خلصنا فى الحلقة الأولى الى أن الشيخ ذبح الحركة الإسلامية وحل المرجعية ليكون ملكًا غير متوج وغير خاضع للمراجعة ولا المساءلة ناهيك عن المحاسبة الشيء الذي أدى لمذكرة العشرة التي أودت بالشيخ وشقت الحركة. ما يحمد للحركة الإسلامية تاريخيًا أنها لم تحتكر الدين ولم تنغلق على نفسها «جبهة الميثاق/الاتجاه الاسلامى/الجبهة الاسلامية» واخيرًا المؤتمر الوطنى وإن جاء بعد ذبح الحركة الإسلامية حيث دخله الناس أفرادًا وأحزابًا وجماعات منهم الصادقون ومنهم المنافقون ومنهم من جاء بمصيبة ليسترها ومنهم من جاء لدنيا يصيبها ومنهم من جاء من خارج الملة «كونه حزب الحكومة المرغوب او المرهوب». بغياب الحركة المذبوحة والشورى الموءودة والمرجعية المنبوذة وزهد كثير من القيادات ووقوف كثير من العضوية الفاعلة على الرصيف نتيجة الإقصاء اوالمرارات الشخصية .. اعتلى المنابر بعض الجهلة والمتسلقين ووصل لمفاصل الحزب والسلطة بعض النفعيين والانتهازيين إضافة لسقوط بعض إخواننا فى امتحان السلطة والثروة فظهر الفساد «المالى والادارى» وأطلت القبلية والجهوية واستشرت الشللية وأعيدت الحياة للطائفية وأسفرت عن وجهها القبيح مراكز الضغط والمصالح التى ضيقت على العباد ورهنت البلاد خاصة حين تقاطعت مصالحها مع مصالح العباد والبلاد.. حتى الحركة الإسلامية التى أعيدت للحياة عام 2002 ظلت هياكل بلا روح واشواقًا غير قابلة للنفاذ.. كيف لا وأهل الرصيف يتكاثرون يوميًا حين أصبحوا غرباء فى دولتهم وبين اخوانهم .. كيف لا والصادقون من إخواننا فى الحزب او الحكومة اصحبوا مكشوفى الصدر والظهر. المؤتمر الوطنى والحكومة الجناحان «السياسى والتنفيذى» للحركة الاسلامية فى غيابها حلقا عاليًا بالتنمية المادية وسقطا الى درك سحيق بالفكرة والروح. ففى غياب الحركة الإسلامية اشتعل نزاع دارفور الموسمى الى فتنة سارت بها وسائط الإعلام العالمى واستغلتها دول الاستكبار ومنظماتها ومخابراتها ففتكت بالنسيج الاجتماعي وهددت بقاء الدين والدولة حيث قادها واذكى اوارها بعض ابناء الحركة الإسلامية. فى غياب الحركة الإسلامية تم توقيع كارثة نيفاشا رغم تلك الانتصارات الساحقة على التمرد وفنائه الذى بات وشيكًا ومع ذلك جاءت بفخاخ خطيرة «الترتيبات الامنية/ابيى/النيل الازرق/جنوب كردفان/الحدود/البترول/الديون الخارجية» بشروط مجحفة وتطبيق مذل وابتزاز مهين. فى غياب الحركة الاسلامية دغمست الشريعة التى اعترفت بها الحركة الشعبية مرغمة حكمًا للشمال وخيارًا متاحًا للجنوب وشهدت بذلك امريكا وصويحباتها ووقعوا عليها وهم كارهون.. لكن الهزيمة النفسية التى طالت البعض جعلتهم يتحاشونها فى الشمال ولا يتطلعون اليها أبدًا فى الجنوب وما كثرة اللقطاء والمخدرات والرشاوى والمظهر العام والحفلات الداعرة لبعض السفارات والمنظمات والحرب على الدين والدولة وذهاب هيبتها واضمحلال نفوذها إلا خير شاهد ودليل. فى غياب الحركة الإسلامية انتشرت الشركات الحكومية المعفاة من الجمارك والضرائب وغير خاضعة للمراجعة او المحاسبة و تكاثرت وتطاولت غابات الاسمنت المسلح لكثيرين من الطلقاء والدهماء والغوغاء ومنع المراجع العام من دخول بعض الوزارات والإدارات وسقط فى فتنة المال بعض الذين كنا نظن بهم خيرًا.. للدرجة التى جعلت الاخ الرئيس «لا شلت يداه» يصدر قرارًا بانشاء مفوضية لمحاربة الفساد وردع المفسدين الذين تلاعبوا بالدولار والمواصفات وتماسيح التلات ورقات. فى غياب الحركة الإسلامية تطاول العهد بكثير من وزرائنا وولاتنا