فور انفصال جنوب السودان تبدّلت أحوال التعاطي بين شمال وجنوب السودان الذي أعلن خروجه الرسمي عبر بوابة الاستفتاء في التاسع من يوليو الماضي، ورسمت ملامح التعاطي سابقًا داخل الدولة الواحدة عنوانًا غير متبدل ملامحه التشاكس بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وانتقلت في هذه الأثناء وعقب انفصال جنوب السودان نواحي التعاطي إلى مراحل أخرى تخضع بصفة قاطعة إلى التعامل الدولي وأعرافه، وتبدَّل شكل الصراع حيث انتقل الصراع من خانة الحزبين المتصارعين في دولة واحدة إلى صراع بين دولتين، لكن بالمقابل تبدو النظرة الحزبية التشاكسية ما زالت توالي المضي قدمًَا بطريق الباحثين عن نقاط واضحة لتفسير العلاقة بين دولة السودان ودولة الجنوب، ووفق ما تراه الخرطوم من اجتراء التمرد على أراضيها بدعم من جوبا في حين تتهم جوباالخرطوم بدعم الثوار الغاضبين على نظام الحركة، ومع تصاعد وتيرة الخلاف والتباعد وتوسع شقة الكراهية السياسية بين الخرطوموجوبا رغم المحاولات هنا وهناك لتلطيف الأجواء عبر الوساطات الإفريقية وغيرها كشفت العاصمتان عن أنيابهما، وانتقلا للحديث عن الخطط والسياسات ضد بعضهما البعض التي تبدو عنوان الحلقة المقبلة في التاريخ الإفريقي بشرق إفريقيا. الخطة «ب» أعلنت الحكومة على لسان وزير الخارجية علي كرتي قبل فترة عن وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع دولة الجنوب بالتشاور مع كافة الأجهزة المختصة منوهًا بأن الإستراتيجية ستطبق فور الموافقة عليها من قبل قيادات الدولة، ودعم كرتي الحديث عن الإسترتيجية الجديدة بالتلويح قبل أيام بنية الحكومة التعاطي مع جوبا وفق الخطة «ب» التي قال عنها الناطق الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد مروح للزميلة «الأهرام اليوم» أمس الأول إنها تتعلق بلجوء السودان إلى الضغط اقتصاديًا على حكومة جوبا ومساندة المتمردين عليها، وأعلن السفير مروح عن تحركات يعتزم السودان القيام بها مع جميع دول الإقليم بغية إطلاعها على الجهود السودانية من أجل إقامة علاقات اقتصادية ودبلوماسية وعلاقات حسن جوار، لافتًا إلى أن الخطة «ب» ليست شيئًا يطبق اليوم أو غدًا. العين الحمراء غير أن مصادر مطلعة ذهبت إلى أكثر من حديث السفير مروح وقالت ل«الإنتباهة» إن الخطة «ب» وحسبما تقتضي الظروف تحمل أبعادًا أمنية وعسكرية وتشمل في طياتها نقاطًا لا يمكن الكشف عنها باعتبارها أسرارًا للدولة لا تقبل النشر، وتوقعوا أن تشهد الفترة المقبلة «عين حمراء» في مواجهة جوبا تحوي كافة عناصر الضغط اقتصاديًا وأمنيًا وغيرها. كروت متساوية يقلل المحلل السياسي الجنوبي د. ديفيد شان من روايات المصادر ويقول ل«الإنتباهة» عبر الهاتف من جوبا أمس «بالرغم من الأفضلية التي تتمتع بها الخرطوم في كروت الضغط إلا أن التساوي هنا يبدو قريبًا» ويضيف أن تلويح الخرطوم باستخدام الخطة «ب» في مواجهة جوبا بغية الضغط وتغيير الحديث السياسي والانتقال بلهجة الخطاب الإعلامي في التعامل مع جوبا لا يخرج من باب التهديد اللفظي على الأقل في هذه المرحلة، ويرى وفق اعتقاده أن الخرطوموجوبا يتساويان في كروت الضغط بينهما لكنه يعود