مرة أخرى أكتب عن قرصنة قنوات البث وهضمها حقوق المبدعين، لا أستثني قناة منها، مرئية أو مسموعة. وللأسف برغم أن هنالك قوانين سارية المفعول معمول بها بالسودان، وهنالك قضاة ومحاكم أنشأتها الدولة منذ العام 2000م، وهنالك نيابة مختصة بقضايا المِلكية الفِكرية. واستشعاراً من الدولة بأهمية حقوق المؤلفين والمبدعين أجازت الهيئة التشريعية قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة المعدل هذا العام، وألقت القانون السابق. ولعلم القارئ الكريم، فالقانون الحالي لحق المؤلف والحقوق المجاورة للعام 2013م جاء متلافياً بعض ما شاب القانون القديم الملغي. والحق يقال بأن جهداً مقدراً بذله مكتب حق المؤلف بالسودان المسمى بالمجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية، ليصبح لدى أهل التأليف والإبداع قانوناً إن استخدموه ووظفوه لأنصلح حال قبيلة الإبداع وما عاد المبدع السوداني يعيش في مسغبة وضنك من العيش والفاقة والقهر والظلم، والأدهى والأمر أن هذا الظلم واقع من إذاعات الدولة المرئية والمسموعة ببثها وإعادة بثها لمصنفات المبدعين الموسيقية والغنائية، فقد درجت إذاعة أم درمان – وهي إذاعة عريقة أسسها المستعمر – درجت على بث وإعادة بث المصنفات دون التعاقد مع أصحاب الحقوق من مؤلفين أو مؤديين، وعندما بدأت تدفع أموالاً نظير استخدامها تلك المصنفات كانت تعطي مبالغ زهيدة جداً تدفعها بإرادة منفردة دون الدخول مع أصحاب الحقوق في سين وجيم. وتعد هذه الطريقة أسوأ أنواع التعاقدات وكانت سائدة أيام القانون الروماني القديم ومعروفة عند أهل القانون بعقود الإذاعات والتي تتجه فيها إرادة متفردة لإتمام العقد وطبيعة العقود وأصلها بتطابق إرادتي طرفي العلاقة التعاقدية – نعيد القارئ للسابقة القضائية الشهيرة والتي قضت محكمة الموضوع للشاعر "هاشم صديق" بالتعويض المجزي. وللذين لم يلموا بموضوع هذه السابقة، نورد باختصار حيثيات الدعوى، فقد رفع "هاشم صديق" دعوى مفادها أن الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون تبث وتعيد بث بعض أغنيات من تأليفه، ولم تقم الهيئة بترتيب أوضاعها القانونية مع المؤلف وفق قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة والذي يعطي الشاعر الحق في الاستئثار بحقه المادي والأدبي، ولا يجوز لأي كائن سلبه هذه الحقوق التي أقرها له قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة، إذ لا يوجد مسوغ قانوني يمنح الإذاعة الحق في استغلال مؤلفات "هاشم صديق" بأية طريقة من طرق الاستغلال دون إبرام عقد طرفاه الإذاعة والمؤلف "هاشم صدق"، شأنه شأن العقود القانونية التي تبرم كعقود البيع أو الإيجارة ونحو ذلك .. وجدير بالذكر أنه في مرحلة من مراحل دعوى "هاشم صديق" ضد الهيئة القومية للإذاعة دفع محاميها دفعاً كان يظنه موضوعياً، إذ أنه ذكر أن الإذاعة قد سبق أن دفعت للمدعي الشاعر مبالغ مالية نظير أشعاره الغنائية ولن تأخذ محكمة الموضوع ولا محكمة الاستئناف بذلك الدفع، وإن صحت واقعة دفع المبلغ لأن الإذاعة لم تبرم عقداً قانونياً مع المؤلف، وبذلك قضت محكمة الموضوع ومحكمة الاستئناف بدفع مبلغ التعويض للمؤلف الشاعر الأستاذ "هاشم صديق" وتمتنع الإذاعة منعاً باتاً باستغلال مؤلفاته بأية طريقة من الاستغلال ما لم توفق أوضاعها مع المؤلف.. إذن.. لا قيمة لهذا القانون – وكلامي للمبدعين – إذا لم نفعل نحن أهل الإبداع القانون ويصبح أمراً واقعاً وتصدر المحاكم أحكاماً لصالح المبدعين لن ينصلح حالنا، وتصبح حقوقنا مشاعة تستغلها أجهزة الإعلام كما تريد.. وآن الأوان لانتشار ثقافة (المِلكِية الفِكرية) ليتمكن المعنيون بهذه الثقافة معرفة حقوقهم وواجباتهم، ويصبحوا قادرين على الخلق والإبداع، طالما هناك مقابل مادي مجزي كفلته لهم قوانين المِلكِية الفِكرية- أحمد لأستاذي الشاعر "محمد يوسف موسى" امتناعه عن تسجيل حلقات لقناة فضائية، لأن تلك القناة رصدت له مكافأة زهيدة وليتنا جميعاً حذونا حذوه، لأن الواضح أن أجهزةً اتفقت فيما بينها لتعريفة معينة تعطى للمبدع نظير أعماله، وعليه أرى إن أحجم المبدعون ولم يشتركوا بأعمالهم في تلك الأجهزة سيضعونها أمام الأمر الواقع، فيرغمونها على منحهم مبالغ تتناسب مع عطائهم.. قناة دعتني للمشاركة في برامجها الرمضانية فسجلت معي حلقتين وبثتهما وأعادت بثهما، شاركت بالحوار وقدم فنانون بعض أعمالي الغنائية وحتى الآن لم تمنحني أي مبلغ مقابل المشاركة والأعمال، هذا السلوك معيب ومخالف للقانون، إذا كان من المفترض أن يتم اتفاق سلفاً قبل التسجيل لتحديد المقابل المادي، والأدهى أنني راجعت القناة أكثر من مرة وأعود بخفي حنين!! وهذه الواقعة تصلح لدعوى قضائية تستوجب التعويض، لأن القناة خالفت قانون حق المؤلف مخالفة صريحة. وفي اعتقادي أن هذا هو سلوك معظم أجهزة البث وفي ظل تلك الخروقات للقانون يتحتم على اتحادات المبدعين الجلوس للاتفاق على صيغة تكفل لهم حقوقهم المادية والأدبية، فأنتم أصحاب حقوق وشركاء في العملية الإبداعية والتي تقود حياة إنسان السودان.