وصف توقيتها بغير المناسب الخرطوم - عقيل أحمد ناعم لعله لم يكن بحسبان أهل الحوار من أحزاب المعارضة وبعد السعادة التي اعترتها بإجازة مخرجات الحوار والوثيقة الوطنية أن يأتي ما يعكر صفو هذه الفرحة والسلاسة التي اختتم بها مؤتمر الحوار أعماله، ولكن ربما أن رياح الحكومة آثرت أو اضطرت أن تهب من باب الاقتصاد بما لا تشتهي أحزاب المعارضة المحاورة، فكانت قرارات رفع الدعم وتحرير صرف العملة الأخيرة بمثابة الورطة لهذه الأحزاب التي أصبحت بين خيار رفض القرارات تماشياً مع حالة الرفض الجماهيرية المتوقعة، وبين مراعاة موقفها كأحزاب محاورة ألقت وراء ظهرها خيار الانتفاضة والخروج للشارع. فهل يصبح الحوار مهدداً بهذه القرارات ما قد يدفع بعض الأحزاب للخروج من الحوار، أم أن الطريق أضحى باتجاه واحد لا يفضي إلا إلى الوصول لنهايات شوط الحوار؟؟ جني الثمار المؤتمر الوطني وكأنه كان متحسباً لإمكانية تأثير القرارات الاقتصادية على مواقف أحزاب المعارضة المنضوية تحت مظلة الحوار، فخرجت تسريبات وتصريحات تُذكر هذه الأحزاب بأنها جزء من المرحلة المقبلة وأن جني ثمار مرحلة ما بعد الحوار يقتضي تحمل المسؤولية وأن تعلم أن الحكم أمر به تبعات. وفي بال المؤتمر الوطني أن مخرجات الحوار نفسها أقرت سياسة التحرير الاقتصادي، ما يعني التزام الأحزاب المحاورة بما أقرته في الحوار. الشعبي يرفض ويتمسك بالحوار واحد من الأحزاب التي كان موقفها محل انتظار وترقب، نظراً لأنه كان واحداً من أبرز أحزاب المعارضة التي وقفت بقوة في أحداث سبتمبر 2013 ضد قرارات رفع الدعم المشابهة للقرارات الحالية ولعب دوراً كبيراً في تحريك الشارع حينها، لذا كان هذه المرة في موقف لا يحسد عليه، ولا مجال للصمت فلابد من إعلان رأيه على الملأ. وقبل أن يعلن الحزب موقفه الرسمي عبر قطاعه الاقتصادي عبر الأمين السياسي المكلف للحزب "يوسف لبس"، في حوار مع (المجهر) عن قلقه من تأثير القرارات على مخرجات الحوار واعتبرها (مهدداً) حقيقياً لها، ومؤكداً أن حزبه سيقف مع الشعب ضد أي إجراءات من شأنها زيادة أعبائه المعيشية. ولم يبتعد رئيس القطاع الاقتصادي بالحزب د. "بشير آدم رحمة" في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الأول (الأحد) عن ما ذهب إليه "لبس"، بل ومضى لأكثر من هذا معلناً رفض الحزب للقرارات في التوقيت الحالي، لافتاً إلى أنها ستتسبب في سخرية الممانعين من مخرجات الحوار. وطالب "رحمة" بضرورة تجميد القرارات وعرضها على لجنة من الخبراء الاقتصاديين ومن ثم طرحها على اللجنة التنسيقية العليا للحوار حتى تصبح برنامج عمل لحكومة التوافق المقبلة. ولكن بالمقابل ورغم هذه التحفظات والمطالبات إلا أن "رحمة" أكد تمسك الشعبي بالحوار والمضي فيه إلى نهاياته ل(اختبار الصادق من الكاذب)، بعد ثلاثة أشهر هي موعد تشكيل الحكومة المقبلة. وأكد أن المنهج الذي يتبناه حزبه هو الإصلاح عبر الحوار. وللتأكيد على جدية تمسك حزبه بالحوار انتقد "رحمة" دعوة أحزاب المعارضة للعصيان المدني رفضاً لقرارات الحكومة الاقتصادية، إلا أن القرارات يبدو أنها لم تكن سهلة على الشعبي من حيث التوقيت رغم علمه بكلياتها المجازة في الحوار المتمثلة في إقرار سياسة التحرير ما جعل رئيس القطاع الاقتصادي للشعبي يبدي ما يشبه التخوف من عدم التزام المؤتمر الوطني بمخرجات الحوار. وقال (تنفيذ الإجراءات دون مشورة أحزاب الحوار تزعزع الثقة في التزام الوطني بتنفيذ مخرجات الحوار وتزيد من الاحتقان وتعيد الإجراءات الاستثنائية، وتعطي الممانعين