محرومون من التنظيم النقابي.. تلاحقهم الرسوم الباهظة والغرامات تحقيق – آمال حسن شرع أحد الشباب، يعمل بائعاً متجولاً، يبلغ من العمر (18) عاماً، شرع في الانتحار بالسقوط من أعلى مباني وحدة النظام العام بالسوق الكبير بمدينة الأبيض، حاضرة ولاية "شمال كردفان". وحسب شهود عيان، فقد تسلق الشاب مباني المحلية، ورفض النزول منها حتى تتم الاستجابة لطلبه. وتم الاتصال بشرطتي الدفاع المدني والنجدة والعمليات، واللتان هرعتا إلى مكان الحادث وبدأتا التفاوض معه لإقناعه بالنزول، وفي أثناء الحديث معه صعد أحد النظاميين لإنقاذه، إلا أن المحاولة انتهت بسقوطهما معاً على الأرض، وقد أصيب النظامي إصابة بالغة، نقل على إثرها إلى المستشفى، وتم القبض على الشاب وفتح بلاغ ضده تحت المادة (133) الشروع في الانتحار. وقد أبدى الأستاذ "الشريف الفاضل" معتمد محلية شيكان أسفه لهذه الحادثة. وقد سلطت هذه الحادثة المؤسفة مزيداً من الضوء على قضية أصحاب (الدرداقات)، وعلاقتهم المتوترة بالسلطات المحلية، وكيفية تعامل الأخيرة معهم، وما قد يترتب على ذلك من نتائج مأساوية أحياناً. ولا يتعلق الأمر بمدينة الأبيض ومحلياتها حيث وقعت الحادثة، وإنما بالعديد من المحليات، بما في ذلك العاصمة القومية، حيث تشهد مدنها أزمات مماثلة في علاقة المحليات بعمال (الدرداقات). فقد وضعت المحليات العمال بين خيارين، إما أن يؤجروا (درداقات) من متعهدين معتمدين لديها مقابل مبالغ كبيرة، حسب وصفهم لها، لا تتناسب مع دخولهم المتواضعة، وإما التعرض إلى الغرامة حال اشتغل العامل بدرداقته الخاصة، والتي ربما تتعرض للمصادرة. وقد خطت محلية بحري، خطوة ايجابية بإلغاء نظام المتعهدين، وتبقى أن تحذو محليات أم درمانوالخرطوم حذو بحري، بوقف نشاط الوسطاء، وإنهاء الملاحقات والغرامات التي تثقل كاهل العاملين. لأصحاب (الدرداقات) قضية عادلة: عادة ما يشتكي أصحاب (الدرداقات)، من تعامل سلطات المحلية بالعاصمة القومية معهم، ويتهمونها بأن الإجراءات التي تتخذها بشأنهم تهدد بقطع أرزاقهم. وعمال (الدرداقات) هم في الغالب شبان صغار السن، أجبرتهم ظروفهم القاسية على هذا العمل، فمنهم من ترك المدرسة ليساعد أسرته في كسب العيش، ومنهم من يحاول التوفيق بين المدرسة والعمل. وتدخل المحليات، في بعض الأحيان، كما في بحري نحى باتجاه تقنين احتكار عمل (الدرداقات) لمقاولين، ترتب على ذلك حرمان الآخرين من العمل ومطاردتهم، كما يقول "العجب إبراهيم" وهو من مالكي (الدرداقات)، في حديثه ل(المجهر) أن المحلية أعطت (عطاء الدرداقات) لأحد الأشخاص، هذا الشخص لا يسمح لأصحاب (الدرداقات) الملاكي بالعمل.. فإما أن تؤجر من مالك العطاء درداقة وتعمل بها مقابل إيجار محدد، أو لا تشتغل نهائياً. وقال: نحن نعول أسراً، ولا يمكن أن نؤجر (درداقة) بمبلغ 15 جنيهاً في اليوم، لان هذا مبلغ كبير جداً، لان مصاريف الفرد الواحد تتجاوز ال(20) جنيهاً في اليوم، بينما الدخل محدود أصلاً ولا يكفي حاجتنا. واستطرد قائلاً: إن على الحكومة أن تراعي ظروفنا، فقد قبلنا بهذا