علاقة الإسلام بالغرب يحكمها بالأساس عاملان: ثقافي واقتصادي. العامل الثقافي متجذر في المكون الديني للحضارة الغربية. وهو مكون ، بخلاف ما يرى كثيرون يضمر ولا ينمو، وذلك لمصلحة المكون العلماني الوثني المستمد من التراث الهيليني والروماني. هذا يصدق بصفة خاصة على أروبا التي تتراجع فيها نسب المتدينين في الإحصاءات الرسمية، وتتعلمن مرجعياتها الثقافية والسياسية باضطراد. ورغم أن هذا الوصف لا يصدق بكامله على مجتمع الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي يشهد ازدهاراً خاصاَ بالمذهب الايفانجيلي إلا أن النتيجه العلمية هي واحدة أي أن المواجهة الثقافية حاضرة في العلاقة بين الحضارتين. المؤسف هو أن هذه النتيجه لم تكن حتمية. فقد كان المنتظر من وجود المكون المسيحي في الحضارة الغربية أن يصلح العلاقة بين الحضارتين، لأننا إذا وضعنا الجدل العقدي اللاهوتي جانباً، فإن القيم الأخلاقية المشتركة بين الإسلام والمسيحية كثيرة. بل هي أكثر من المشتركات الثقافية والقيمية بين الإسلام والبوذية أو الهندوسية أو الكونفوشية التي تزدهر في مجتمعات شرقية شبيهة بمجتمعات المسلمين وقريبة منها جغرافياً. العامل الاقتصادي كذلك ظل محدداً مهماً في العلاقات بين الغرب والعالم الاسلامي. ويمكن إثبات ارتباط مصالح الغرب الاقتصادية والتجارية بالعالم الإسلامي منذ فترات تاريخية بعيدة، لكن هذا الارتباط تركز إبّان الحروب الصليبية، ثم تعزز للغاية في الفترة الإستعمارية حتى أصبح أهم عامل في علاقات الغرب مع الدول الإسلامية. هناك حالات مشهورة في تاريخ المنطقة يمكن الاستشهاد بها على حرص الغرب على مد سلطانه الاقتصادي في المنطقة الإسلامية وما وراءها. ذلك الحرص هو الذي دفع البرتغاليين للبحث عن طريق تجاري بديل لطريق الحرير وهو ما قاد استكشافاتهم ثم حملاتهم حول إفريقيا ثم باتجاه الشرق الأقصى. ثم جاءت بقية القوى الغربية في أثرهم. ولذات الأسباب الاقتصادية احتلت بريطانياً الهند وأنهت الحكم الإسلامي فيها. ولذات السبب احتل نابليون مصر في نهاية القرن الثامن عشر لقطع طريق التجارة مع آسيا عبر المتوسط والبحر الأحمر الذي اغتنت بسببه بريطانيا، الخصم اللدود لفرنسا. واليوم تزداد أهمية العالم الإسلامي الاقتصادية مع ازدياد الحاجة إلى البترول الذي توجد أكبر احتياطياته في العالم الإسلامي. إن الغرب لم يكن متحمساً أبداً لأحداث الربيع العربي التي أدخلت المنطقة في حالة من عدم استقرار. والكل يذكر إجابة الرئيس أوباما عندما طلب منه انتقاد الرئيس المصري السابق حسني مبارك فامتنع عن ذلك وقال: «مبارك جيد للاستقرار». والاستقرار كما يقول نعوم شومسكي هي كلمة كودية تعني القبول بسيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن ثم الحفاظ على مصالحها. وهذا ما يبرر حروب الولاياتالمتحدة. لكن الغرب عندما طبق معايير الريالبوليتيك قرر في لحظة حاسمة لاحقة أن يتبنى الربيع العربي لأن المحدد الحقيقي لسياسته هو الحفاظ على مصالحه. وانطلاقاً من تلك المعايير سيقبل الغرب الحوار مع أي قوة مؤثرة وإن كانت حركة طالبان. وبالرغم من التوافق الظاهري بين الإسلاميين