مع التوجه نحوالإسلام بخطى ثابتة بدأت المؤامرات من القوى المعادية للإسلام بقيادة أمريكا قائدة الصليبية الحديثة فجاء إلى السودان نائب الرئيس الأمريكي بوش الأب واجتمع بالرئيس نميري في أول مارس عام 1985م وبعد هذا الاجتماع ما إن غادر بوش البلاد إلا وفوجئ السودانيون بانقلاب النميري على من صالحهم من الإسلاميين فأودعهم السجون وبدا للناس وكأنه يريد أن يتراجع عن توجهه الإسلامي حيث أُوقفت محاكم العدالة الناجزة وتوجَّس الناس خيفة من الارتداد وغادر النميري إلى أمريكا وتحرك الإسلاميون خارج السجون لإنقاذ البلاد من الارتداد الظاهر والباطن وتحركت النقابات التي على رأسها الإسلاميون وثار الشارع فكانت الانتفاضة التي انحاز لها الجيش بقيادة المشير عبد الرحمن سوار الدهب، وهكذا نرى أن من يقف مع الدستور الإسلامي يكون الله معه ومن يحيد عنه ينتقم الله منه. رفض المشير سوار الدهب توسلات القوى اللادينية لإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية فورًا فوقف بحزم وعزم في وجه هؤلاء إلى أن أُجريت الانتخابات وسلم مقاليد الأمور بكل سلاسة ورضا لمن انتخبهم الشعب فبذلك نال تقدير العالم أجمع حفظه الله وأمد في عمره. تلكأ السيد الصادق المهدي وحكومته في إقرار دستور إسلامي كامل للبلاد وختم سنوات حكمه بإبعاد الإسلاميين من الحكم تحت ضغط أجنبي ومحلي من القوى اللادينية ولم يدرس التاريخ جيدًا ونظر في مصير الذين حاربوا أو منعوا أووقفوا ضد الدستور الإسلامي.. ألم تكن عاقبتهم خسرًا؟ نعم وتلك كانت عاقبته فانقلب عليه من أبعدهم من الحكم بإيحاء داخلي وخارجي. وجاء رجال الإنقاذ وأعلنوا أنهم إنما جاءوا لتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا للحياة ونظامًا للحكم وخلقًا وسلوكًا وأُعلنت الحرب الشعواء على الإنقاذ من قوى الداخل والخارج وقاد زعيم الختمية السيد محمد عثمان الميرغني التجمع المعارض المحارب بجناحه العسكري المتمرد جون قرنق وبجيش الختمية المسمى بجيش الفتح بشعار «سلم تسلم» وانضم إليهم السيد الصادق المهدي في عملية «تهتدون» بجيش الأمة وصارعت الإنقاذ كل هذه القوى وحيدة لا ناصر لها في الأرض حيث كل الدول المجاورة والبعيدة تكيد وتتآمر وتحارب سرًا وجهرًا وسفينة الإنقاذ تترنح والأمواج تتلاطمها حتى ظن أهل الإنقاذ أنهم قد أُحيط بهم. في عام 1997م كونت الإنقاذ لجنة للدستور برئاسة السيد خلف الله الرشيد ونائبه دفع الله الرضي رحمه الله وأنجزت اللجنة أعمالها، وفي اليوم الذي كان محددًا لتسليم الوثيقة للرئاسة حدثت كارثة طائرة الشهيد الزبير ولم يحضر السيد الرئيس لتسلم الوثيقة ولكن جاء نيابة عنه السيد علي عثمان محمد طه الذي كان وزيرًا للخارجية آنذاك وتسلم الوثيقة في جو ساده الحزن والبكاء والذهول. الوثيقة التي سُلِّمت لم تكن دستورًا إسلاميًا كاملاً ولكنه كان يلبي كثيرًا من أشواق الإسلاميين إن طبقت البنود في الواقع بحكمة وعقل راشد ولكن الوثيقة نفسها تغيرت ملامحها على يد الدكتور حسن الترابي وخرجت للناس بثوب غير الثوب الذي كانت تلبسه وثيقة خلف الله الرشيد وبدا للإسلاميين أن هذا الدستور لا يلبي طموحاتهم ولا يلبي أشواقهم التي من أجلها جاءت الإنقاذ وقدموا لحمايتها أرتالاً من الشهداء من خيرة أبناء هذه الأمة شملت جميع طبقات وقطاعات وفئات الشعب الأبي