العمل الشاق وعليها أن تساعدنا، لأننا نريد أن نأكل حلالاً، وختم بقوله إن هناك وعوداً من النقابة بحل هذه الإشكالية، لكن وصفها بأنها بلا جدوى. وفي السياق ذاته، تحدث ل(المجهر) "عبد العزيز علوبة" وهو يمتلك (درداقة) أيضاً، وقال إنه يعاني من (الكشات) والملاحقات من قبل موظفي المحلية، وفي حال تم القبض عليه فإنه يغرم مائة جنيه وتحجز (الدرداقة) لمدة أسبوع، قبل أن يتم تسليمها له.. واستدرك قائلاً: "لكن يمكن أن يقبضوا عليك مرة أخرى"، وأضاف: "نحن نعاني لأننا نعول أسراً، و(درداقة) المحلية يتم تأجيرها بمبلغ 15 جنيهاً لليوم الواحد، وهذا المبلغ يمكن أن يساوي قيمة وجبة "كمونية" للأسرة، فكيف نعيش إذا دفعنا مثل هذا المبلغ الكبير من دخولنا اليومية المتواضعة؟"، وشدد على ضرورة أن تنظر الدولة في أمرهم وتحل مشاكلهم، وفوق كل ذلك أن لا تأتي لهم بمخدم،لأننا نتضرر من ذلك - على حد تعبيره. وأوضح أنهم كونوا نقابة ل(الدرداقات) لكن الحكومة تدخلت، كما قال "وحلت النقابة وظلوا يطاردوننا"، وتساءل: إلى متى هذه المطاردة؟ وطالب الحكومة بدلاً من كل ذلك أن توفر لهم عملاً بديلاً، "وحتى لا نضطر لأن نصبح حرامية أو نشالين، أو الانضمام للمعارضة"، وأضاف: "نحن نطالب بحقنا في الحياة والعمل والعيش الكريم". رئيس الوحدة النقابية من جانبه أوضح رئيس الوحدة النقابية لعمال الشحن والتفريغ و(الدرداقات) ب"سوق ليبيا، "أحمد حامد محمد حامد" ل(المجهر)، طبيعة التنظيم النقابي لعمال (الدرداقات) والعقبات التي تواجهه ومشكلات العمل، فقال إن هذا التنظيم تكون من 2011 بواسطة العمل النقابي، وكل المستندات التي بحوزتنا من مسجل عام تنظيمات العمل، عبر اتحاد عام ولاية الخرطوم، الذي خاطب معتمد أم بدة وهو - بدوره - خاطب المدير التنفيذي لوحدة سوق ليبيا، وخلص إلى القول بأن هناك صعاباً لازالت تواجههم، وهي العطاءات داخل التنظيم، ودعا الوالي للتدخل والوقوف مع العمال الذين تشردوا من العمل، وأضاف ل(المجهر) عضو نقابة عمال الشحن والتفريغ "الطيب محمد الضي"، بأنهم خاطبوا جميع المعتمدين، وأنهم ردوا بأنهم يعترفون بالعمل النقابي، ولكن للأسف، كما قال من غير تنفيذ، وأضاف: نحن ندفع اشتراكات يتم تحصيلها سنوياً من كل (درداقة)، وأشار إلى وجود مخالفات تتعلق بالإيصال الالكتروني، وأشار إلى مساهمتهم في دعم نفرات من عائد (الدرداقات)، مثل نفرة "أبو كرشولا" و"النيل الأزرق، وغيرها، وقال: لذلك ندعو الجهات المسؤولة للوقوف مع العمال، الذين أصبحوا الآن مشردين. وأكد تاجر بسوق ليبيا ل(المجهر) قائلاً: نحن نعاني من محلية سوق كل شهر تفرض رسوماً على (الدرداقة) الواحدة قدرها 100 جنيه شهراً وهي ملاكي، ملك لصاحب الدكان. نفس الشكوى عبر عنها "هشام جوكا"، الذي قال إن الوحدة الإدارية بسوق ليبيا تفرض عليهم مبالغ مالية نظير العمل في السوق، تصل في بعض الأحيان إلى 15 جنيهاً يوماً، مبدياً امتعاضه من هذا الأمر، وأشار "هشام" إلى أن كل من يتهرب من دفع هذا المبلغ يتم تغريمه مبلغ 55 جنيهاً عبر إيصال محلي غير الكتروني، ودعا الحكومة الاتحادية لإزالة هذه الأعباء عن كاهلهم حتى يمارسوا أعمالهم بصورة طبيعية لإعالة أسرهم في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة، وأبدى عدم رفضه للتنظيم في الأسواق، لكن ليس بفرض الأعباء المالية الباهظة على الضعفاء، ممن أجبرتهم ظروف الحياة لامتهان هذه المهن الهامشية. بحري تفك احتكار تشغيل (الدرداقات)