والغرب في اللحظة الراهنة حول قضية الحريات والديمقراطية، فإن الاحتكاك بينهما متوقع في القضايا السياسية والثقافية التي عادة ما يجتهد الغرب في تبنيها لتكون رافعة سياسية له في المجتمعات النامية. يدخل في ذلك قضايا الحريات وحقوق الإنسان والمرأة كما هو معلوم. وسيستخدم الغرب آلياته المعلومة مثل الإعانات الموجهة إلى منظمات المجتمع المدني بعيداً عن رقابة الحكومات وسياسات الدول، بل تحديا لمصالح الدول. ولن تتوقف نقاط الخلاف عند المسائل الأخلاقية والنظرية، ستمتد إلى قضايا اكثر عملية وحيوية بالنسبة للدول الغربية. على رأس تلك القضايا هي إسرائيل ووضعها في المنطقة. ولا شك أن إيران وحلفاءها ستكون واحدة من الموضوعات الأساسية. كما أن قضايا مثل مكافحة الإرهاب (حسب التعريف الأمريكي) هي من انشغالات الدول الغربية، وبالذات الولاياتالمتحدهالأمريكية. لاشك أن كل دولة على حده ستنال معاملة مختلفة مع الغرب، فالإختلاف الأيديولوجي سيكون أكثر بروزاً مع الإسلاميين في مصر بينما سيقل في حالتي تونس والمغرب، لكنه لن ينعدم تماماً. اتجاهات تطور التجربة الإسلامية عندما تأتي التحديات بقدر يستفز الاستجابات المناسبة فإن الناتج هو اندفاع حركة التاريخ إلى الأمام، وتولد خيارات جديدة في الحياة. ومصير التجربة الإسلامية في السياسة رهن بقدرتها على الإتيان بإجابات ناجحه للأسئلة المصيرية التي تواجهها والتي تشكل حافزا لتفكيرها. ومن حسن الحظ أن الأسئلة تأتي في سياق تاريخي موات. فالإتحاد السوفيتي قد انهار، وقدم انهياره أفضل برهان على خطأ الأفكار الشيوعيه التي عانى منها العالم الإسلامي لفترات من الزمان. وبالمقابل انهارت فرضية نهاية التاريخ التي قال بها فوكويوما والتي افترضت وصول العالم إلى حالة نهائية قائمة على الليبرالية في السياسة والرأسمالية في الاقتصاد. ويبدو الآن العالم كله، وليس العالم الإسلامي وحده، منفتحاً نحو أي بدائل جديدة فاعلة ومقنعة. الأرض كوكب متعولم بازدياد، بمعنى أن قضاياه لم يعد من الممكن حصرها في القضايا الداخليه لأي بلد أو مجتمع أو فئة من الناس. كل شيء يتعولم: الأفكار، النماذج، أساليب الحياة، الأشكال التنظيمية، وحتى التشريعات الوطنية يراد إخضاعها الآن لمقاييس عالمية. هذا يفرض على الإسلاميين ألا ينحبسوا في أفكارهم وقضاياهم الخاصة بهم، فينعزلوا عن تيارات التأثير والنفوذ. وفي ظل تلك العولمة فإن المشروع الحضاري المتكامل الوحيد الذي يطرح نفسه عالمياً هو بامتياز المشروع الحضاري الغربي. إن طرح الحلول الإسلامية باعتبارها أفكار فئة محدودة من المسلمين، مهما بلغت تضحياتها ومن ثم إحساسها بالاستحقاق والمشروعية، سيجعل تأثيرها محدوداً للغاية. التجربة الإسلامية ستكون أكثر نفوذاً وحظاً من النجاح لو طرحت قيمها باعتبارها قيماً عالمية تساهم في حلول قضايا الإنسانية. لكنها قبل أن تفعل ذلك على الصعيد الدولي، عليها أن تبدأ بمحيطها الوطني المباشر فتؤسس نظما توحد الصف الداخلي وتعزز الوحدة الوطنية على أساس من القيم والمصالح المشتركة. ولكي تفعل ذلك عليها أن تطرح نفسها وطنياً مبتدئة بوضع الأجندة والأولويات الصحيحة، جاعلة مصالح