الخرطوم تراهن على الزراعة للدفع بعجلة الاقتصاد والخروج من الأزمة المالية. وضعت الحكومة السودانية الانتقالية منظومة جديدة لتطوير إنتاج القطن بمساعدة شركات صينية لإعادة تسويقه في الأسواق الدولية وتعزيز الخزينة بإيرادات إضافية، تسد حاجة الخرطوم إليها للخروج من الأزمات المزمنة الناجمة عن السياسات البالية. العرب اللندنية – يسعى السودان إلى إعطاء زخم جديد لمستقبل زراعة القطن، التي كانت من أهم المجالات الاستراتيجية التي تحقق إيرادات مهمة للدولة. وتعول الحكومة الانتقالية على الاستثمارات الأجنبية وخاصة الصينية لتحريك هذا القطاع، الذي يعتبر من أهم القطاعات الزراعية، والقطع مع الماضي في التعامل مع إنتاج محاصيل القطن. ولطالما مارس خبراء والعاملون في زراعة القطن ضغوطا شديدة على السلطات للتدخل وتوفير التمويل ومدخلات الإنتاج للمزارعين حتى يتمكنوا من تحقيق مستويات الإنتاج على أسس مستدامة. وفي منطقة أبونعامة بولاية سنار، تنهمك شركة زونغ تين الصينية في مشاريع جديدة بعد نجاح تجربتها في زراعة القطن الشتوي باستخدام تقنية الري بالتنقيط في مساحة ألف فدان. وأعلنت الصين في 2016 دعمها للاستثمارات الزراعية في السودان بمبلغ 60 مليون دولار لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بينما أعلنت الخرطوم حينها حرصها على تذليل العقبات التي تواجه الاستثمارات الصينية بالبلاد. ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية لمدير الشركة حامد الفحام قوله إن إجمالي مساحات الشركة في أبونعامة تبلغ ألفي فدان مستأجرة من محطة بحوث أبونعامة مزروع منها 700 فدان بالقطن الصيني المحور. وأوضح أنه جلب البذور من مركز البحوث الصيني بالفاو وحققت متوسط إنتاجية 25 قنطار قطن في الفدان مقارنة بنحو 4 إلى 6 قناطير من أصناف القطن التقليدية. وكشف الفحام أن جملة المساحات التي مولتها الشركة في هذا الموسم في كل السودان بلغت 28 ألف فدان. وأشار إلى النجاحات التي حققتها الشركة لكسب ثقة زبائنها من خلال توفير المدخلات والشراء بالسعر العالمي للقطن حيث بلغ في هذا الموسم 6.7 ألف جنيه (125 دولارا) نقدا بدلا عن حوالي 4.1 ألف جنيه (77 دولارا) قيمة التعاقد. 13 مليار دولار حجم استثمارات الصين في السودان والتي تشمل الزراعة والتعدين والبنى التحتية والطاقة وأطلقت زونغ تين في أواخر ديسمبر 2018 محلجا أسطوانيا للأقطان في ضاحية مارنجان جنوب مدني عاصمة ولاية الجزيرة. وبلغت التكلفة الإجمالية للمحلج 3.6 مليون دولار، وقد قامت الشركة الصينية بتمويل الزراعة في مساحة 12.5 ألف فدان بولاية غرب كردفان و10.5 آلاف فدان في الجزيرة. وتبحث الاستثمارات الصينية في السودان عن انطلاقة جديدة لتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية بعد تذبذب مشاريعها وخاصة في القطاع الزراعي منذ عام 2000. وبحسب إحصاءات حكومية، تبلغ قيمة الاستثمارات الصينية في السودان نحو 13 مليار دولار، وتشمل مجالات الزراعة والتعدين والبنى التحتية والطاقة. ويبدو أن بكين تسعى إلى تطوير هذا الرقم خلال السنوات القليلة المقبلة. ويؤكد الخبير سفيان محمد البشير المحاضر بكلية الاقتصاد بجامعة الجزيرة أن الشركة الصينية أسهمت بفاعلية في عودة المزارعين لزراعة القطن بمشروع الجزيرة. وأرجع ذلك إلى تحفيز الشركة للمزارعين بالأسمدة والبذور والأسعار المغرية. وقال إن "تجربة القطن الشتوي واستخدام تقنية الري بالتنقيط تعتبر من التجارب الناجحة للتوسع في زراعة القطن والحد من نمو الحشائش