حينما يتحدث مسؤول كبير في البلد عن الأمن الذي استقر في جنوب كردفان والتجارة ازدهرت والطرق فتحت والاستثمار قد أقبل وعلى الناس الصلاة حمداً لله على نعمة الأمن وانتهاء التمرد.. يسأل الإنسان نفسه هل مثل هؤلاء المسؤولين يتحدثون عن عالم آخر ودنيا غير دنيانا.. أم هي جنوب كردفان التي لا يستطيع المواطنون الخروج من مدينة "الدلنج" لخمسة كيلو مترات غرباً.. وهل فعلاً عادت سلارا وتندية وكجورية وكتيلا وتمين إلى سيطرة القوات الحكومية في الجبال الغربية.. وهل أصبح معتمد "هيبان" مقيماً في رئاسة محليته وكذلك معتمد أم دورين، وعادت البصات واللواري تتحرك من كادقلي إلى ريف البرام شات الدمام وشات العيضا.. لن نحدثكم عن كاودا ولا كركرابة البيرة.. ولا الرقفي ولا أم دولو.. ونمسك عن الحديث بشأن خلاوي الشيخ "أحمد أبو فلج" في كاسي التي سيطر عليها التمرد. في يوم افتتاح حكومة جنوب كردفان لمهرجان السلام والتنمية والسياحة والتسوق في أغسطس الماضي، قال الوالي الجنرال د."عيسى آدم أبكر" إن الحديث عن الحرب أصبح شيئاً من الماضي وعلى المواطنين الحديث عن الاستثمار والسلام.. وقبل أن يتوجه الفريق "بكري حسن صالح" لتناول وجبة الغداء في حدائق القصر دوت أصوات المدافع لصد هجوم شنه التمرد على أطراف مدينة كادقلي.. وفي اليوم التالي كانت زيارة محلية القوز في أقصى شمال الولاية وهي المحلية التي تحدها من جهة الشمال محلية شيكان ومن الغرب أبو زبد، ألغت لجنة الأمن مقترحاً بإقامة إفطار للنائب الأول بقرية طييشة وهي حي من أحياء الدبيبات بحجة أن الأمن غير مستقر. ولكن رغم ذلك تتحدث الحكومة بشيء من عدم احترام عقول الناس عن انتهاء التمرد فعلياً، وعلى المواطنين أن يحمدوا الله على نعمة السلام.. نعم الحمد واجب المسلم على كل حال في الحرب والسلام، ولن نقول الحرب قدر من أقدار رب العالمين، لأنها من صنع الإنسان الذي خلق جزوعاً.. الآن قد أخذت السماء تمسك بمائها وتجف الأودية والمستنقعات والفرصة أمام الحكومة لتأمين القرى واستعادة المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، لجعل السلام حقيقة وليست أقوالاً وشعارات يتحدث عنها المسؤولون في أبواق الإعلام، ولا أثر لذلك على الأرض.. نعم قد أصبح السلام من خلال المفاوضات أشبه بالمستحيل في الوقت الراهن ومع قناعتنا التامة بأن البندقية لن تحقق أمناً ولا استقراراً، لكن المهندس "إبراهيم محمود حامد" له رؤية حول التعايش مع واقع الحرب بقوله إن كل بلدان القارة الأفريقية تتعايش مع حركات التمرد السالب.. وإذا فشلت جهود التسوية نستطيع محاصرة التمرد في حيز محدود من الولايتين أي النيل الأزرق وجنوب كردفان ثم (نتعايش) مع ذلك الواقع. بغض النظر عن اتفاقنا مع المهندس "إبراهيم محمود" أو اختلافنا معه فإن دروب الحل السلمي الآن انسدت تماماً وقنوات التفاوض (أغلقت) وأحبار الاتفاقيات جفت.. يصبح خيار تأمين المدن وإضعاف التمرد إلى ما كان عليه قبل عام 2003م، هو المطلوب الآن من الحكومة، لكن الواقع الحالي يقول إن التمرد يخنق معظم المدن ويهدد كل الطرق.. ويسيطر على أرياف محليات الدلنج وكادقلي.. وينقب الذهب في مناجم الليري وتالودي.. ويشارك المزارعين في حصاد زراعتهم ويخطف الرعاة ويقطع طريق (الأبيض الفولة) من وقت لآخر.. إلا أن المسؤولين عنا يقولون (الأمن مستتب والقيم محفوظة) والتجارة رابحة والزراعة منتجة.. وحتى هلال كادقلي منتصراً على فرق الممتاز ومهزوماً في طاولات اتحاد كرة القدم ولسان حال مواطني جنوب كردفان كلسان سكان مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين، بالحرب قانعون وبالسلم قانعون عنواننا المخيم التسعون ولا نملك إلا أن نقول (إنا لله وإنا إليه راجعون).