الآخرين في مجتمعاتها في خط مستقيم مع مصالحها. على المستوى العالمي سيكون من مصلحة الإسلاميين أن يتبنوا حوار الحضارات، فإنه ما تضرر دين في العالم كما تضرر الإسلام من أحبولة صراع الحضارات التي وظفت بصورة أساسيه ضد المسلمين. ومن حق المسلمين بالطبع أن يطالبوا بأن يكون الحوار حواراً حقيقياً (ديالوج) لا مونولوجاً، أي حديثاً من طرف واحد كما تريده بعض القوى الغربية. ومن حق المنخرطين في الحوار أن يحددوا قواعده وإجراءاته سوياً قبل الخوض فيه، وهو مالم يحدث في كل تجارب الحوار السابقة. لكن من حيث المبدأ لابد من أن يعتمدوا مبدأ الحوار في الساحة العالمية وألا يتهيبوه. أو كما قال جون كندي: «لا ينبغي أبداً أن نتحاور من منطلق الخوف، لكن بالمقابل لا ينبغي أبداً أن نخاف من أن نتحاور». وفي الحوار مع العالم الغربي ينبغي التذكير بأن اختصار الحضارة الغربية في كلمة واحده هي الغرب بكل ما تحمله من مدلولات سالبة هو بداية خاطئة. فالغرب متعدد ومتنوع وبداخله قوى عديدة يمكن التحاور معها بحيده ونزاهة. ومن المهم ألا يكون الحوار مع قوى الغرب محصوراً في الحكومات فالحكومات تتحرك بدوافع براجماتية، وأحياناً لا تلتزم بالقيم إلا لفظاً. من المهم أن يكون الحوار شاملاً كل الفئات ليفتح فرص وخيارات للّقاء والاتفاق. الاقتصاد هو أحد أهم المجالات التي يجب أن يهتم بها الإسلاميون في الحكم. إن الأنظمة السابقة تعاملت مع تحديات الاقتصاد تعاملاً كسولا، معولة بصورة أساسية على عطايا الدول الغربية المشروطة. لكن في ضوء الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة في العالم لا ينبغي أن يعوّل الإسلاميون على المعونات الاقتصادية الغربية، فإن زمناً تقدم فيه المعونات من منطلقات خيرة وأريحية قد ولى، بل هو لم يكن موجوداً أصلاً. والمعونات الغربية، اذا توفرت، وهو شيء مشكوك فيه، ستكون موجهة لأهداف لا صلة لها بأولويات المجتمعات الإسلامية، وستكون محملة بالمشروطيات السياسية، الظاهرة والخفية. ربما يكون الأجدى من تلقي المعونات أن تبادر حكومات الإسلاميين الجديدة إلى اقتراح برامج تعاون اقتصادي متكافئ مع الحكومات الغربية تعالج مشكلات الفقر والجهل والمرض التي تكبل حركة المجتمعات النامية. ولو أن تلك المشكلات حلت، فإن الحكومات الغربية سترتاح، على الأقل من الهجرة غير المشروعة التي تزيد من مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية. ومن المهم التذكير بأن العالم به حضارات أخرى. إن الصين، التي تخطت قبل وقت وجيز اليابان إلى موقع الاقتصاد الثاني في العالم، تمضي بثقة نحو تصدر الاقتصاد العالمي في غضون السنوات العشرين المقبلة، وربما قبل ذلك. لكن الصين لا تمثل شريكاً إقتصادياً للعالم الإسلامي فحسب، إنها تمثل أيضاً حليفاً سياسياً محتملاً. بل وإن النموذج السياسي الإقتصادي الذي حققت به الصين استقراراً سياسياً وإزدهاراً إقتصادياً في وقت وجيز، هو أقوى حجة في وجه نموذج نهاية التاريخ الليبرالي الرأسمالي. ما قيل عن الصين يصدق على روسيا، التي لا تقدم نموذجاً إقتصادياً سياسياً بديلاً كما تفعل الصين، لكنها بسبب ملاصقتها لعدة جمهوريات