بقلم – عادل عبده الحزب الشيوعي السوداني ظل عاشقاً للطبقة العاملة، يدافع عن العرق الذي تسكبه في ميادين التكاليف العامة ويبجل دورها في التضحية من أجل الوطن، وبذلك قدم للملأ القائد النقابي التاريخي المرحوم "الشفيع أحمد الشيخ"، علاوة على ذلك فقد حارب الحزب الشيوعي الرأسمالية بلا هوادة ومنهج تكديس الأموال الكثيفة من جانب الأغنياء والأثرياء، وكان أيضاً نصيراً لحركات التحرر من الاستعمار في الستينيات، بل أكثر ما أعطى الحزب الشيوعي رونقاً وبهاءً لدى الكثير من السودانيين هو اهتمامهم الواضح بالأدب والفنون والشعر، حيث استخدموا تلك الخصائص بذكاء في بروباقندا الحزب. الحزب الشيوعي دافع عن موقفه من الدين عندما اتهمه دهاقنة الإسلام السياسي بالإلحاد، فقد كان الكثير من قادة الحزب يؤدون فريضتي الصلاة والصيام، وكانوا يقولون إن الكُفر أكسل ممارسة ذهنية، فضلاً عن ذلك تماهى الشيوعيون مع التطور الهائل الذي لازم النظام العالمي الجديد، حيث أدخلوا منهج الحرية ضمن مرتكزات حزبهم. الآن ينعقد خلال ديسمبر المقبل المؤتمر العام للحزب الشيوعي السوداني في ظروف بالغة التعقيد، حيث ظهرت على السطح حروب الإخوة الأعداء والصراع المحتدم بين الحرس القديم ودعاة التجديد والعصرية، فالمؤتمر سيناقش البرنامج والدستور واللائحة المعدلة فضلاً عن انتخاب السكرتير العام الجديد. التغييرات الهائلة الزاحفة على الأيديولوجيات والأفكار والحراك الكثيف على الميكانيكا السياسية في كل المذاهب لم يجعل الحزب الشيوعي السوداني يتخلى عن النظرية الماركسية وترك الكثير من ملامحها.. إنهم يتحدثون عن ملامسة بعض أجزائها، ويريدون سمكرة النظرية حتى يتم النهل من معينها من جديد.. كم تطورت الأحزاب السياسية.. وكم تطورت حصيلة المحاججة والمبارزة الفكرية، غير أن الحزب الشيوعي السوداني لا يريد تغيير الاسم ولا يخاف من الاندثار ولا يجامل في قدسية النظرية!! العقل الحديدي ما زال مسيطراً على الحزب العتيد! وما زال الحرس القديم يتقدم الصفوف ما لم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل في مؤتمر ديسمبر المقبل! على المستوى الشخصي.. أقول.. كان يفترض أن يبقى الحزب الشيوعي السوداني كبيراً لأنه يملك مقومات كثيرة.. تاريخ طويل في التربة السودانية.. وحصيلة ثرة من المواقف الوطنية.. ورموز سياسية عاتية.. وسمعة معنوية من ثنايا الالتزام الأخلاقي. سقط النظام الشيوعي العالمي كله كجلمود صخر حطه السيل من علٍ، وانهار جدار برلين حجراً ورمزاً، و"ميخائيل غورباتشوف" تأمل الشيوعية في الكرملين عندما ذابت بين يديه! الحزب الشيوعي ما زال محتاجاً لدراسة أفكار المرحوم القائد "عبد الخالق محجوب" حول الانعتاق من قيود النظرية الماركسية في الخارج، ومحاولة الربط بينها وبين الواقع السوداني.. إنها آلية التحدي الكبير في المؤتمر المرتقب. قادة الحزب الشيوعي في المؤتمر السادس يجب عليهم التأمل الشفيف وجرد الحسابات، والتخلص من الأفكار المقدسة في عصر الهندسة الوراثية ومصل الشيخوخة.