كتب الزميل الساخر محمد علي التوم من الله في صفحفة الفكهة "مفاكهات" تحت عنوان الشمشمة في يوم الجمعة الماضية قائلا" الكلاب البوليسية تدل على المجرم بحاسة الشم المباشرلكنها في قوانين الإثبات ليست كافية أمام المحاكم إلا إذا استُكملت باعتراف أو شفعت ببينة أخرى، نحن نشم من رائحة هذه الفيلا أو العمارة مثلاً أن مالكها حرامي، فحاسة الشم المعنوي عندنا تدلنا على أنه كان قبل زمن وجيز فقيرًا أو لا يملك مقوِّمات ما يجعله يمتلك مثل تلك العمارة أو أنه امتلك أمانة سلطة أو نفوذ أو مال فظهرت بعدها تلك النعمة ثم تتكون تلك الروائح وتفوح من عمارته أو ما يملك، فكل من يأتي مارًا بذلك يشمشم أو يسد أنفه، وهذا يدل على أن تلك الروائح ليست طيبة فكيف يحتمل الذين يحتمون بظلها العيش تحتها؟ » بهذه الاستدلالات الطريفة مضى الكاتب الساخر في تكريس مفاهيم الإثبات غير المعترف بها بالطبع في دنيا المحاكم و الحكومات، لكنها رغم ذلك تأخذ مكانها الراسخ في العقل الجمعي الجماهيري والذي يتعامل وفق نظرية فلسفة الروائح النتنة التي بحسب نتائج المعلوم بالضرورة بالمنطق العقلي لا تحتاج الى مستندات مادية تعضِّدها تمامًا مثل أن نهيق الحمار يدل على الحمار ورأس الأسد لن يدل على صورة الغزال، فمثلاً الموظف الكحيان قبل عام واحد الذي كان يأكل البوش والكوارع ويسكن العشوائي أو ضواحي العاصمة فيتحول في غمضة عين إلى وجيه يرتدي أفخم الثياب ويركب السيارات الفارهة ويضارب بالملايين إن لم تكن المليارات، فالشم هنا يدل على اللهف المصلّح، كذلك عندما تمنح مؤسسة مقاولاً «عنقالي » عطاء ملياريًا دون منافسة، فالشمّ يدلُّ على فساد الإدارة، وعندما يتخطّى التعيين الأكْفاء ويختار غير المؤهلين فالرائحة تقود إلى عدم الشفافية وفساد الذِّمّة، وعندما يمنح مصرفٌ ما قرضًا دون ضمانات كافية فالرائحة هنا تشير إلى السيد المدير مباشرة، وحين تستورد جهةٌ ما سلعة مضروبة فإن الرائحة تتعرج وتنساب إلى عدة جهات، وعندما تنعقد لجنة تحقيق وتتم دغمسة التحقيق فإن الرائحة هنا تتخذ طرقًا ومطبّات مثل لعبة السلم والثعبان وإن خرج التقرير ناصع البياض وإن عقدت المؤتمرات الصحافية والبينات والإعلانات المدفوعة القيمة، وعندما تقع عمارة جديدة أو يقع جزءٌ منها قبل أن تجفّ موادّها فالرائحة بالطبع لن تكون رائحة أسمنت فقط، وعندما يبعد السيد المدير الموظف العكليتة الذي أصرَّ على كشف المستور وعدم الرضا بالمعلوم تحت التربيزة فالرائحة لن تقود بالطبع إلى ذمة بيضاء، وحين تصادر حكومة الحريات وتملأ المعتقلات وتطلق زبانية التعذيب وتُعدُّ على المخالفين في الرأي سكناتهم وتهتك سترهم وتقتطع اللقمة من أفواههم وتمنع أبناءهم من العمل وتحجر خروجهم من البلاد بلا مسوِّغات قانونية، فإن عنوان الرائحة هو التعسُّف والقهر والجبروت.. ولا شك أن الروائح كثيرة وتقود إلى معادلة شمية منطقية تقود إلى مستنقعات وبرك آسنة لكن المطلوب هو إبراز الجسم فهو الدليل الحاسم! من هنا فإن قبيلة الشمّامين إزاء هذه المعضلة المستحيلة ستتمسك بالأدلة الشمية حتى إشعار آخر ولسان حالها يقول: «ليت الشم يكفي