إسلامية تحيط بها، أو توجد بداخلها، تعد أهم جيران العالم الإسلامي. فضلاً عن ذلك فإن التعاون السوفيتي العربي في الماضي يوفر خلفية تاريخية مواتية يحق للدولة الروسية الراهنة أن تبني عليها وتجني ثمراتها. هناك، بالإضافة إلى الصين وروسيا، دول متوسطة القوة لكنها نامية النفوذ باضطراد، من بينها الهند والبرازيل والأرجنتين. وهي دول تجتهد في توسيع نفوذها العالمي من خلال خيارات عديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي. إن الحوار مع تلك الدول جميعاً ينبغي أن يخرج من جحر صدام الحضارات الذي وضع فيه العالم الإسلامي وصدقه المسلمين بسذاجة غريبة. وإنه لمن المستغرب أن يتخذ العالم الاسلامي موقفاً ابتدائياً عدائياً من الآخرين فقط لأنهم يحملون معتقداً مخالفاً. إن موقفاً كهذا يتناقض بداهة مع مهمة الدعوة إلى الله بالحسنى التي هي مقتضى أي رسالة جامعة. وإذا عدم المخالف فلمن تكون الدعوة إذن؟ إن كل دول العالم الإسلامي تقريباً تقع في تصنيف الدول النامية، وهي مجموعة متشابهة الظروف والقضايا. وعلى هذه الدول الإسلامية أن تربط نفسها مع إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في حزام من التضامن السياسي الذي يسعى إلى إقامة نظام عالمي جديد يحترم مصالح الشعوب وخياراتها ويحقق أمنها وازدهارها الاقتصادي. وبين هذه المجموعات تشكل إفريقيا حالة خاصة جديرة بمزيد الاهتمام وتركيز العمل بها، فأفريقيا هي أكثر القارات تعرضاً للظلم، وهي القارة التي برغم خروج المستعمرين منها منذ أكثر من نصف قرن ما تزال تعاني مشكلات ما قبل الاستعمار. يتوجب على العالم الإسلامي، الذي تقوده حكومات إسلامية معاصرة، أن ينفتح ويتحاور مع القوى الدولية التي تمثل تعدد حضارات العالم وتنوعها، لكنه لكي يتهيأ لهذا الحوار عليه أن يدير الحوار داخلياً بين الدول والمجتمعات الإسلامية نفسها، وهذا هو ما يرجى أن تقوده الحكومات الوليدة والحركات الإسلامية التي تدعمها. ستكون قدرة الإسلاميين على أن يديروا حواراً داخلياً في مجتمعاتهم يحققون به درجة معقولة من التضامن الإسلامي – إن لم تكن الوحدة- من أهم معايير نجاحهم أو فشلهم. ولا ينبغي ان يقتصر سعيهم على الحكومات التي استطاعوا تشكيلها من خلال الانتخابات، لكن سعيهم يمكن أن يبتدئ من هنا. وسيكون متاحاً للدول المذكورة أن تنسق في ما بينها من أجل وضع أجندة للتضامن الإسلامي غير المعادي أو المواجه لأي جهة أو قوة عالمية. ليس تضامناً سياسياً فقط، بل تضامناً اقتصادياً واجتماعياً يحقق درجه دنيا من الوحدة الفكرية ووحدة المصالح التي تمكن تلك الدول من مخاطبة الآخرين من موقع ثقتها بنفسها وإحساسها برسالتها. ويمكن أن نقدر الأثر الإقليمي والعالمي لمشروع كهذا تكون مصر وتركيا، بكل ثقلهما الإسلامي، نواة له. كل مجالات العمل تلك ستكون محدداً لنجاح الإسلاميين أو إخفاقهم، لكنها لن تكون المحدد الأهم. المحدد الأهم سيكون مقدرة الحركات الإسلامية على تطوير ذاتها واتخاذ القرارات الصحيحة في ما يتعلق ببنائها الداخلي وموقعها من مجتمعاتها. إن أشد ما يضر الحركات الإسلامية ويحرمها من تحقيق أهدافها هو أن تؤول إلى وضع