"المحبوب عبد السلام" القيادي بالحزب الشعبي ظل على الدوام لا يخرج عن إستراتيجية الدكتور "حسن الترابي"، فهو تلميذه النجيب ومريده المطيع وابنه البار، وقد نجح "المحبوب" إلى حد كبير في تطبيق خصائص الراهب الملتزم في محراب الشيخ، لا يكسر الجدول ولا يخرج عن النصوص، كان "المحبوب" يستخدم لسانه الذرب وثقافته العالية ومنطقه العميق في الدفاع عن أفكار ومنهج "الترابي" بشكل لا يقبل القسمة، بل سطع نجم "المحبوب" في كنف "الترابي" الذي دلق عليه الظل الظليل والرحابة الواسعة حتى صار الرجل لامعاً وصاحب مكانة رفيعة في باحة الأب الروحي للحركة الإسلامية السودانية. ماذا جرى ل"المحبوب"؟ وماذا في أعماقه خلال هذا الظرف؟ للوهلة الأولى يتبادر للمرء عنصر الدهشة والإثارة والجاذبية وهو يلتقط آراء "المحبوب" الدراماتيكية في شيخه "الترابي" ومنهج حزبه الشعبي وحصيلة الحركة الإسلامية في المشهد السياسي! في الصورة المقطعية مازال "المحبوب" يعترف بأن الدكتور "الترابي" قائد ملهم وزعيم تاريخي للإسلاميين بمختلف مشاربهم، لكنه صار يعتقد بأن "الترابي" ارتكب أخطاء كبيرة في التوجهات والسياسات خلال مسيرته الطويلة في دروب التكاليف العامة، وأن القادحين على منهجه وأسلوبه كثيرون لهم قناعاتهم ومبرراتهم التي تستحق الوقفة المتأنية والتأمل الشفيف، وبذات القدر لم يعد "المحبوب" يحفل بهجوم "الترابي" وانتقاداته اللاذعة للمؤتمر الوطني، ويرى بأن الحكمة تكمن في إدارة الحوار المنتج مع حزب السلطة للوصول إلى نتائج إيجابية لمصلحة الوطن.. ها هو "المحبوب عبد السلام" يعلن في موقف يخطف الألباب قائلاً: أنا (فرانكوفي) المزاج وأبطالي الحقيقيون في عالم الفكر والأدب وليس الساسة، بل يرفض لقب كاتم أسرار "الترابي"، ويقول بأن هنالك كثيرين غيري يعرفون "الترابي" أكثر مني.. فهل تمرد الرجل على شيخه في إطار واقعي جديد يمشي على حبائل التحديث والمراجعات الذاتية؟ وفي زاوية أخرى يهاجم "المحبوب" إيقاعات حزبه الشعبي ويطالب بإجراء ترميمات أساسية على ملامحه حتى يستطيع التعبير الصادق عن أطروحاته واحتلال المكانة المرموقة في الساحة، وقد قوبل موقف الرجل من حزبه بانتقادات واضحة من المحامي "كمال عمر" الذي ذكر بأن "المحبوب" طبقاً للنظام الأساسي للحزب ليس قيادياً في (المؤتمر الشعبي) وليس عضواً في هيئة القيادة والأمانات الأخرى، وزادت الوتيرة باتهامه بأن له أجندة خفية مع المؤتمر الوطني. الحركة الإسلامية كان لها نصيب واضح من النقد القاطع والملاحظات القاسية في رؤية "المحبوب"، فهو يعتقد بأن الحركة الإسلامية مسؤولة عن انفصال الجنوب، وأنها أضاعت سنوات ثمينة كان يمكن أن تحدث بها نقلة نوعية في المجتمع السوداني، ويعترف الرجل عن قناعات مكتسبة بأن الإسلاميين لهم قدرة فائقة على التخطيط والتنفيذ غير أنهم ينقصهم التفكير المؤدي إلى جني الثمار اليانعة، علاوة على ابتعادهم عن مطلوبات الانفتاح والاعتراف بالآخر. لقد كانت إشارات "المحبوب" المصادمة لتوجهات "الترابي" التي أطلقها في الفترة الأخيرة تحمل في ثناياها خليطاً من الاستنتاجات والزوايا الأخرى، فالرجل الذي كان لصيقاً لشيخه لا يفارقه كثيراً ويقلده في جميع حركاته وإيماءاته وطرائق تعابيره ومنطقه ربما يكون قد شعر بأن دوران التحديث والإصلاح والانطلاق الذي صار السمة البارزة في الساحة يناديه بضرورة قلب الطاولة والدخول في دهاليز العصر، وأيضاً أغلب الظن قد فكر "المحبوب" بأن دقات الساعة لا تسمح له بالتوقف في المحطة الحالية، وبذلك دخل في التجاذبات بينه وبين دواخله، حيث خرجت انتقاداته ل"الترابي" ملفوفة بقفازات من حرير تسكوها اللطافة والاعتدال.. كيف لا والسهام لا تكون قاسية في محراب الشيخ والمربي!!.. لا يفوت علينا إدراك أن عوامل التهميش والوقوف في الظل وقساوة الأخوان في التنظيم قد لعبت دوراً في إشارات "المحبوب" السالبة حيال شيخه، فضلاً عن مؤثرات أجواء باريس والعالم الغربي وتأملات "المحبوب" في عالم "الطيب صالح" و"صلاح أحمد إبراهيم". كان "المحبوب" في مواجهة رياح عاتية، لكنه تراجع قليلاً حتى لا يدخل في متاهات خطيرة.