البروفيسور زكريا بشير إمام من قيادات الحركة الإسلامية السودانية. ومن رموزها الذين قدموا إسهامات كبيرة في مجال العمل السياسي والثقافي والأكاديمي. ولد البروفيسور زكريا بشير في مدينة بربر. وترجع جذوره إلى (أم الطيور) مثوى أجداده. جدّه المك عبد الدائم ود المك عدلان ود المك عرمان. وأمه من آل النعيمية. وتلقى البروفيسور زكريا بشير دراسته الأولية والوسطى ب (بربر) ثم بورتسودان الثانوية ثم جامعة الخرطوم. وبعد عامين من الدراسة بكلية العلوم بجامعة الخرطوم، شعر بعدم رغبته في دراسة الهندسة فقام بالتحويل إلى كلية الآداب. وكان زكريا بشير سياسياً ناشطاً في الحركة الطلابية. وكان عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم لعام 4691م. وعمل بعد التخرج مساعد تدريس بكلية الآداب جامعة الخرطوم، ثم ابتعث إلى إنجلترا لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة. وقبل إكماله الدكتوراة حدثت (ثورة) مايو 9691م. وكان في صميم تكوين تلك (الثورة) الحزب الشيوعي خصم الإسلاميين اللدود. فكان ذلك سبباً في أن يواصل زكريا بشير الدراسة في أمريكا لنيل الدكتوراة. وكان ذلك في جامعة (بتسبيرج) بولاية بنسلفانيا. وأكمل زكريا بشير دراسة الدكتوراة عام 3791م. وعاد إلى السودان والساحة السياسية بدأت الاشتعال ضد الرئيس نميري، فكانت ثورة شعبان أغسطس 3791م التي لعب فيها الإسلاميون الدور الرئيس في إطاحة ثورة مايو. وضمن فعاليات ثورة شعبان ضد الرئيس نميري، شارك الدكتور زكريا بشير بتكليف من الحركة الإسلامية في ندوة سياسية بجامعة الخرطوم. فاعتقلته سلطات الرئيس نميري وحكمت عليه بالسجن عامين قضاها في سجن كوبر. وكان خطباء المنابر الطلابية من الإسلاميين في جامعة الخرطوم دائماً ما يشيرون إلى زكريا بشير في سجن كوبر ب (الليث الرابض في كوبر). وبعد خروجه من السجن رفضت أجهزة الأمن التابعة للرئيس نميري عودته إلى التدريس بجامعة الخرطوم، فكان أن غادر إلى السعودية بمساعدة من مولانا محمد يوسف محمد المحامي. ولم يكن حينها زكريا بشير يملك غير تذكرة ذهاب فقط إلي السعودية رتبت قيمتها زوجته الأستاذة السيدة مزاهر. ووصل زكريا بشير إلى مدينة جدّة، وكان في استقباله الأستاذ محمد أحمد الفضل أحد قيادات الإسلاميين. ثم التقى زكريا بشير بالأستاذ (الوزير) أحمد عبد الرحمن محمد الذي كان يعمل مساعداً لمدير جامعة الملك عبد العزيز، حيث ساعده في الالتحاق أستاذاً بجامعة الملك عبد العزيز. وهناك قضى يدرِّس بالجامعة لمدة عامين، وذلك قبل أن يصدر قرار من الحكومة السعودية بطرد قيادات الإسلاميين السودانيين والمعارضة السودانية من المملكة العربية السعودية. وجاء القرار بوشاية من حزب الرئيس نميري (الاتحاد الاشتراكي السوداني). وشمل قرار الطرد أحمد عبد الرحمن محمد، عثمان خالد مضوي، زكريا بشير إمام، توفيق صالح عثمان صالح، كما شمل الدكتور عمر نور الدائم وأحمد زين العابدين وعثمان جاد الله وآخرين. وغادر دكتور زكريا بشير إلى بريطانيا. وبعد ستة أشهر كانت المصالحة الوطنية بين الرئيس نميري والمعارضة. وكان السيد/ الصادق المهدي عندما ابتدر مصالحة الرئيس نميري في أغسطس 7791م في لقاء بورتسودان، يعتقد أن الرئيس نميري سيمنحه منصب رئيس الوزراء، ولكن خاب فأله، فخرج بشخصه من المصالحة بدعوى تأييد النميري اتفاقية كامب ديفيد، بينما بقي بحزبه وأتباعه فاعلين في إطار نظام مايو وبرلمانه ووزرائه مثل السيد/ شريف التهامي والدكتور عبد الحميد صالح. وعاد الدكتور زكريا بشير إلى السودان بعد المصالحة وشارك في انتخابات (مجلس الشعب) أي (برلمان نظام نميري)، وفاز بالتزكية عن دائرة الجامعات والمعاهد العليا. وصار رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي. و (مجلس الشعب) في دورته تلك أجاز قوانين الشريعة الإسلامية. ثم انقلبت الرياح