تخسر فيه مجتمعاتها من خلال أطروحات لا ترتب الأولويات ترتيباً صحيحاً. إن الصراع الاجتماعي الذي يتطور إلى فتنة ثم إلى درجة من درجات الحرب الأهلية سيكون أكبر معول هدم للتجربة الإسلامية لأنه يقدم سلاحاً مجانياً قاتلاً في يد أعدائها. على الحركات الإسلامية أن تقود التغيير من باب الترتيب الصحيح للأولويات وبمنهج توافقي مع المجتمع يبتعد عن الإثارة والتعادي. سيكون على الحركات الإسلامية أن تنتقل فوراً من الشعارات إلى العمل من أجل تقديم اجابات على أسئلة صعبه تشمل طيفاً متعدداً من المسائل: الديمقراطية، الحقوق والحرمات، المرأة، الطوائف، الأقليات، الاقتصاد، العلاقات الدولية...الخ. عليها أن تقدم مساهمات حلول، من خلال حوار وطني وعالمي معافى. وعليها أن تجتنب أي خطاب جدلي خال من الحلول المبتكرة ولا يقدم سوى مواجهات فقهية مكرورة لا صلة لها بقضايا الحياة الحقيقية. إن قدرة الحركات الإسلامية على فعل ذلك تتناسب بإضطراد مع قدرتها على تأسيس حركة سياسية خلاقة ومستنيرة تفجر وعيا جديداً بداخلها وتوافقاً بينها وبين مجتمعاتها، وهو ما يطرح عليها أن تحدد ما إذا كانت ستختار أن تكون الحركة السياسية التي تنشؤها هي حركة تيار سياسي عريض أم ستقنع بأن تصبح مثل أحزاب اسرائيل الدينية، حركات القضية الواحدة. سيكون من أكبر أخطاء الإسلاميين أن يعتقدوا أن الوصول إلى السلطة هو نهاية المطاف لحركتهم ذات المنطلقات والأهداف الاجتماعية والثقافية العميقة وطويلة الأمد. سيكون خطأً كبيراً أن يظنوا أن استلام مقاليد الحكم يعني انتفاء الحاجة إلى الحركة. خلاصة حكمة التاريخ الإسلامي القديم والحديث تؤكد أن امتلاك السلطة كان هو البداية للصراع والفتن بين أصحابها. والضمانة ألا يحدث ذلك هو في بقاء الحركة الإسلامية، حركة حاضنة تشكل الوجدان الإسلامي، وتصنع القيادات، وتقدم القدوة، وتحشد الإرادة لمقابلة التحديات والعزائم، وتظل ضميراً ومستودعاً يحفظ قيم الأمة. وأخيراً، حري بالحركات الإسلامية أن تقف في الجانب الصحيح من حركة التاريخ في مسألة الديمقراطية. عندما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بأبواب مكة في السنة السادسة للهجرة وكان يريد العمرة اعترضته قريش فقال: «ويح قريش لقد أكلتهم الحرب. ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس.» إذن كل ما كان يطلبه النبي (صلى الله عليه وسلم) هو حرية الدعوة، لأن الدعوة إلى الخير والبر لا ينفعها شيء مثل الحرية. ولن يفيد الإسلام وأتباعه من شيء قدر ما سيفيدون من الحرية. والضمانة الأقوى لبقاء المد الإسلامي هو أن يرسّخ الإسلاميون أنفسهم، بالتعاون مع الآخرين، نظاماً ديمقراطياً يؤمن بالحرية للناس كلهم ويقيم العدل ويفتح أبواب الخيارات واسعة لكل صاحب فكرة أو مبادرة أو إبداع. فهل سيعي الإسلاميون دروس التاريخ؟ أم أن دورتهم في قيادة شعوبهم ستكون تكراراً لمسالك الإخفاق التي سلكها كثيرون قبلهم؟ من حسن حظهم أنهم اليوم يمتلكون تحديد الإجابة، وسيأتي يوم لا يمتلكون فيه تحديد الإجابة. يومئذ، سنن التاريخ هي التي ستحدد الإجابة، ف «اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل».