إذا كان السيد دان سميث مسؤول دارفور لدى مكتب المبعوث الأمريكي للسودان برنستون ليمان، يريد طرح مبادرة جديدة للحوار بين الحكومة وحركة العدل والمساواة، فإن ذلك ليس السبيل الأصوب الأصلح، ويكون ما قام به إن صح، خطأً كبيراً في منهج معالجة قضية دارفور، فالمجتمع الدولي كله وفي مقدمته الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية، هو من دعم وساند منبر الدوحة التفاوضي باعتباره المنبر الوحيد للتفاوض حول دارفور بين الحكومة وحركات دارفور المسلحة، وتشكلت الوساطة المشتركة من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والأممالمتحدة على هذه الاعتبارات، وعرضت وثيقة السلام الأخيرة على الأممالمتحدة ومجلس أمنها الدولي، والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأعلنت واشنطون وحليفاتها الغربيات عن الترحيب بالوثيقة والاتفاق الذي وقع في الدوحة مع حركة التحرير والعدالة، ورفضت حركة العدل والمساواة الوثيقة وأحجمت عن التوقيع، وهي تعلم أن الوثيقة تحمل الحل الشامل لقضية دارفور. فلماذا بعد كل هذا يحاول السيد دان سميث خطب ود حركة العدل والمساواة والالتقاء بقياداتها في لندن، حيث التقى أول من أمس في العاصمة البريطانية بكل من الطاهر الفكي رئيس المجلس التشريعي للحركة وجبريل إبراهيم أمين العلاقات الخارجية شقيق رئيسها د. خليل، وجبريل آدم الناطق الرسمي وأمين الإعلام، وناقش معهم تطورات قضية دارفور ومحاولة فتح مسار جديد للحوار بين الحكومة وهذه الحركة التي رفضت كل نداءات السلام، وتصرُّ على مواصلة الحرب والتعنت في المضي على الطريق مع بقية الحركات الراغبة في السلام. وللحقيقة والتاريخ فإن حركة العدل والمساواة كانت على شفير الانقسام على مستوى وفدها في الدوحة عشية توقيع الوثيقة في الشهر الفائت بالدوحة، وكانت على مفترق طرق، وفي النهاية لم توقع الحركة، وأعطت الوساطة والحكومة مهلة ثلاثة أشهر حتى تذعن الحركة وغيرها من الرافضين لصوت العقل والسلام، وبعد مضي أقل من أسبوع على توقيع وثيقة الدوحة، حدثت اتصالات غير مباشرة بادرت بها حركة العدل والمساواة مع الحكومة عبر وسيط دولي تريد فيها التفاهم مع الحكومة منفردة، وقالت إنها يمكن أن توقع على الوثيقة وعلى اتفاق مع الحكومة إذا أُعطيت منصب نائب الرئيس، وكان رد الحكومة أنها لا تتعامل بالتجزئة مع القضية إلا في الإطار الكلي، وفي ما ورد في وثيقة دارفور التي لم تكن أصلاً نتاج حوار مع الحركات فقط، بل شاركت فيها كل القوى الاجتماعية والسياسية في دارفور، ومستخلصة من آراء كل أطراف الأزمة. وهنا لا بد من استكناه الموقف الأمريكي الجديد بلقاء سميث بقيادات العدل والمساواة في لندن.. فهل تريد واشنطون إلحاق هذه الحركة بوثيقة الدوحة، أم ترى إنشاء منبر تفاوضي آخر تحتضنه واشنطون للحوار بين الحركة المتمردة والحكومة؟ إذا كان هذا هو التفكير الأمريكي، فإن مصيره المحتوم هو الفشل بعينه، لأن واشنطون كانت ضلعاً أساسياً في عملية الدوحة التفاوضية، فما الجديد الذي سيكون في حال إفراد منبر تفاوضي جديد أو بدء واشنطون وحدها دور الوساطة؟ فما هو موجود في منبر الدوحة من مشاركة دولية وإقليمية ووجود قطر بوصفها وسيطاً محايداً والاتحاد الإفريقي، يوفر بيئة أفضل وأكثر ضماناً وأهليةً من أي عمل تقوم به واشنطون منفردة. والأجدى في هذه القضية أن تضغط واشنطون على العدل والمساواة بدلاً من اللقاء معها ومجاملتها كما فعل دان سميث، لكن واشنطون تجيد الكذب والمراوغة، ففي اتفاقية أبوجا أعلن مبعوثها آنذاك روبرت زوليك أن بلاده بصدد فرض عقوبات والضغط على الحركات التي لم توقع على أبوجا، ولم يحدث ذلك، ويتكرر الآن نفس الشيء.. فما أكذبها من دولة وأخبثها من وسيط!!