجة تصعب معها محاربته وقال إننا نحتاج لأكثر من مفوضية.. المؤتمر الوطني قال إنه تنازل عن «50%» من السلطة لبقية الأحزا.. هل ترى أن هذه النسبة كافية لفك الاحتقان؟ أولاً هذا الحديث غير صحيح؛ لأن ما تنازل عنه المؤتمر الوطني هو عبارة عن فتات تنازل منها لبعض الأحزاب والكيانات السياسية ولم يتنازل عن أي قدر معقول من السلطة، فهو ممسك بجميع مفاصل السلطة، فكونه تنازل عن «50%» من السلطة فهذا حديث غير دقيق.. والأحزاب تعلم بذلك، وأعجب أن الأحزاب لم تنفِ هذا الحديث بأن النسبة التي مُنحت لها لا تساوي أي شيء.. وما زالت السلطة بيد المؤتمر الوطني كاملة غير منقوصة.. ولكن في نفس الوقت المعارضة ترتب لإسقاط النظام منذ عام 1989م على حد قول الوطني؟ الوطني يقول ما يشاء، لكن الأحزاب في المعارضة قالت كلمتها، وهي أننا لسنا بصدد إسقاط السلطة، نحن نجاهد في إصلاح الحكم في السودان، هنالك ظلم يقع على جهات كثيرة، الهامش وغير الهامش، هنالك مظالم يشكو منها المواطنون، وكذلك هنالك عدم سياسة واضحة في كثير من الأمور في السياسة الخارجية غير واضحة، لذلك المعارضة تعمل جاهدة لإصلاح ما يمكنها إصلاحه، وحاولوا مراراً وتكراراً الدخول مع الوطني في المشاركة وإصلاح ما يمكن إصلاحه ولكن الحكومة كانت ترفض ذلك وبعنجهية، وهذا بالتأكيد يدعو المعارضة أن تتحدث بالأسلوب الذي ترى أنه مناسب لكي تفهم الحكومة.. «15» حزباً تم إشراكها في التشكيل.. هل سيكون لذلك تأثير في الساحة؟ إشراك «15» حزبًا في الحكومة هذا حديث مضحك حتى للأطفال، هل السودان به «15» حزبًا مستوفيًا لشروط الأحزاب؟؟ الحكومة لم تستطع أن تستوعب حتى الحزبين.. كل من لم يجد فرصة لكي يتوظف أو يجد مكانًا في الحكومة يعمل حزبًا وأسهل شيء أصبح في هذا البلد أن تكون حزبًا حتى تصبح وزيراً، ولا يوجد أي «15» حزبًا، وأتحدى أي شخص يستطيع أن يبرهن لي وجود «15» حزبًا.. فلتراجع الحكومة هذه الأحزاب والأعداد المكوِّنة لها وهل الموجودون في داخل هذه الأحزاب مؤهلون لتكوين أو قيادة أحزاب؟ ما قولك في التشكيل الجديد والذي أتى بثبات بعض الشخصيات القديمة؟ تحدثت الحكومة عن أن أي شخص أكمل دورتين سيُبعد ولكن هنالك أشخاصًا أكملوا أكثر من خمس دورات ولم يُبعدوا، وهذا أيضاً أمر مضحك ويستوجب توضيحًا.. هل حواء عقمت في بلدنا وتركت الولادة؟ وهل هذا البلد واقف على شخصيات ووزراء بعينهم؟ بمعنى أن يوضعوا له أولاً في أي تشكيل وزاري ثم تبنى عليهم بقية أفراد الحكومة؟ لا بد من وجود وجوه أخرى ولا بد من دخول سياسات جديدة.. والمعروف في علم السياسة أن أي شخص تم دورة أو اثنتين يُبعد حتى يأتي آخر ليملأ الفراغات التي تركها السابق أو أهملها.. «مش» كل مرة يأتوا بنفس الوزراء حتى يقعوا بنفس الأخطاء فهذا منطقياً غير معقول.. ولا يمكن أن تضع هوى في هوى إلى أن تصبح هوة سحيقة أو بئر يصعب ملؤها مستقبلاً.. وأيضاً يمكن وضع الوزير المعين في الوزارة المعينة في موقع آخر فلننظر إلى الوزراء الذين خرجوا من الوزارة نجدهم جميعًا ذهبوا للوطني وأصبحوا رؤساء لجان.. هل يصح ذلك؟ ما الأحزاب فيها رجال آخرون أكفاء وأين الشباب؟ الشباب موجود ومنتظر دوره ووُعدوا بأن يشركوا في الحكومات القادمة ولكن لم نرَ ولا شابًا واحدًا تم تعيينه! الحكومة جاءت مخيبة للآمال بصورة كبيرة. السقوفات التي تحققت من مطالب الحزب الاتحادي هل هي كافية لأن يكون الحزب فاعلاً داخل الحكومة؟ خاصة وأن المعارضين للمشاركة داخل الحزب يقولون إن ما أعطي للحزب أقل من وزنه؟ لم تحقق أي سقوفات ولا حتى أرضيات.. والمعارضون حديثهم صحيح، ما مُنح للاتحادي أقل من وزنه بكثير ولا يرقى لطموح أي فرد من أفراد الحزب لأنه لم ينل شيئًا.. لم ينل شيئًا.. لم ينل شيئًا، أقولها بالواضح. لماذا قبلت قيادات الحزب بذلك؟ لأن هناك شخصيات داخل الحزب مهرولة لأن تصبح لها مشاركة في السلطة التنفيذية، لذلك كان صوتهم أعلى وتحركهم أكثر.. لذلك جاءت النتيجة مخيبة للآمال. هل النظر للمشاركة من الحزب هي محاصصة أم برامج؟ كل العقليات السياسية اتفقوا على أن تكون المشاركة مبنية على برامج ولم يحدث أن سمعنا عن برامج ولم نرَ برنامجًا، فقد كان حديثًا للتمويه فقط والاستهلاك لا توجد برامج.. أتحدى أي وزارة حددت لها برامج حتى الحكومة العريضة ليس لديها برامج لا في سياسة خارجية ولا داخلية ولا سياسة اقتصادية وما حدث مجرد محاصصة فقط.. كيف ترى تجمع المعارضة الآن؟ للأسف تجمع المعارضة الآن غير متفق وغير موجود.. فالمعارضة التجمع الوطني الديمقراطي، فهي غير موجودة بالمرة، أما المعارضة التي كُوِّنت حديثاً لا أرى لها وجودًا إلا عبر الصحف والندوات، ولكن على أرض الواقع غير موجودة وليس لها أثر ولا تستطيع أن تستقطب شخصًا.. عبارة عن حديث في الهواء. أنت كنت نائبًا لرئيس التجمع في المعارضة.. لماذا خرجت منه؟ أنا لم أخرج. ولا نفضت يدك منهم؟ لم أنفض يدي منهم، ولكني رفعت يدي، وهناك فرق بين الاثنين، ورفعت يدي لأني شعرت بأن هناك جهات ساعية لأن تكون معارضة أخرى غير معارضة التجمع الذي نعرفه منذ «15» عاماً، فقد كان يسير التجمع ببرامج معينة وله جماهير، ولكن هذا التجمع اختفى فجأة وبدأت تحل جهات أخرى محل التجمع الوطني الديمقراطي.. وما هي تلك الجهات الأخرى التي حلت مكانه؟ هي الجهات الموجودة في المعارضة الآن وتعارض نظام الإنقاذ، ولا أظلمها وأقول هي غير عاملة، ولكن ليس بنفس القدر والقوة التي كان يعمل بها التجمع الوطني الديمقراطي، ولكن هؤلاء يعملون وفق برامج ثانية يمكن أن تكون تخص أحزابهم أكثر مما تخص برامج المعارضة ككل. ما هي أنسب الطرق لحل القضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب؟ القضايا العالقة كانت تخص جهتين أو أكثر، فهذه القضايا العالقة ستظل عالقة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. وكثير من القضايا لا حل لها لأن جزءًا من حلها ضاع مع الانفصال. انت مع الانفصال أم ضده؟ أنا ضده مليون في المائة. حتى لو كان الجنوبيون هم الراغبين في ذلك؟ لأنه كان هناك أكثر من طريق للحل ولكن بعض الجهات كانت مستعجلة لأن تحكم في جو هادئ يمكنها من أن تنفرد بالأرض التي تمثلها لذلك رأوا أن يحلوا القضية حلاً سريعًا أرضى الطرفين المتقاتلين وأرضى طموحات المتسلطين في الطرفين. غزل الجنوب للشمال بالبترول؟ البترول إذا كان في الجنوب هو ملك للجنوب، وكذلك بالمثل في الشمال وليس في ذلك نزاع ولا أدري فيم النزاع؟ القيادات الكبرى الجنوبية ومن واقع احتكاكك بهم.. ما رأيك بها؟ القيادات الموجودة في الجنوب لا تحمل أي نوايا طيبة تجاه الشمال، فهذه القيادات تحمل في نفوسها حقدًا على شمال السودان بالرغم من أن الشمال لم يرتكب طيلة التاريخ الماضي شيئًا مسيئًا لهم أو لبلدهم.. المعارضة كانت ترفع شعار «سلِّم تسلم» والآن الترابي يدعو لتغيير النظام بأي وسيلة؟ ما تعليقك؟ ماذا يقصد الترابي بقوله «بأي وسيلة»؟ لا أويده في ذلك وهو لا يستطيع تغيير النظام بمفرده، هو في حزب ومن المفترض أن يدعو أحزابًا أخرى للوقوف معه، لذلك عليه أن يبين وسائله التي يريد اتباعها في تغيير النظام لأنه قد يكون هناك أشخاص لا يوافقونه في الطريقة التي يريد اتباعها.. وقد تكون الوسيلة فيها أذى للسودان فلن يقف معه أحد فيما قد ينادي بغزو خارجي أو نحوه.. لذلك «ما في حاجة اسمها بأي وسيلة» فليعرِّف الناس بوسائله ويقنعهم بها، أي شركاءه في العمل، لأنهم يسعون معه للقضاء على النظام. موقف الأمة المتناقض.. رفض المشاركة دخول نجل المهدي إجراء حوار مع الحكومة؟ كيف ترى هذا الموقف؟ لا أرى في هذا الموقف أي معقولية، هو موقف يدعو للإستغراب.. فحزب الأمة حزب كبير وعريق وله تاريخ في السودان ومن بناة السودان فأعجب له لماذا يقف هذا الموقف غير الواضح حتى لجماهيره؟.. ولماذا تسكت أو تصمت جماهيره على هذا الوضع؟ فإذا كانت سياسة القمة عوجاء فيجب ألّا تصمت القواعد، ونحن ندعو لأن يراجع ويصحح الحزب سياسته.. فإذا كانت الأحزاب تتباهى بجماهيرها أين موقع الجماهير؟! أين نبضهم؟ وليس من الممكن أن يضع سياسة الحزب أفراد بعيداً عن البقية، بل يجب على قواعد حزب الأمة التحرك لتوجيه القيادة.. في كثير من الدول القاعدة هي التي توجه القيادة خاصة ونحن في الربيع العربي فقد رأينا بأم أعيننا كيف توجه الجماهير قياداتها لتحقيق مطالب القواعد وليس ما تريده القيادات كما يحلو لها، وموقف تناقض حزب الأمة سببه أن الجماهير تركت الحبل على الغارب للقيادات، فالقواعد هي الحكم. طيب.. لماذا يقف المؤتمر الشعبي بعيداً؟ المؤتمر الشعبي لا يقف بعيدًا ولكنه «يصوِّت» في الظلام فهو يعمل. يعمل في شنو؟ يعمل ما يريده الترابي.. إسقاط النظام بأي ثمن، وهذا غير صحيح، والترابي ليس لديه سياسة واضحة للناس وليس له تحرك جماهيري ظاهر، كل البحصل أن هناك قيادات صوتها أعلى، الذي يسمعه الناس، وكون الشعبي يقف بعيدًا عن الأحزاب فهذا مأخذ عليه، فإذا كان هو حزبًا جماهيريًا فلينضم للأحزاب الأخرى.. هل ذلك يعني أن أحزاب المعارضة غير متفقة؟ نعم أحزاب المعارضة مفككة، كل الذي يجمعها هو كراهية النظام، وهذا غير كافٍ، من المفترض أن يكون لديهم برامج تحرك وأهداف مشتركة، فالشعبي تكمن إشكاليته في أنه يقف بعيداً ويعارض بطريقة غير معلومة حتى بالنسبة لجماهيره. أنت بصفتك خبيرًا عسكريًا ماذا عن الوضع الأمني بالبلاد؟ ينذر بخطر وغير مريح، هناك كثير من القضايا الأمنية الفالتة من الحكومة وفالتة من أجهزة الأمن، هنالك عدم وضوح في الإستراتيجية الأمنية سواء كان داخلياً أو خارجياً. مقتل خليل إبراهيم وما يترتب عليه من آثار؟ إذا كان ما يتردد عن مقتل خليل صحيحًا يبقى هناك مشكلات كبيرة متوقعة في صفوف حركة خليل في غرب السودان وفي كل أنحاء السودان.. والآن أصبح من الصعوبة بمكان احتواء تلك الحركات المسلحة الآن لأنها ستجدد نفسها.. على الجميع والحكومة أن يسعوا سعيًا حثيثًا لمحو آثار اغتيال خليل، وهذا يمكن أن يحدث بطرق كثيرة منها الطرق السياسية ومنها العسكرية لا بد من إزالة كل الآثار المترتبة على مقتل خليل. قلت: إذًا ما صحة رواية قتله.. هل ترجح عدم صحة الحديث؟ بمعنى هل هو قُتل أم لا؟ نعم قُتل. من واقع تجاربك العسكرية هل تتوقع أن تحمل الأيا المقبلة أي حرب بين الشمال والجنوب؟ أتوقع ذلك.. ولكن وجود إسرائيل في الجنوب قطعاً سيهدد الشمال وينشط الحرب الاقتصادية أكثر من أن تنشط حرب الأسلحة، وأقول إن الجنوب سيتسبب في مشكلات كثيرة وسيكون عبارة عن صراع في شمال السودان يعمل على تأخر تقدمنا. تكوين الرئيس لمفوضية محاربة الفساد والتابعة له شخصياً.. قراءتك لهذا القرار؟ ليس هنالك جدية في محاربة الفساد، وللمرة المليون نسمع عن محاربة الفساد الموجود «عايز ليوه عشرة مفوضيات» في كل ركن يفترض أن تكون هناك مفوضية، والفساد وصل لدرجة إنو مفوضية الفساد نفسها ما قادرة تتكون.. وكل ما يفتح ملف فساد يغلق لأن الفساد أقوى من كل شيء. ولا أعرف ما هي الصعوبة في تكوين مفوضية الفساد، ومن المفترض أن تكون من قبل التحدث عنها «والقصة ما كلام» فعل وتحرك حقيقي.