الضارة بالمحصول". ويتوقع البشير ككثير من زبائن الشركة الصينية والمزارعين المحليين أن يكون لهذا الأسلوب في إنتاج محاصيل القطن مردود اقتصادي للخرطوم في السنوات المقبلة في حال تم استغلال كافة الظروف على النحو المطلوب. وعبر مزارعون عن إشادتهم بالتعامل والتحفيز المجزي الذي ظلت تقدمه الشركة الصينية لهم، ما أسهم في توسيع مساحات القطن بمشروع الجزيرة ودعم الاقتصاد السوداني. وأكدوا أن قرار الشركة بالتمويل المجاني للزبائن المتميزين يعزز ثقة المنتجين في التعامل معها والتوسع في مساحات القطن لدعم احتياطات البلاد من العملة الصعبة. وكان مجلس السلامة الحيوية القومي في السودان قد أصدر في أغسطس الماضي قرارا بوقف زراعة القطن المعدل وراثيا وإبادة كل المساحات المزروعة به. ودعا القرار الموقع من أبوبكر إبراهيم محمد، الرئيس المناوب لمجلس السلامة الحيوية القومي، في ذلك الوقت إلى تقييد تداول وإنتاج تقاوي القطن المعدلة جينيا، والذي تمت إجازته وفق قرار صدر عام 2012. وشدد على أن يتم تنفيذ القرار بتوجيه وزارة الزراعة الاتحادية للوزارات في الولايات بالقطاعين المعتمد على الأمطار والمعتمد على الري الصناعي. وقال السودان قبل ثلاث سنوات إنه يخطط لزراعة نحو 800 ألف فدان بمحصول القطن للاستفادة من التصاعد المستمر في أسعار القطن العالمية. وتراجعت عائدات صادرات القطن السوداني بشكل كبير، إذ بلغ إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي نحو 24 مليون دولار سنويا خلال السنوات الأخيرة، قياسا بنحو 188 مليون دولار حين تولى الرئيس المخلوع عمر البشير السلطة. انطلاقة جديدة للاستثمارات الصينية في تنمية الاقتصاد السوداني بعد تذبذب مشاريعها منذ عام 2000 ويكمن التحدي الأكبر بالنسبة للسودان في كيفية إدخال التقنيات الحديثة في الزراعة لرفع الإنتاجية وزيادة وعي وقدرات المنتجين لتوسيع رقعة الأراضي المزروعة. وبحسب التقديرات الرسمية، تساهم الزراعة بأكثر من 34 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، إلى جانب وجود قطاعات كبيرة تعتمد عليها وفي مقدمتها التجارة والنقل والصناعات الغذائية والخدمات. ويعاني السودان من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية للحكومات المتعاقبة للبشير، التي لم تجد الاستراتيجية الملائمة للخروج من الدائرة المفرغة للأزمات المتلاحقة. وبينما تمتلك البلاد ثروات طبيعية هائلة، لم تتمكن كل الحكومات التي تقلدت السلطة منذ الاستقلال عن المملكة المتحدة في 1963 من استغلالها على النحو الذي يحقق قفزات سنوية في الناتج المحلي الإجمالي ويعود بالنفع على السكان. ولدى السودان مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، إلى جانب مساحة غابية تقدر بحوالي 52 مليون فدان. ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع، إلا أن الخرطوم عجزت عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة، التي تعد من بين الأضعف بين الدول العربية بواقع مليار دولار، بحسب أحدث بيانات صندوق النقد الدولي. وتلقى السودان في الأيام الماضية وعودا من البنك الدولي بتقديم كافة المساعدات الفنية لتطوير نظم الري في البلاد من خلال إرسال فريق عمل متعدد التخصصات لإجراء دراسة تقييمية لأجل الوقوف على الاحتياجات الأساسية. ووفق بيانات وزارة الري السودانية، تتنوع مصادر المياه في السودان وتمتد من المصدر الرئيسي لروافد نهر النيل إلى البحيرات ومياه الأمطار التي يتم تجميعها في السدود والآبار المتواضعة.