والقابضين على مفاصل الحزب والحكومة حتى استنفدوا كل ما لديهم من أفكار وطاقات.. فأصبحوا اسطوانة مكررة ومشروخة ومزعجة اكثر منها مطربة خاصة اولئك المنبطحين. فى غياب الحركة الإسلامية تكاثرت حركات العمالة والارتزاق بعدما أعطي كل من حمل السلاح مالاً وسلطانًا واعفي من تبعات الخيانة الوطنية فى بلد الإباحية السياسية وجىء به وزيرًا اصيلاً حتى تجاوزوا المائة فى سابقة تاريخية لم تحدث فى الصين المليارية ولا فى امريكا الدولارية ... سجل يا غينيس رقمًا لا يمكن تجاوزه فقط بل لا يمكن الاقتراب منه الى يوم القيامة... ما يهرى قلبى ويمزق فؤادى ليس كنكشة اخوانى فى الكراسى ولكن سماحهم للقتلة والعملاء والبلطجية ان يجالسوهم وجهًا لوجه رغم الدماء و الشهداء. فى غياب الحركة الاسلامية غاب مشروعها الحضارى وخطابها الدعوى وبرنامجها الفكرى وإعلامها القاصد وملأت الفضاء بعض قنوات الخلاعة والميوعة وتناوشتنا سهام صحفيي المخابرات والسفارات الذين مرمطونا فى جميع المحافل الدولية والمنابر العالمية حتى ان الأخ المجاهد سيف الإنقاذ وحسامها البتار «اسحق احمد فضل الله» يجرجر فى المحاكم باكثر من ثلاث وعشرين قضية نشر يكسبها جميعًا دون دعم من احد وآخر قضية حين كسبها خرجت عليه احدى «حريم» المؤتمر الوطنى تطالب باعادة محاكمته... يا هذه ليت زوجك او اخاك كان معنا ليخبرك عن اسحق وإخوان اسحق. فى غياب الحركة الإسلامية يحارب البعض التنمية التى كانت تشن الحروب لأجلها... بسبب تطاول بعض المسؤولين واستفزازهم للمواطنين وامتنانهم عليهم بما يهدد الأمن الوطنى وفتن المواطنين... لقد أصبح البعض دولة داخل الدولة وفوق القانون والمحاسبة. فى غياب الحركة الإسلامية يُساء ترتيب أولويات التنمية وبنياتها التحتية وتقام ناطحات السحاب دون الالتفات للزراعة التي هي حرفة اهلنا وعماد اقتصادنا حتى خرج البترول من بين ايدينا.. البترول الذى لم نستطع ان ناخذ حقوقنا منه عينًا او نقدًا حتى الساعة. فى غياب الحركة الاسلامية تساقطت حصوننا التاريخية فى الجامعات العريقة منها والتى انشأناها ... فرغم ثورة التعليم العالى ورغم الإسكان الجامعى «خمسة نجوم» ورغم مشاريع التنمية العملاقة ورغم معسكرات الخدمة الوطنية التى تتيح لنا مساحة كبيرة للتبصير والتثوير والتجنيد.. الا اننا نفاجأ فى كل عام بهؤلاء البرالمة يسقطوننا فى اكثر من جامعة. فى غياب الحركة الإسلامية وغياب اصلب العناصر لأصعب المواقف تستبيح المنظمات الكنسية واليهودية والاستخبارية البلاد طولاً وعرضًا تسعى بالفتنة وتجند العملاء وتنشئ الكنائس وتنصر المسلمين وتهتك عروضهم فى لياليها الماجنة والداعرة بالخرطوم بل ويتطاول ذلك الامريكى الوضيع على رسولنا الكريم .. ثم لا يجد من يصفعه او يذهب به لا الى الجحيم ولكن فقط لمطار الخرطوم. فى غياب الحركة الإسلامية وغياب اصلب العناصر لأصعب المواقف يتنكر البعض من اخواننا لإخواننا الشهداء وللمبادئ التى جاهدوا فى سبيلها واستشهدوا تحت رايتها بما يغرى السفهاء والمخلفين بالتطاول عليهم والتشكيك فى شهادتهم ومحو أسمائهم من الطرقات وكنس آثارهم من الميادين وجحدهم استحقاقاتهم. فى غياب الحركة الإسلامية وبعد ثلاثة وعشرين عامًا من الحكم المطلق لم تستطع الإنقاذ ان تستكمل بسط الشرع والدين على شعب مسلم أصلاً بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ فى ذات المدة من استكمال تنزيل الدين توحيدًا شرعة ومنهاجًا في امة لم تكن مسلمة أصلاً بل حاربته وظاهرت على إخراجه.