أجواء البخور والجرتق والحناء .. لم تعد تحفز الشباب وحدهم على الزواج .. بل ان (الآباء) أنفسهم .. يتحولون لشباب مقدامين في دواخلهم، حيث تتوق أنفسهم لخوض غمار التجربة مجددا .. رغم العيون الحمراء التي يواجهونها ..وتهزم في معظمهم كل شجاعة وإقدام ! بالأمس .. عاش صويحبكم، وطائفة من الصحفيين والمرتبطين بالصحف في وظائفها المتعددة .. أجواء احتفالية بمناسبة تأهيل نجلي زميلنا .. مستشار أول التحرير بالزميلة (أخبار اليوم) .. الأستاذ محمد مبروك محمد أحمد . والمناسبة التي ستمتد .. أمّها العديدون من رموز العمل الصحفي .. والعديدون من الكبار، أقصد الكبار عمرا، وحرص الكثيرون منهم على الهمس في آذان بعضهم البعض، وهم يلتقون في رحاب الاحتفالية، بكلمة (عقبالك) .. ثم إطلاق الضحك العالي لأن أحدا لم يسمع ما قيل سوى الهامس والمهموس !! كنت في الماضي من القائلين بأن احتفاليات الزواج يجب أن نمسحها بالاستيكة، وأن نقصرها فقط على (العقد)، ثم تصير العروسة للعريس .. دون أن يتبقى الجري للمتاعيس !! السر العبقري الذي يحرص عليه المجتمع من خلال الطقوس، ومنها الحناء للعريس وصحبه ووزرائه الميامين، وطقوس أخرى .. هو تحفيز الشباب والشابات على الإقدام على الزواج . هذا ما اكتشفه صويحبكم في سنوات لاحقة، بعد أن شم حتى (سطل) من عبق المحلبية والعطور، وملأ رئتيه من البخور المدهش الذي يفعل فعل التمائم في النفوس، وعرف سحر(الضريرة)، وانتشى مبشرا في الحسان المزغردات حبورا وبهجة واحتفالا. أي أجواء غير هذه لها القدرة على التحفيز ؟ وأي مناخ غير مناخ الأعراس يملك كل ذاك المغنطيس الهائل الذي يدفع بالجميع نحو العرس ؟ حتى الحسان يزداد بريقهن في الأعراس، ويتحولن لمغنطيس آخر يضفي سحرا إضافيا على ما يجري، فتتكون بذرة الاقتداء بالعريس بين أقرانه، وتورق غرسة الاقتداء بالعروسة بين قريناتها، ولا تكاد المناسبة تنتهي .. إلا وتظهر في أعقابها إرهاصات زيجات أخرى تطرق الأبواب . طقوس الأعراس، بالمناسبة، لها برمجتها الدماغية للناس من كل الأجناس، وهي ترتبط بأحاسيس غامضة يتم تكوينها في اللاشعور منذ الطفولة الباكرة، وقد رأيت أشكالا من العطور والاكسسوارات والعادات لدى شعوب متعددة .. تعني لهم الكثير، في حين أن تلك العطور والاكسسوارات والعادات لدى آخرين لا تعني شيئا، ما يعني أن غرس تلك الأجواء يكون عميقا في نفوس المجتمع المحدد بطقوسه المحددة. نحن، لحسن الحظ، لنا أجواؤنا المحفزة، حيث وجدناها مصنوعة وجاهزة في إرث يمتد لقرون وقرون، فتم برمجة الدماغ السوداني على ذلك الموروث العميق العريق، والذي لا يوجد سوداني لا يتأثر بأريجه البهي الأخاذ . تكفي الأجواء الاحتفائية بعقد القران، وتكفي المراسم الاحتفائية بالزواج .. وتكفي بعض الزغاريد المغردة والمنطلقة في الفضاء لإشاعة مناخات ناضحة بالبهجة والحبور ومحفزة للزواج بين أبناء السودان وبناته . (الكبار) صاروا يتهامسون لبعضهم البعض ب (عقبالك)، لكنهم في الغالب يقولون ما لا يفعلون، أما الشباب والشابات فهم الأكثر أحقية بمعايشة التجربة، والتأهل لعش الزوجية .. فهم فلذات الأكباد، وهم مستقبل الوطن والأمة. مبروك ل (مبروك) ونجليه، والعقبى لكل أبناء السودان وبناته .. لنفرح بهم .. ونغرس زهرة الحبور .. رغم كل مصاعب الحياة، ووعورة دروبها التي نسلكها كل يوم .