في زيارة صحفية إلى ولاية (كسلا) و(القضارف) للوقوف على مشروعات التنموية التي تنفذها منظمة (الجايكا) اليابانية، شدَّ انتباهي عمل مسرحي قصير قدمته فرقة مسرحية بالقرية (2) غرب حلفاالجديدة، والملفت في العمل المسرحي الحبكة الدرامية كانت في غاية الجودة والتمييز، لدرجة جعلت الجميع يتابعون العرض باهتمام شديد بالأخص السفير الياباني ورئيس منظمة (الجايكا) بالسودان السيد "موري" الذي علق قائلاً (الدراما معبرة جداً والممثلون أجادوا أدوارهم)، هذا يؤكد أن الدراما مازالت كما كانت بذات قوة التأثير تؤدي دورها في التوعية والإرشاد والتثقيف، وتقوم بواجبها تجاه المجتمعات الريفية من خلال أعمال جادة وهادفة. ومن الأشياء التي تدعو للمفخرة أن تجد في هذه الأماكن القصية من بلادي شباب دراميين بارعين ومتمكنين ومتفهمين للدور الرسالي للمسرح، وحسناً فعل المسؤولون والمنظمون لهذه العروض المسرحية وهم يعتمدون على المسرح لطرح قضايا وموضوعات تهم المواطنين في مثل تلك المناطق الريفية والقروية، وتوجيه رسائل مباشرة للمستنيرين منهم ليقوموا بدورهم بتدريب أهالي المنطقة، لأن قضايا التنمية الصحية والإرشاد لا تأتي إلا عبر التأثير النفسي المباشر. شارك في تنفيذ هذا العمل الدرامي المعبر عدد من شباب المنطقة. مضمون العمل المسرحي الحبكة الدرامية للمسرحية كانت تدعو في مجملها إلى تمرير رسالة إلى رجال القرى ليسمحوا لنسائهم بالذهاب إلى المراكز الصحية للكشف المبكر عن الحمل والمتابعة الدورية والتوعية، مع العلم أن هناك نسبة كبيرة من الأمية في القرى والحلال في الكثير من ولايات السودان الطرفية، لذلك قد تكون نظرتهم انطباعية لبعض الأمور المتعلقة بالصحة والتعليم، لذا اختير لهذه العروض المسرحية ممثلون من نفس المنطقة لخلق نوع من الثقة والتآلف والتواصل وكسر الحاجز النفسي وتسهيل وتبسيط عملية توصيل الرسالة. تغيير المفاهيم في نفس الوقت "علي يس" من سكان القرية قال إنه قبل أن يتابع العمل المسرحي على الهواء كان لا يتقبل مسألة خروج المرأة من بيتها، لذلك ظل طيلة ما مضى من عمره يرى أن هنالك حرجاً كبيراً يسببه خروج زوجته إلى المركز الصحي وهي تمر أمام الرجال في السوق على حد قوله، وأضاف وكما رسخ في معتقداتنا كنت أرى من العيب على المرأة أن تخرج إلى مكان الاختلاط بالأجانب، لكن بعد هذا العرض المسرحي بدأت أتفهم أن للحامل وضعاً لا يحتمل التأخير والإهمال ويمكن أن تصاب بأمراض قد تؤدي إلى وفاتها أو وفاة الجنين أو الاثنين معاً في حالة عدم المراجعة أو المتابعة الصحية. أما السيدة "ح. ط" قالت معظم نساء القرى كنّ في الماضي يجدن معاناة كبيرة في توصيل المفاهيم المتعلقة بالصحة الإنجابية إلى أزواجهنّ وذلك لتصادم الأفكار التي يراها الكثير من الرجال أنها أشياء دخيلة ولا تتماشى مع العادات والتقاليد القديمة والموروثة التي تأطر إلى مفهوم أن المرأة مكانها المنزل (البيت). تفاعل من السفير الياباني.. في ختام العرض المسرحي قام السفير الياباني السيد (ريويتشي هوريي) بتحفيز الفرقة المسرحية بمبلغ مالي محترم، وذلك لما وجده من رد فعل ايجابي من المواطنين تجاه العمل المسرحي، وكذلك لما استشعره من موضوعية في طريقة التناول المسرحي للقضية المطروحة، هذا من خلال ما نقله له مترجمه الخاص السوداني "حاتم عباس" بحضور ذهني كبير، لذلك فور انتهاء العرض المسرحي قام بتحية جميع أعضاء الفرقة المسرحية، ثم قدم تبرعه لرئيس للفرقة مع مداعباته التي لاقت استحساناً من الجمهور الذي رد التحية للسفير الياباني.
