حلقات الذكر.. رائحة البخور.. وسمو الدراويش أم درمان – يوسف بشير/ رانيا عبد الرحمن نقلت الروائية التركية: "إليف شافاق" على لسان المتصّوف "شمس الدين التبريزي" في رائعتها: قواعد العشق الأربعون قوله: (يوجد مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عن الله: وهو قلب عاشق حقيقي). التصّوف في أقرب معانيه، يعني: الحبّ الإلهي. واختلف الباحثون في بداياته، والرأي الغالب أن بدايته كانت في العقد الثاني الهجري. وقد قدم المتصّوفة الكثير من الأفكار الإنسانية للمجتمع الإسلامي، قبلها البعض، ورفضها البعض الآخر؛ وبعضهم كان متشدداً في رفضها إلى حد إباحة إراقة دماء بعض المتصوفين البارزين. وفي السودان، كثيراً ما يتردد أن الإسلام دخل إلى البلاد عن طريق المتصّوفة، وفي الوقت الحاضر تعددت الطرق الصوفية، لكن يبقى اتجاهها واحداً، وهو نشر تعاليم الدين الإسلامي. (المجهر) ذهبت إلى أم درمان، حيث ضريح الشيخ "حمد النيل"، وحضرت حلقة ذكر، وخرجت بالمشاهدات الآتية.. يترنحون من فرط المحبة: أول ما لفت انتباهنا، وجود طفل- لا يكاد يحسن الكلام- يرتدي جلابية ناصعة البياض، فوقها صديري أسود، يترنح حافي القدمين- من فرط المحبة الإلهية- وهو يردد مع الكبار: (الله الله ، يا حي). وقد أضفت الشمس المنعكسة على وجهه سمرة تميل إلى السواد، أو قد يكون الغبار سبب ذلك. وفي منتصف الحلقة، كان ثمة شاب كسيح يعتمر "طاقية خضراء" وهو يزحف مردداً مع الدراويش: (لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله).. لم يأنف منه أحد، ولم يطرده فرد منهم. فيما كان آخر يطوق رقبته بمسبحة (لالوب) كبيرة، يمشط الساحة هرولة ولسانه يردد الذكر. وقع على الأرض أكثر من مرة، لم يضحك عليه أحد، فينهض بكل حيوية ويواصل ما كان يفعله. وقريب منه، أربعيني يرتدي جلابية خضراء، رابطاً خصره بشال من ذات اللون، ويقال إن تلك العادة ابتكرها "جلال الدين الرومي".. أعني الحلقة وربط الخصر.. وضع الأربعيني رجليه فوق ركبة الرجل الآخر، وأخذ يترنح.. نظرنا في وجهه، فكان ككل وجوههم، تعلوه بسمة تشرح القلب. { ليس ضرب طار ، وحسب: بجانب ذلك، هناك عدد مقدر من المريدين، كما يطلقون على أنفسهم، يجوبون الساحة؛ وهم يرددون الذكر. فيما كان فرد منهم يمسك بمبخر يتصاعد منه دخان البخور، ذو الرائحة الطيبة، يبخر به الحاضرين. وآخر يحمل قارورة عطر عطّر بها المتفرجين. وقرب الضريح، وجدنا رجلاً ثلاثينياً جالساً على الأرض، مرتدياً جلابية خضراء، ويعتمر طاقية بذات اللون، سألناه عن سّر وحدته؛ فيما إخوانه في الحلقة. فأجاب، وقد رسم على شفتيه نصف ابتسامة: (التصّوف ليس ذكراً وضرب طار، بل هو فكر وعلم). ثم أنشدنا: مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمر بالماء الزلال فإذا مسك شيء مسني فإذن أنت أنا في كل حال. وهي من أبيات "الحلاج".. ثم غادرنا. { أجانب في الحلقة وعلى جنبات الحلقة، تراص الكثير من السودانيين لمشاهدة الذكر، وكان لافتاً، وجود معقول من الجنسيات الأجنبية. تقول "كريستنا وولف"، وهي أمريكية إنها حضرت إلى ضريح الشيخ "حمد النيل" ضمن برنامجها السياحي في السودان، وأوضحت أن ميلها للتصّوف دفعها لحضور حلقة الذكر، وقالت إن قراءتها لدراسات المستشرقة الألمانية "آن ماري شيمل" عن التصّوف ومعرفتها بسماحته، جعلتها تميل إليه.