في خطوة ملموسة لمعالجة هذه المشكلة واستجابة للشكاوى المتصاعدة من هذه الشريحة، قررت محلية بحري مؤخراً، وقف عمل (الدرداقات) التي تتبع للمقاولين أو الوسطاء، واحتجزت (150) درداقة بالسوق المركزي بشمبات، حسب ما ذكرت جريدة (المجهر)، فقد تم تنفيذ القرار عقب خلافات بين الوحدة الإدارية للسوق وأصحاب العطاء، الذين كانوا يتولون تشغيل (الدرداقات) بتأجيرها للصبية، مقابل (20) جنيهاً في اليوم، حسب إفادات عاملين بالسوق. وقد أوضح مدير الوحدة الإدارية بالسوق المركزي بشمبات "سيد عبد الحميد عبد العليم" أن قرار وقف عمل (الدرداقات) يأتي في إطار فك الاحتكار، مبيناً أنه: (كان يتم تأجيرها من قبل شخص للعاملين بمبلغ يتراوح بين 15 إلى 20 جنيهاً)، وأضاف قائلاً: (ألغينا الإيجار والعطاء، والبداية بالسوق المركزي وسيعمم القرار على أسواق المحلية والولاية كافة). ودعا "سيد عبد العليم" العاملين في (الدرداقات) إلى توفيق أوضاعهم بشراء (درداقات) يمتلكونها، مشيراً إلى أن المحلية مستعدة لترخيصها، لافتاً إلى أن صاحب العطاء كان يسدد أكثر من (30) ألف جنيه في الشهر للمحلية. وأشار مدير وحدة سوق بحري الأستاذ "الزبير حسن بلال" ل(المجهر) إلى تطبيق القرار في السوق الكبير بحري، بينما أعلنت إدارة المحلية عن قبول عطاء لمتعهدين جدد، وطرح (الدرداقات) تمليك مجاناً للشباب الفاقد التربوي مقابل التعليم في محو الأمية، وقال إنه تم تنزيل التوجيه الصادر من المعتمد، من إدارة المحلية للإدارة التعليمية بفتح فصول محو الأمية للشباب الذين تهربوا من المدارس. وأبان أن عقد عمل متعهدي (الدرداقات)، في سوق بحري مازال سارياً، إذ ينتهي العمل به في 1/7/2017م، وقد رفعنا العقد للرئاسة عشان لمعرفة الرأي القانوني بشأن إنهاء العقد، قبل تاريخ انتهائه، إذ يتضمن العقد فقره تجيز للمحلية أن تنهي العقد للمصلحة العامة، قبل انتهاء الفترة القانونية. وقد حول المدير الأمر للمستشار القانوني لأخذ الرأي القانوني للتطبيق هذا القرار، مشيراً إلى أن هناك الآن في سوق بحري متعهد يمتلك 300 درداقة، ويقول إنه يقوم بتشغيل ما بين (250) إلى (200) درداقة، في اليوم يعمل بها عدد العاملين هم في مراحل عمرية مختلفة. خطوة على الطريق الصحيح خطت محلية بحري خطوة في الطريق الصحيح، بإيجاد معالجة تستصحب البعد الإنساني لمشكلة الصغار العاملين ب(الدرداقات)، وهي خطوة وجدت ارتياحاً واسعاً من المواطنين عامة، ينتظر أن تلحقها خطوات أخرى. كما ينتظر أن تشكل هذه الخطوة، أنموذجاً تقتدى به المحليات الأخرى في العاصمة القومية وخارجها، لأجل إيجاد حل جذري للمشكلة، يستجيب لمطالب هذه الشريحة المكافحة.