لن نمل القول بأن الحركة الشعبية قد أصبحت حزباً سياسياً في دولة أجنبية جارة وأن مركزه العام وقيادته في مدينة جوبا عاصمة دولة الجنوب الوليدة.. وكان للحزب قبل الانفصال قطاع يسمى قطاع الشمال كان أحد روافد ذلك الحزب، وكما هو معروف فان تكوين أي حزب يقتضي اتباع خطوات محددة بقيام عدد من الأعضاء المؤسسين بتقديم طلب لمسجل الأحزاب لتسجيل هذا الحزب وتقديم برنامج الحزب مع الطلب وقوائم الموقعين المرفقة مع دفع الرسوم المقررة عند الموافقة على تسجيل الحزب لتبدأ بعد ذلك عملية فتح العضوية وعقد المؤتمر العام واختيار لجنته المركزية وقيادته ولجنته التنفيذية... إلخ.. ثم يمارس الحزب نشاطه كسائر الأحزاب الأخرى المسجلة.. وعند تسجيل حزب الحركة الشعبية قبل الانفصال اُتُّبعت نفس الخطوات المذكورة آنفاً وتم تسجيل الحزب ومارس نشاطه مثل الآخرين.. وفي إطار عملية تنظيمية داخلية أقام قطاعاً سماه قطاع الشمال كان يضم المنتمين للحركة من الشماليين ومن الجنوبيين المقيمين بالشمال.. وبعد الانفصال نقل الجنوبيون حزبهم لدولة الجنوب وهذا شيء طبيعي وإن الجنوبيين الذين ما زالوا يقيمون في الشمال قد منحوا فترة تسعة أشهر لتوفيق أوضاعهم قبل عودتهم لدولتهم وهم يعيشون معززين مكرمين بلا ضغوط عليهم أو إكراه حتى يعودوا سالمين لوطنهم ولكن لم تعد لهم بعد التاسع من يوليو الماضي حقوق سياسية هنا وحقوقهم هنالك في دولتهم ولهم أن ينضموا لحزب الحركة الشعبية أو للأحزاب الجنوبية الأخرى بالانتساب أو بأي طريقة يرونها شأنهم في ذلك كشأن السودانيين المغتربين في الخارج الذين يمارسون حقوقهم الانتخابية وينتمون لأحزاب في الداخل رغم وجودهم في الخارج وتبعاً لذلك يغدو ما يسمى بقطاع الشمال قاصراً فقط على الشماليين الذين كانوا منضوين للحركة الشعبية وبعضهم كان عضواً فيها منذ تأسيسها وهؤلاء أقلية ومنهم من انضم إليها بعد توقيع اتفاقية نيفاشا وتسجيل الحزب في الداخل «أي أن هذا القطاع يضم قدامى وقادمين». وإذا راجع السيد مسجل التنظيمات السياسة قوائم الذين تقدموا لتسجيل حزب الحركة الشعبية يجد أن أغلبهم قد سقطت عضويتهم تلقائياً ويصبح حزباً غير معترف بتسجيله.. وإن من حق الشماليين الذين كانوا منضوين في حزب الحركة الشعبية أن يمارسوا كمواطنين حقوقهم السياسية وأن يتقدموا بطلب لمسجل الأحزاب يوقع عليه العدد المطلوب ويرفقوا برنامجهم مع طلبهم مع التعهد بالعمل السلمي دون حمل للسلاح وهذا شرط ملزم لكل الأحزاب بلا فرز.. وبعد أن تتم عملية التسجيل عليهم البدء في فتح باب العضوية وعقد مؤتمرهم العام واختيار لجنتهم المركزية وأجهزتهم القيادية ويصبح وضعهم بعد ذلك مماثلاً لأوضاع عشرات الأحزاب المسجلة الأخرى.. وأن الانتخابات القادمة هي التي تحدد الوزن الجماهيري الحقيقي وتبين هل ستصبح لحزبهم كتلة برلمانية صغر حجمها أو كبر أم تكشف الغطاء عن المغطى وتبين أن وزنه كوزن الريشة!! وهناك مسائل داخلية تنظيمية تخصهم ولا يحق لنا التدخل فيها ولكن إذا تقدموا بطلبهم وتم تسجيل حزبهم كيف يمكنهم تسيير أعمال الحزب إذا كان رئيسه يقيم في الدمازين ونائب رئيسه يقيم في كادقلي؟! وإن في السودان مناطق كثيرة تعيش تحت خط الفقر ويجاهد مواطنوها وقادتها الشعبيون للنهوض بها والأخذ بيدها في مجال الخدمات والتنمية المحلية ويكتفي البعض بالتهريج والحديث عن المناطق المهمشة والمهمشين دون أن يساهم الفرد في يوم من الأيام بفكره أو بماله أو بجهده البدني في بناء حائط واحد في سور مدرسة أو نقطة غيار وهم ينظرون من علٍ طارحين خطوطاً عريضة مثل الحديث عن التعددية وقضايا الهامش والمهمشين ولكنهم يزنون بالكيلو جرام ولا يزنون الأمور بقدر بيضة النمل أي أن التفاصيل الصغيرة الدقيقة لا تعنيهم ولكنهم يطلقون شعارات فضفاضة يمكن لأي إنسان أن يطلقها ويتوهمون أن خطابهم السياسي الذي يصلح فقط في أركان النقاش الطلابية يمكن أن يجلب لهم قاعدة جماهيرية عريضة وهم لا يدركون طبيعة البنية التحتية والتركيبة القاعدية للشعب السوداني. وأخذ البعض يتحدثون منذ ظهور نتيجة الاستفتاء في شهر يناير الماضي عن الجنوب الجديد وهم لا يعنون الجانب الجهوي والجغرافي ولكنهم يعنون أن جنوب السودان الذي انفصل كانت بينه وبين الشمال مشكلات عويصة أفضت لعقد اتفاقية نيفاشا وهم يعلنون قيام جنوب جديد ذات المشكلات ويهددون بإحداث قلاقل وانفلات أمني في كل تلك المناطق لتمتد للعاصمة كما حدث في جنوب كردفان التي يسعون لجعلها مناطق حرب عصابات وهدفهم من كل ذلك أن يرغموا النظام الحاكم ليجلس معهم في مائدة مفاوضات لإبرام اتفاقية مماثلة لاتفاقية السلام «نيفاشا تو» يحضر التوقيع عليها مراقبون من الخارج وتبعاً لذلك يشركون في السلطة في كل مستوياتها وقد أجريت معهم مفاوضات تمهيدية أفضت لاتفاق إطاري يكون نواة لاتفاق نهائي ولكن حزب المؤتمر الوطني أجهض هذا الاتفاق وأجمع على رفضه وأطلق عليه الرئيس البشير رصاصة الموت وأخذ رئيس الحركة الشعبية «قطاع الشمال غير المسجل» يسعى جاهداً لإحياء الاتفاق الإطاري بعد موته ودفنه بل إنه أعلن أن الكتوف «اتلاحقت» والجيش مع الجيش والقصر مع القصر وينادي بالمفاوضات خارج البلاد مع وجود مراقبين أجانب ولن يرضى إلا باللقاء مع البشير شخصياً وإذا كان «قطاع الشمال» الذي لم يسجل حتى الآن كحزب يطمع في أن يبرم معه النظام الحاكم اتفاقاً في الخارج فإن من حق أي حزب بين عشرات الأحزاب المسجلة أن يطالب الحكومة أن تعقد معه مفاوضات في عاصمة دولة أجنبية «وما في حد أحسن من حد»!! . ولا ينكر أحد أن هناك قضية تحتاج لحل وهي تتعلق بالمقاتلين الشماليين من أبناء النوبة والنيل الأزرق الذين كانوا منخرطين في جيش الحركة الشعبية وأن من حق هؤلاء أن يأخذوا حقوقهم كاملة غير منقوصة من قيادة جيش الحركة الشعبية بدولة الجنوب ومن حقهم هنا كمواطنين شماليين «إذا وضعوا السلاح» أن توفر لهم الحياة الكريمة شريطة أن يضعوا السلاح إذ لا يمكن السماح بوجود مليشيات أو جيوش تكون خارجة على الدولة والقانون إذ لا اعتراف إلا بالقوات النظامية فقط أو التي تؤازرها في الملمات بإذن من الدولة وتحت سمعها وبصرها. وقد أعلن الأستاذ مالك عقار عدة مرات أنه لن يدع طلقة واحدة تنطلق من قوات الحركة الشعبية التي يقودها وهذا قول يجد تأييد الجميع ومباركتهم مع تساؤلهم لماذا توجد في ولاية النيل الأزرق «وهي إحدى ولايات السودان وليس دولة قائمة بذاتها» لماذا توجد بها قوات تتبع قيادتها العامة الآن لدولة أجنبية وتوجد في ذات الولاية القوات النظامية الرسمية وفي هذا ازدواجية وثنائية ووضع غير طبيعي يقتضي كما أسلفت دمج تلك القوات أو تسريحها وإيجاد بدائل لها ونزع السلاح منها بالتراضي وإن أي احتكاكات ستؤدي لنتائج وخيمة والنار من مستصغر الشرر ويدرك مالك عقار قبل غيره أن أي دخول في اشتباكات عسكرية ستؤدي لإزهاق أرواح كثيرة بريئة ويدرك أن مقاتليه لن يصمدوا في وجه القوات المسلحة وستحل بهم هزيمة ساحقة ماحقة وسيصيب الحزن الشعب السوداني كله ويتحمل من أشعل فتيلة الحرب المسؤولية كاملة أمام الله سبحانه وتعالى وأمام الوطن وأمام التاريخ ولذلك ظل عقار يصرح بأنه لن يطلق طلقة واحدة ولكن أحدهم أدلى بتصريح يدعو للحيرة ومفاده أنهم اتفقوا قسموا الأدوار واتفقوا أن يقوم عقار بالدور السياسي وما يتعلق به من مفاوضات وغيرها وأن يقوم الحلو بالدور العسكري ويؤدي هذا لضغط على النظام الحاكم يساعدهم في المفاوضات والمعروف أن المقاتلين في جيش الحركة الشعبية من أبناء جبال النوبة كانوا وقوداً للحرب قبل توقيع اتفاقية نيفاشا والآن يريد البعض اتخاذهم وقوداً لحرب جديدة بدأوا في إشعال نارها وفُقدت بسببها أنفس بريئة عزيزة.. ولماذا يرضى النوبة بتسخيرهم ليكونوا محرقة ولتحقيق أهداف الآخرين مع استغفال عبد العزيز الحلو وتحريضه وشحنه ليلعب لهم دور «مغفل نافع» وليت الأمر وقف عنده ولكن المقاتلين الذين معه والأبرياء من النوبة الذين يقتلون هم الضحية. ولنا أن نتساءل ما هو موقف أبناء النوبة وقادتهم وعقلائهم وحكمائهم مما يجري وما هو الدور الذي يمكن أن يؤدوه لإيقاف هذه المأساة الأليمة والسؤال موجه على سبيل المثال للواء«م» إبراهيم نايل إيدام والأستاذ مكي على بلايل والدكتورة تابيتا بطرس ودكتور كبشور كوكو والأستاذ ابشر رفاي ودكتور صديق تاور واللواء دانيال كودي .. والخ والقائمة طويلة. وإننا ضد الحرب وضد تبادل سفك الدماء بين أبناء الوطن الواحد وبالطبع إن الحاكم أي حاكم هناك ظروف تقتضي منه الحزم والحسم والمواجهة الصارمة وهناك ظروف تقتضي المرونة والجنوح للسلم عندما يتطلب الأمر ذلك وحقناً للدماء نأمل أن يسعى السيد الرئيس وأعوانه وبمساندة الحكماء والعقلاء لنزع فتيل الفتنة وحقن الدماء في جنوب كردفان ولو اقتضى الأمر إصدار عفو عام يعقبه فتح صفحة جديدة.. ولكل ولاية من الولايتين المشار إليهما وضع خاص ومفاوضات ذات طبيعة خاصة وفي النيل الأزرق بعد نزع السلاح ودمج وتسريح المقاتلين فإن طبيعة الولاية تحتمل بالتراضي دمجًا سياسيًا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وهذا موضوع يحتاج لوقفة منفصلة. وبالنسبة للشماليين المنخرطين في الحركة الشعبية ربما يكون الكثيرون منهم الآن بمعزل عن ما يدور وأنهم يتلقون الأخبار كغيرهم من خلال أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وهم غير مسؤولين عن تصرفات الآخرين ومن الاوفق لهم أن يسعوا لتسجيل حزبهم لتكون هناك مؤسسية وألا يُترك الحبل على الغارب لتصريف الأمور بالعشوائية والنزوات الذاتية. وإن الجنوب الجديد الذي يتحدث عنه البعض يتبعه بالضرورة وجود «مندكورو» جدد نرجو ألا تكون مهمتهم هي صب الزيت في نيران الآخرين التي ساهموا من وراء ستار في إشعالها ونأمل أن يثوب الجميع لرشدهم لإطفاء نيران الفتنة والله من وراء القصد.