قبل بضع سنوات نشبت خلافات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة وبين دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، ومرد تلك الخلافات إلى الدعم الذي تقدمه دول الاتحاد الاوربي لمزارعيها والذي رأت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنه يفوق أضعاف ما تقدمه لمزارعيها وبالتالي يضر بالمزارع الأمريكي ويحد من منافسته لرصفائه الأوربيين، فقابلت الولاياتالمتحدة ذلك بفرض رسوم عالية على وارداتها الزراعية من دول الاتحاد الاوربي واحتدمت الخلافات وكادت تؤدي إلى حرب تجارية بين ضفتي الاطلسي إلى أن توصل الطرفان عن طريق التفاوض إلى حسم خلافاتهما وذلك حفاظاً على استمرارية التبادل التجاري الضخم الذي يبلغ حجمه آلاف المليارات من الدولارات، وقد حدث كل ذلك من أجل الزراعة والمزارع، وإن معظم الدول المتقدمة تولي أهمية فائقة للزراعة، وعلى سبيل المثال نجد أن نيوزيلاندا مع أنها ليست من الدول الصناعية الثمانية إلا أنها بفضل الزراعة يأتي دخل الفرد فيها ثالث دخل في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا.. وإن الدستور الهندي ينص بوضوح أن لا تفرض أي ضريبة أو رسوم على المزارع والمنتجات الزراعية. إن السودان قد حباه الله بموارد مائية هائلة وبه أكثر من مائتي مليون فدان صالح للزراعة وأن نسبة المستغل منها لا تزيد عن 51% وإضافة إلى ذلك انه يمتلك أكثر من 041 مليون رأس من الثروة الحيوانية ومن ثم فإن السودان ليس مؤهلاً ليكون سلة غذاء العالم العربي بل سلة غذاء العالم، ففي مؤتمر الغذاء العالمي الذي انعقد في روما في عام 6991م صنف السودان من ضمن أربعة أقطار يمكن أن تكون سلة غذاء العالم ولذلك يجب ألّا ننساق على أننا أصبحنا دولة بترولية فأمامنا نيجيريا وهى دولة بترولية وما زال 32% من سكانها تحت خط الفقر وقس على ذلك فنزويلا وهي عضو فاعل في منظمة الأوبك ومع ذلك لم يسلم اقتصادها من الترنح وعدم الاستقرار. ففي المؤتمر الاقتصادي الإفريقي لعام 1102م الذي انعقد في أديس أبابا في أكتوبر الماضي فإن كل الأوراق التي قدمها الخبراء الاقتصاديون أجمعوا فيها على الانهيار الكبير والتقلص الواضح في نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا خاصة في فترة العشرين عاماً الأخيرة وقد عزوا أسباب هذا التدهور إلى انصراف كثير من المزارعين عن فلاحة الأرض ويرجع ذلك إلى سياسات بعض الدول في التعامل مع الزراعة والمزارع الأمر الذي أحبط المزارع فهجر الأرض فأضحت القارة اإفريقية في حالة معاناة دائمة ومجاعات مستمرة. أود أن أخلص أنه لا سبيل للسودان للخروج من الوهدة الاقتصادية إلا بالتركيز على الزراعة وإن الأمل معقود على الاهتمام بمشروع النهضة الزراعية وعلى الدولة أن تقدم من التشريعات والقوانين ما يحمي المزارع وتقدم له من التسهيلات ما يبعده عن شبح المديونيات والأرباح المركبة من البنوك التي تؤدي إلى خسارة الزراعة وضياع المال وتبديد الجهد وأخيراً ذهاب المزارع إلى السجن. وفي هذا السياق لابد لي أن أهنئ أهلي في نهر النيل باختيار ابنهم السيد/ علي أحمد حامد وزيراً للزراعة والسيد/ علي أحمد حامد الذي اقترن اسمه بالسلام فرأس مفوضية السلام وأدارها على خير وجه وأنه يحدوني الأمل أن تتحقق في عهده طموحات وأمنيات مواطنيه في نهر النيل. إن ولاية نهر النيل الغنية بأراضيها الخصبة ومواردها المائية فإنها إذا ما بذل الجهد ووجدت الزراعة العناية والرعاية فسوف يكون للولاية دور كبير ومتفرد ليس في تنمية ذاتها فحسب بل بالإسهام في الناتج القومي.