«يأتي في بنطلون الجينز الأزرق، قميصه كالمعتاد بلا ياقة، بلا زرار، متأبطاً حقيبته المصنوعة من جلد أصيل، أو يعلقها في دعة على كتفه الناحل.. يجلس إلى مكتبه المطلّ على حديقة المصلحة «مصلحة الثقافة»، وهي حديقة من بقايا آثار الإنجليز، إذ المكاتب تقوم في بيت قديم من بيوت الإداريين البريطانيين القدامى. وفي ركنه القصيّ عدة غرف صغيرة، كانت اسطبلات لخيول ساكنيه. تأتي القهوة معه، ونتحلق حوله، ونسمع الحكاوي».. هكذا حدثنا عنه الأديب الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم في ذكراه الأولى بعد الرحيل.. سطور كأنها خارجة من بين دفتي رواية أسلوبها سلس وآسر ومحكمة.. وكلمات صادقة نافذة في حق الراحل الذي أتم في أواخر يناير الجاري سبع سنوات هي عمر الرحيل.. رحيل المخرج السينمائي والفنان التشكيلي حسين شريف.. حفيد الإمام المهدي.. الإنسان المتواضع الهادئ والمبدع الهادر.. بدأ الإخراج السينمائي الوثائقي في أول أفلامه.. رمي النار عام 1973م وهو من عادات قبيلة من القرنيين جنوب شرق السودان يرمون الحجارة عند شروق الشمس بعد موسم الحصاد، وحقق فيلمه الثاني «انتزاع الكهرمان» عام 1975م نجاحاً في المهرجانات الدولية. ويقول أديبنا جمال إنه لمّا جاء حسين بمشروعه الشاعري السينمائي عن مدينة سواكن الأثرية عند ساحل البحر الأحمر، بصَمَ «الفنان» الصلحي، قبل أن يبصم «الوكيل» الصلحي، على موافقة ومساندة للمشروع، ليكون جهداً تنتجه مصلحة الثقافة الناشئة، فيعرف الناس أن قسم السينما فيها يفعل المعجزات بإمكانات ضئيلة وموازنات مالية شحيحة، ولكن بخيال إبداعيّ جبار.. «يقولون «من خلَّف لمْ يمت»!! وتقال هذه العبارة عن الذرية حفظهم الله ورعاهم. ويجوز لنا أن نطلقها، ونعني بها ما خلَّف الراحل من إبداع متنوع في الرسم والإخراج والتصوير والشعر، فأية حياة نابضة ترك لنا!! ومما ترك ما هو عمل مكتمل وما هو بداية بلا اكتمال.. وكل ما نرجوه ونضم صوتنا لصوت الدبلوماسي جمال أن تتحرك الجهات المختلفة المعنيَّة بهذا الإبداع ليجمع ويعرض بما يلزم على الناس، وفاءً واحتفاءً بالراحل المقيم.. ومن بعد الرحيل ومن قبله.. الإبداع ملك للجميع!!