النميرية المايوية ضد الإسلاميين بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش السودان، حيث أنذر (بوش) الرئيس نميري وطالبه بإلغاء القوانين الإسلامية وطرد الإسلاميين من السلطة. فاستجاب الرئيس نميري للطلب الأمريكي، وألقى خطاباً قبل مغادرته إلى أمريكا في زيارة، ليعلن أنه بعد عودته سيضرب (إخوان الشياطين) دون رحمة، في إشارة إلى (الإخوان المسلمين). واعتقل الرئيس نميري قيادات الإخوان المسلمين وأودعهم سجن (كوبر وسجن بورتسودان). وكان الدكتور زكريا بشير ضمن مجموعة القيادات الإسلامية التي تم إيداعها سجن بورتسودان. وتضم تلك المجموعة: عطية محمد سعيد ومبارك قسم الله وأحمد عبد الرحمن وسليمان مصطفى أبكر. وهناك في السجن قام (الإخوان المسلمون) بتكوين (كتيبة ياسين) وهى كتيبة مكلفة بقراءة سورة ياسين (44) مرة صباحاً ومساءً. وفي سجن بورتسودان رأى زكريا بشير في المنام أن الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وزير الدفاع سيطيح الرئيس نميري. وقصّ رؤيته على إخوته في السجن. وبعد ثلاثة أيام أطاح الفريق سوار الذهب بالرئيس جعفر نميري. وبعد سقوط الرئيس نميري خرج الدكتور زكريا بشير من السجن وشارك في أول مؤتمر ل (الجبهة الإسلامية القومية)، حيث أشار في المؤتمر إلى الصلاحيات والسلطات الواسعة التي تمَّ منحها إلى الدكتور حسن الترابي، مما أثار الغضب (الترابيّ) عليه. وعندها تم طرد الدكتور زكريا بشير دون إنذار. وقبل ذلك لم يكن هناك أي خلاف بين الدكتور زكريا بشير والدكتور حسن الترابي. وغادر بعدها الدكتور زكريا بشير السودان لمرافقة زوجته التي ابتعثت لنيل الماجستير. ثم غادر إلى دولة الإمارات. وبعد سبع سنوات عاد إلى السودان للعمل بجامعة جوبا، حيث ظلَّ يعاني التهميش وتلاحقه آراؤه في أروقة المؤتمر الأول للجبهة الإسلامية القومية بعد الانتفاضة. ثمّ غادر زكريا بشير إلى دولة قطر مستشاراً لجامعة قطر، ثم عاد إلى السودان ليشغل منصب مدير مركز حوار الحضارات التابع لجامعة النيلين. وخلال تنقله في أقطار العالم خارج السودان ظلّ زكريا بشير وفياً لهوايته المفضلة في القراءة ثم التأليف. وقام الدكتور زكريا بشير اليوم بتأليف خمسة وعشرين كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى ما يزيد عن أربعين بحثاً أكاديمياً. ومن كتبه (فقه السِّيرة) و(دولة الإسلام) و (التخطيط الاستراتيجي والتعليم العالي) و(فلسفة الحكم من منظور إسلامي) و(مفهوم العدالة في الفكر الإسلامي) و ( عبدالله الطيب ذلك البحر الزاخر)، وغيرها. وللدكتور زكريا بشير تجربة في التجارة الصغيرة، حيث دخلها منذ حقبة الرئيس نميري عندما أصبح مرتب الأستاذ الجامعي لا يكفيه أسبوعاً، فعمل إلى جانب التدريس الجامعي، مزارعاً وطحَّاناً وبقالاً وسمسار عربات، ثم طوى صفحة التجارة وصفىّ أعماله وخرج بأرباح تبلغ خمسين ألف دولار، اشترى بنصفها منزلاً وانفق النصف الثاني على متطلبات الحياة والأسرة الصغيرة. (زوجته وأولاده الأربعة). وفي نظر الدكتور زكريا بشير أن التجار الإسلاميين الكبار في السودان تحملوا الكثير في سبيل إرساء دعائم دولة النظام الإسلامي، غير أنهم اليوم من أفقر التجار. البروفيسور زكريا بشير إمام كفاءة وطنية إسلامية كبيرة، لم تشغل بعد في السودان المكان الجدير بقدرتها، ولم يشفع لها تاريخها النضالي الكبير. زكريا بشير كفاءة لم تزل يلاحقها التهميش، وتلاحقها (لعنة) أفكاره التي طرحها في المؤتمر الأول للجبهة الإسلامية بعد الانتفاضة. ويقضي الدكتور زكريا بشير وقته الثمين في القراءة والتفكير والكتابة وتأمل القرآن والعبادة والذكر. قصة رمز الحركة الإسلامية البروفيسور زكريا بشير إمام، هى قصة تهميش الإسلاميين داخل الحركة الإسلامية وإقصاؤه. حبذا لو كان الكتاب القادم للبروفيسور زكريا بشير بعنوان... (تهميش الإسلاميين).