أهل بلادي يعانون من عدم وجود صُنّاع مهرة في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية والتبريد..إنهم موجودون في مكان ما، لكننا لا نعرفه.. بالرغم من وجود هذه الكليات في معظم الجامعات والتي ظلّت ترفد سوق العمل بأعداد مهولة منهم إلا أننا لا نراهم حيث يجب أن يكونوا..إذا تعطلت عربتك فإنك سوف تستدعي أحد الصنايعية من قرّاش أو جملون أو تحت شجرة.. عند وصوله يسألك بعض الأسئلة التي ليس لها علاقة بالموضوع كقوله: أنت كنت وين؟أو: العربية دي مش كان سايقاها بت طويلة كدا من شمبات؟؟ يفتح الكبوت ثم الضهرية ثم يبحث في عن شيء وأخيرًا يسألك: عندك مفك نجمة أو صباع أمير؟؟بعدها تُحمل عربتك إلى مثواها قبل الأخير إلى إحدى الورش وهناك ينكب عليها الجربندية زعطاً ومعطاً لأسلاكها وتسوء حالتها كلما مر عليها يوم وآخر الأمر يطلبون قطع غيار أفضل منها شراء عربة جديدة.. ذات المصيبة تحيق بك إن تعطل لك تلفزيون أو تلاجة فليس هناك سوى هؤلاء الجربندية الذين إذا أفلحوا في إصلاح العطل طالبوك بالدية ونحر عجل حنيذ وإن فشلوا لاموك على سوء استخدامك وأنك زول ماسورة ساكت.. أحياناً يزعمون أنهم أصلحوها فيأتوك بها مغسولة ومكوية وبعد أن تنقدهم أجرهم بسخاء ويذهبون تجلس أنت خلف عجلة القيادة رغبة في التجريب، فإن فتحت «السوتش» توجهت كل المؤشرات إلى الحد الأقصى، بنزين، حرارة، سرعة، شغب..الخ وإن أدرت مؤشر الراديو انفتح الكبوت عالياً «بين الأمم»، أما إن أنزلت فرملة اليد فستنفجر في وجهك الإيرباق وتطمس ملامح وجهك لدرجة أنك لا تجد حتى الحواجب التي تندهش بها!! إن ذهبت للشركة المستوردة للعربة وكان بعربتك عطل كهربائي تجدهم غيّروا البطارية والمروحة واللديتر وجزءًا كبيرًا من الضفيرة وذلك لتسويق الإسبيرات التي تئن بها مستودعاتهم.. وثانياً لعدم درايتهم بأين يكمن الخلل!! شفت كيف!!! يا جماعة، بدأ التعليم المهني في السودان في عام 1828م حينما زار محمد علي باشا السودان وقام بإيفاد ستة شبان سودانيين إلى مصر لتعلم فنيات الزراعة ومكافحة الآفات ثم جاء الخديوي إسماعيل وأقام شبكة خطوط تلغرافية بين الخرطوم والأبيض وكسلا وفازوغلي وفتحت مدرستان في الخرطوم وكسلا لتدريب كوادر للعمل بهذه الشبكات عام1870م وكذلك أنشئت ورشة تعليمية لصيانة الوابورات.. في عام 1901 قام جيمس كري بافتتاح أول مدرسة صناعية بأمدرمان لتدريب الطلاب في مجال البناء والنجارة والحدادة والبرادة وعندما اكتملت كلية غردون تبرع الخواجة وليم ماير بورشة شاملة لتدريس الطلاب الهندسة في المعمار والمساحة وقد أحضر لها المقررات من كلية «روكي» الهندسية بالهند، خلي بالك كويس... بعد 170 عاماً من بداية التعليم المهني يا جماعة، لا يمكن أن نكون فريسة للصدف في إيجاد صناعي ماهر في الصيانة وليس الاختراع، معاي إنت؟؟ المسافر على شريان الشمال الجميل يرى لافتات ضخمة على جانبي الطريق مكتوب عليها أرقام تلفونات فقط، سالت السائق ،دا شنو؟؟ فقال: دي نمر تلفونات أصحاب العربات «السحّاب» فإذا تعطلت عربتك تتصل بهم فيأتونك من الخرطوم «طلب» عشان خاطر عيون حلوين وتدفع دم قلبك بصرف النظر عن الفصيلة... الصناعية عندنا ينصحونك بعدم شراء عربة حديثة الطراز، فإن قلت لماذا؟ أجابوك في تبرّم: ياخي دي تلقاها معقدة والكبوت مدفوس عفش غريب ما تقدر تدخّل يدك وزول بعرف ليها ما في، عشان كدا أحسن ليك بوكس76 !! إن كان الأمر كذلك فلماذا لا تعكس الدولة قانونها وتقول : ممنوع استيراد أي موديل صُنع بعد 1980م وكل من يفعل ذلك يعاقب بالسجن والزواج الثاني أو العقوبتين معاً زائدًا حرق العربة في مكان عام لردع من تسوِّل لهم أنفسهم بارتكاب هذه الهتيكة.