ويجزم قائلاً « الخرطوم لديها كروت أخرى يمكن أن تتفوق بها على جوبا وربما تحتاج إليها عند محاولة حسم اللعبة وفق قوانين لعب الورق»، ويذكر شان أن الكروت الضاغطة السياسية أخلاقيًَا لا تتحمل الإضرار بالمواطن لكنه يرى أن الخرطوموجوبا تمارسان لعبة غير حميدة على حد قوله بشأن استخدام الكروت بمناطق حيوية وحساسة تعنى بمعاش المواطن وأمنه وحياته مثل إغلاق تدفق النفط وغيرها، ويدمغ المحلل شان إعلان سلفا كير لحالة الاستعداد العامة وسط قوات الجيش الشعبي عند مخاطبته لقيادات الجيش الشعبي بقاعدة بلفام قبل يومين ب«التخبط» الواضح ويضيف «هذا الإعلان يبين أن دولة الجنوب تاهت ولا تدري أين تسير بها الركبان». سلفاكير يستعد وعلى صعيد الفعل المباشر قرر القائد العام للجيش الشعبي سلفا كير ميارديت إعلان الاستعداد والتعبئة لمواجهة ما اعتبره مهددات ومخاطر تحيط ببلاده فور في أعقاب الخطة «ب» التي لوّحت بها الخرطوم في مواجهة جوبا هكذا ابتدر أستاذ العلوم السياسية د. محمد سعيد محمد تعليقه على تصاعد نبرة الخلاف بين الخرطوموجوبا واستمرار الخوض في التلويح بكروت الضغط بين الطرفين، ويقول ل«الإنتباهة»: «استنفدت حكومة جوبا كروت ضغطها وهذا يبدو بائنًا للغاية باتجاهها للاستعداد للحرب»، ويمضي قائلاً: استخدمت كروت ضغط المجتمع الدولي منذ الانتخابات وفي الاستفتاء وشملت الكروت المحكمة الجنائية الدولية والحصار والديون والحركات المسلحة الدارفورية لكن كلها باءت بالفشل، ويوضح د. سعيد أن جوبا استخدمت آخر الكروت في يدها وهو كرت النفط لكن النتيجة جاءت عكسية تمامًا وفق ما كانت تأمل ويردف: «جاء كرت النفط وابلاً على جوبا عقب تسببه في اختلاف الرأي العام نفسه حول القرار باعتبار أن النفط شريان حياة الجنوبيين ولا شيء لديهم غيره»، وينوه بأن استخدام الكرت الأخير بشأن النفط رمته بحسب حديثه في وجه الخرطوم التي تعاني من صعوبات اقتصادية تجتهد لمعالجتها، ويرى أن كرت النفط رغم تأثيره على الخرطوم إلا أنه ليس بالمقياس المخيف عند الاستخدام، ويعتقد أن جوبا فقدت كافة كروت الضغط وباتت في وضع ضعيف على طاولة اللعب. واشنطن .. لها يد يري عددٌ من المحللين أن واشنطن تقف بقوة خلف استخدام جوبا لكروت الضغط ضد الخرطوم لتحقيق ما ترمي إليه دونما النظر لمصلحة دولة الجنوب، ويعضدون القول السابق بأن كافة الكروت التي دفعتها جوبا سابقًا في محاولة للضغط بغية التكسب السياسي والاقتصادي والأمني لم تحقق شيئًا يُذكر. الثوار: نرحب بحديث كرتي ما تناقلته وكالات الأنباء عن حديث كرتي باستخدام الخطة «ب» وتحليل البعض بأنها خطة خاصة تقبل دعم المتمردين على جوبا وعلى النسق نفسه تهديد المتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد مروح بإمكان دعم المتمردين، كل هذا وجد صدىً رحبًا عند ثوار دولة جنوب السودان، وسابقًا قال الفريق جورج أطور ل«الإنتباهة» في حوار سابق إن الخرطوم حالما قررت دعمهم فإن سلفا كير لن يبيت تلك الليلة في منزله، بعض قيادات الثوار السياسية والعسكرية نقلت ترحيبها بالحديث ودعت الخرطوم صراحة لدعمها للانقلاب على الحركة الشعبية وإطاحتها من حكم دولة جنوب السودان.