الكريم التواق لحياة طيبة هنيئة مريئة. ابتُليت الأمة بقوانين التوالي وما شابهها حتى تمزقت الأمة إلى شيع وطوائف وأحزاب كل يكيد للآخر إلى أن وقعت كارثة المفاصلة وانشقَّت الحركة الإسلامية الحاكمة إلى قسمين وتخاصم أشقاء الأمس وفَجَروا في الخصومة وحدث طغيان في اللدد والخصومة وتملكت شهوة الانتقام النفوس لدرجة مكَّنت الشيطان من النفوس وتبين لنا نحن رجال الحركة أن هناك عقولاً صغيرة تناقش الأشخاص وعقولاً متوسطة تناقش الأشياء أما العقول الكبيرة وقليلة ما هي فتناقش المبادئ فلذلك لم تجد هذه العقول مساحة تتحرك فيها فانزوت وآثرت الركون والسكون في ركن قصي . ثم جاءت كارثة نيفاشا ودستورها الماثل، هذا الدستور الذي رفض أحد واضعيه البسملة، هذا الدستور الذي مكَّن لدعاة الإلحاد من الوجود وحكم ثلث البلاد في ظل الوحدة بدستور لا ديني صال وجال الشيطان بجنوده يرتع ويلعب وامتدوا حتى للشمال المسلم حتى نكفر كما كفروا فنكون في الكفر سواء. وصارت الشريعة الغراء مدغمسة باعتراف السيد الرئيس الذي قام بثورته لتطبيق الإسلام منهجًا للحياة ونظامًا للحكم ومبادئ وقيمًا وأخلاقًا وسلوكًا وثقافة وفنونًا. بقي إلى اليوم هذا الدستور الذي جعل شريعتنا مدغمسة وها هي الأمة وقد تخلصت من الجسم المعوق ومن أولئك الذين كانوا يضعون شتى العقبات والعراقيل لطمس هُوِيَّة الأمة فليست هنالك حجة بعد الانفصال للتقاعس والتخلف عن وضع دستور إسلامي كامل يعيد للأمة هُويتها وشخصيتها التي تميِّزها وهذا الدستور جاهز وضعته جماعة من علماء وفقهاء هذه الأمة إبراءً للذمة وإحقاقًا للحق ولا نرضى بعد اليوم أن يظل الدستور الإسلامي الكامل محجوبًا بستار كثيف من الأعذار الوهمية والحجج الواهية التي ما كان ينبغي أن تكون لو صدقت النوايا وصح العزم على تطبيق شرع الله.. لم يعد هناك عذر مقبول يمكن التعلل به على تأخير البدء في تنفيذ شرع الله وتطبيقه. لا شك أن صيحات باطلة ستقوم بها ببغاوات وتلامذة المستشرقين وأولئك الذين أشربوا أفكار الغرب الصليبي المتهوِّد وقيمه وهم قوم لا فقه لهم بالإسلام وشريعته بل هم من الذين اتبعوا أهواءهم «ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله». لقد قلت إن كل الأنظمة التي حكمت السودان منذ الاستقلال وإلى مجيء الإنقاذ انتقم الله منها ونزع منها الحكم وحتى الرئيس النميري الذي جاء بالشرع نزع منه الحكم لأنه أبدى تراجعًا مخيفًا وقد تاب وأناب بعد النزع فعسى الله أن يتوب عليه.. لقد بات واضحًا أن شعب السودان قد عزم على ألا يعيش إلا في ظل شريعة الإسلام التي ارتضاها له رب العالمين وسيمضي قدمًا لتحقيق هذه الغاية السامية لا يصرفه عنها نعيق الأقلام المأجورة.. الشعب على استعداد أن يربط بأحزمة من حديد على بطنه وأن يوقف صرخات هذا البطن كلما صاح فينا حتى نهيئ له الطعام من بيتنا الداخلي لا نريد أن نكون أمة حدها بطنها كلا وألف كلا بل سنصبر على حياة الشظف والتقشف فهذا النوع من الصبر ممكن ولكن هل الصبر على غضب الله وعذابه ممكن؟ يا إخوتي إني والله لكم ناصح وقد حكم الذين من قبلكم وأداروا ظهرهم لحكم الشريعة ومنهج الإسلام فما أغنى عنهم ما كسبوا فأصابهم سيئات ما كسبوا نزعًا للحكم ومحوًا لآثارهم ومن يتقاعس منكم فسيصيبهم ما أصابهم ويومئذٍ لا ينفع المتقاعسين معذرتهم ولا هم يستعتبون.