ما أمتعها لحظات تلك التي نجلس فيها حول الحبوبة في الأمسيات لتحجِّينا.. وبعد أن تخفض ضوء الفانوس لإيحاء خلفية مسرحية حالمة تمكِّنا من تجسيد خيالنا ليبدو أمامنا وكأنه واقع.. تسرح بنا هي في أحاجي كنا نستمتع بما رسخ منها.. ومنها أحجية «البعاعيت» ولعل مثل تلك الأحاجي اليوم قد اختفت؛ لأن «البعاعيت» أصبحت واقعاً من خلال الشاشات الصغيرة في أفلام خيال لم تترك للطفل المشاهد فرصة أن يتخيَّلها أو يرسمها برؤاه الإخراجية. وبالرغم من أن تلك الأحاجي «خرافات» الأولين إلا أنها تحمل مضامين وقيمًا صاغها الخيال الاجتماعي في نصوص طريفة وترويها الحبوبة باقتدار قد يصل مرحلة الإبداع في التمثيل «اللفظي». من تلك الأحاجي أحجية اللص الذي اعتاد أن يسرق الأغنام من القرية ليلاً ويذهب بها للمقابر هنالك حيث يقوم بذبحها وسلخها وتوضيبها ثم يعود ببضاعته جاهزة للسوق قبل شروق الشمس. وقف ذلك اللص الجريء ذات ليلة يسلخ شاته السمينة التي علَّقها في فرع شجرة بالمقابر.. ويبدو أن وقته قد أشرف على بزوغ خيوط السحر التي قد تفضح أمره إن هو لم يغتنم شيئاً من الظلمة ويبلغ السوق في وقت مبكر.. لذلك كان منزعجاً جداً. وهو على هذا الحال ويسلخ الشاة مسرعاً فجأة أحس بأن هنالك من يقف بجانبه. إنها مفاجأة مخيفة طبعاً لإنسان عادي.. لكن اللص الذي اعتاد على جو المقابر ليلاً يعلم أن هذا المكان لا يدخله إلا أمثاله من اللصوص.. لذلك كان يسابق الزمن، ودخل بذكاء شديد في شرح حالته للوافد المفاجئ قائلاً: أوو.. أبو الزمل جيت في الوقت المناسب طبعاً إنت حرامي زي حالتي دي.. فرصة طيبة أنا قربت انتهي من السلخ.. ساعدني عشان نوضب الغنماية السمينة دي وبعدين ما بنساك.. الليلة وقعت لي في غنيمة سمينة ح أتخارج منها في السوق بسرعة.. إنت محظوظ.. كدي يا أبو الصحب أمسك لي الكراع دي كده!!. لكن الرجل الغريب الذي ظهر له فجأة لم يستطِع أن يمسك رِجل الشاة فأفلتت منه بسرعة. رفعها اللص ثانية وكرَّر الطلب لذلك الرجل الغريب الذي لم يفتح فمه حتى تلك اللحظة وكما يقولون لم ينبس ببنت شفة. وأخيراً لما تكرّر ذلك من الرجل الغريب الصامت انتهره اللص.. يا أخي إنت ميتان كده مالك؟. فرد عليه الرجل الغريب: يا أخي أنا إيدي ماكلاها الأرضة!! أخيراً انتبه اللص للرجل وبدأ يتمعّن وجهه فرآه قبيحاً جداً كما استمع لألفاظه جيداً فسمع فيها «نخنخة» وهو يقول: «إيدي ماكلاها الألضة» بدلاً من الأرضة.. وشم رائحة أخرى منه غير رائحة الشاة.. فعرف أخيراً أن ذلك الشبخ الذي كان يحدثه إنما هو بعاتي. وفي لمح البصر ألقى اللص السكين على الأرض وأطلق ساقيه للريح تاركاً حذاءه... بالقرب من الشاة المعلقة. وجرى كما لم يجرِ من قبل دون أن ينظر خلفه حتى وصل إلى القرية واطمأن لمنزل في أولها وجلس في مسطبة أمام الباب وهو يلهث وقال متنهداً قبل أن يرتاح: آآآآآآخ يا قلبي!.. لكنه شعر بأن هنالك من يجلس بجانبه ويقول مثله: آآآآخ يا قلوبنا.. سيد الغنماية جا؟ فإذا بذلك الشخص هو نفس البعاتي المشهور بسرعته الفائقة. وهناك هناك في الإسكانات حيث الموية فيها ترسبات! قالوا لي الموية دي عكرانة.. وموية الماسورة دي فيها رواسب وشوفا كيف وسخانة؟.. قلت ليهم: وأنا مالي!! جاتني في عيالي.. وجاتني في مالي، واشتكيت لي الدكتور: يا دكتور الصفوف الواقفة قدامك دي كلها من الموية.. موية الإسكانات سببت فشل كلوي والتهابات.. ما تقولوا حاجة للمسؤولين يا دكتور.. الدكتور قال: أنا هنا بس عشان أعالج أمراض الموية.. وما عندي سلطة على الموية.. وبعدين يا أخ دا ما اختصاصي.. وأنا مالي!! ومشينا لناس الموية واشتكينا.. يا ناس الثورات غرب الحارات.. والإسكانات.. موية الآبار.. خلت الزير الأحمر بقى أبيض.. كلها جير وأملاح وحاجات تاني عملت لينا ترسبات. المهندس قال اصبروا شوية حندخل ليكم موية المنارة.. طيب متين؟ المشكلة يا أخوانا عندكم ضعف في الشبكات.. لكن يا حاضرة المهندس نصبر لمتين والضعف بقى في «الكلوات» والزوجات والجنيات.. والفشل الكلوي قروشو غاليااااات.. طيب يا حضرة المهندس ما في خطة إسعافية لحين إصلاح الشبكات.. المهندس قال: وأنا مالي.. دا ما اختصاصي.. والكلوى تقول أنا مالي.. والمثانة تقول أنا مالي والحصوة تقول أنا مالي وهناك في الإسكانات حيث الشبكات كلها غلط وموية المنارة باقي ليها كم حارة مسافة تجونا، صدقوا لينا بمقابر اسمها «وأنا مالي» في الإسكانات.