والحركات المسلحة حجة في عدم جدوى الحوار مع الحزب الحاكم). وربما قد بدأت تنبؤات "بشير آدم رحمة" في التحقق بعد إعلان بعض أحزاب المعارضة الممانعة اعتقال بعض قياداتها، الأمر الذي يدخل الشعبي في مأزق جديد وفي قضية الحرية التي هي واحدة من ثوابته ومبادئه التي يُعلي دوماً من عدم تنازله عنها. حتى أحزاب الحكومة ربما المفاجأة الحقيقية كانت في موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) وهو حليف قديم للمؤتمر الوطني ومشارك لسنوات طويلة في حكومات متعاقبة، فقد أعلن الاتحادي رفضه لقرارات رفع الدعم ونبه إلى أن الوطني لم يستشره قبل إعلانها رغم أن وزراءه جزء من مجلس الوزراء الذي أجاز القرارات ما جعل كتلة الحزب البرلمانية تعلن مقاطعة جلسات البرلمان، بعد توضيح الكتلة بأن مخرجات الحوار أقرت إصلاح الاقتصاد عبر نظام مختلط بديلاً لاقتصاد السوق الحر. وأعلنت النائبة عن الاتحادي "مواهب السيد" في تصريح لصحيفة (آخر لحظة) أن الباب مفتوح أمام كافة الخيارات. وهذا يعد تطوراً لافتاً في علاقة الاتحادي بالوطني، لكن كثيرين يرجحون أنه لن يصل إلى مرحلة الخروج من الحوار أو فض الشراكة مع الوطني. استبعاد المقاطعة والإقرار بالحرج بدا واضحاً أن خيار الخروج من الحوار مستبعد رغم الهزة التي سببتها قرارات رفع الدعم في ثقة الأحزاب المحاورة في جدية الوطني، في إنفاذ مخرجات وروح الحوار التي هدفها الأساسي في الجانب الاقتصادي إصلاح متدرج للاقتصاد بما لا يزيد من معاناة المواطن المعيشية. وظهر التمسك الشديد بالحوار في تصريح رئيس حزب الحقيقة الفدرالي المعارض والمرشح الرئاسي السابق "فضل السيد شعيب" ل(المجهر) أمس والتي أعلن فيها بوضوح، تمسكهم بالحوار قائلاً (ليس أمامنا أي إمكانية للتراجع عن الحوار الوطني فقد دخلناه بفهم استراتيجي)، مؤكداً أن القرارات الاقتصادية التي أجازها مجلس الوزراء متماشية مع ما أجازته لجنة الاقتصاد بالحوار الوطني والقاضية بتحرير السوق، لكنه لفت إلى أن هناك تحفظاً على توقيت تطبيق القرارات ووصفه بأنه غير مناسب. وقال (الوزير جانبه الصواب في إعلان القرارات ونحن نقوم بالتبشير بمخرجات الحوار). وأشار إلى أن التوقيت سيعطي الممانعين فرصة لانتقاد الحوار والتصوير بأن القرارات في مجملها وبالطريقة التي أعلنت بها هي من مخرجات الحوار، وأكد أن القرارات المعلنة هي سياسة الحكومة القائمة وليست مخرجات الحوار. وأوضح أن القرارات كان ينبغي أن تكون مصحوبة بمعالجات للفئات المتضررة. وقال (القرار غير مبرأ وهذه القرارات المصاحبة كانت ناقصة تماماً وغير موفقة). وأقر "شعيب" بأن القرارات سببت حرجاً لأحزاب الحوار وألقت بظلال سالبة على التبشير بمخرجات الحوار. الطوارئ لا توقف الحوار هكذا علق المحلل السياسي البروفيسور "حسن الساعوري" على إمكانية انسحاب بعض القوى من الحوار بسبب قرارات رفع الدعم. وقال ل(المجهر) أمس (الحوار سيستمر ويمكن أن يختلف الناس في السياسات ولا يجب أن يتراجع أي طرف عن الحوار)، لافتاً إلى أن الحوار في الأصل منهج لإدارة الخلاف ويظل مفتوحاً. وقال (إن تم قفل الحوار فهذا يعني أن الناس وصلوا إلى طريق مسدود). رغم أن الراجح أن الأحزاب التي اختارت الحوار مع النظام لن تتراجع عن التزاماتها، إلا أن ما صاحب القرارات الأخيرة أوضح أن طريق الحوار لن يكون معبداً بالكامل وأن هناك ألغام يمكن أن تنفجر في أي لحظة تحت أقدام المتحاورين، ليبقى التحدي في مدى مقدرة أهل الحوار على تفادي المطبات والوصول إلى آخر الشوط. مصحح- أحمد