التجانى حاج موسى في حياتنا العامة منذ قديم الزمان عرف الإنسان مسألة الحقوق، وأصبح يمتلك الأشياء، والأرض منذ بدايات الحياة كانت الحق الذي يحرص الإنسان على امتلاكه، ثم جاء في وقت لاحق فيمتلك المنقولات من أشيائه التي يمتلك وعند تطور الحياة البشرية أصبحت لتلك الحقوق صكوكاً تثبت ملكية الإنسان لعقاراته ومنقولاته، والتي أصبحت ذات قيمة مادية من حقه أن يبيعها أو يرهنها أو يورثها لخلفه، وأصبحت هنالك القوانين الوضعية التي تنظم طريق تداول تلك الحقوق، فإنشاء المحاكم التي تفصل في النزاعات التي تنشأ بين أفراد المجتمع بسبب تلك الحقوق وبين أساليب حمايتها ورتب الجزاءات التي تترتب فيما إذا نشبت نزاعات حول تلك الحقوق ووضع السياجات القانونية من أجل حمايتها. مفهوم الملكية الفكرية هذا المفهوم لم يظهر إلا مؤخراً ويؤرخ له بالنسبة لحق المؤلف والحقوق المجاورة في العام 1886م، عندما اجتمعت سبع دول أوروبية بسويسرا وبالتحديد في عاصمتها (بيرن) ليوقعوا على الاتفاقية المعروفة باتفاقية (بيرن) والتي تقرر فيها إثبات الحقوق المادية والأدبية بالنسبة للمصنفات. أما عن الفلسفة التي برر بها المجتمعون الذين وقعوا تلك الاتفاقية تستند على أن كل مبدع وهبه الله موهبة وقدح ذهنه وقدم للإنسانية مصنف أدبي من حقه أن يستأثر بثمرات إبداعه الذي قدمه للإنسان واشترط أن يكون المصنف جديداً ومبتكراً ولم يسبق أن قدم مثله في الحياة، وتشمل المصنفات الواجب حمايتها القصة، الرواية، الشعر، المؤلفات الموسيقية، المخترعات التصاميم، الإبداعات الرسومات واللوحات التشكيلية ونحو ذلك. ولم يعرف السودان مفهوم الملكية الفكرية.. إلا مؤخراً وبالتحديد في العام 1974م، حينما قدم بعض أساتذة معهد التربية ببخت الرضا بمدينة الدويم مسألة مستعجلة للبرلمان السوداني في ذلك الزمان وفحوى تلك المسألة أن الأساتذة الذين كانوا يؤلفون المقررات الدراسية تساءلوا عن كنه ما يؤلفونه من مقررات فهم يقدحون أذهانهم ويقدمون مصنفات مكتوبة لمجتمع الدارسين وطالبوا بإثبات حقوقهم المادية والأدبية مثلما يتقاضى أصحاب المهن الأخرى حقوقهم المادية.. فنظر البرلمان في مسألتهم المستعجلة وأقر بدفوعهم الموضوعية وصدر القرار القاضي بتأسيس مكتب لحق المؤلف السوداني ألحق بوزارة الثقافة والإعلام وفي نفس العام صدر أول قانون للمصنفات الأدبية والفنية تقرر حق المؤلف والحقوق المجاورة ولم يفعَّل هذا القانون إلا بعد إنشاء المجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية وتوقيع السودان على أم اتفاقيات حق المؤلف والحقوق المجاورة وانضمام السودان عضواً للمنظمة العالمية للملكية الفكرية المعروفة اختصار ب(وايبو)، والتي تعد من أهم المنظمات التابعة للأمم المتحدة ومقرها (جنيف) بسويسرا.. وشهد السودان بعد ذلك تطوراً وطفرة في مسألة الملكية الفكرية، حيث تم تعديل لقوانينها، آخرها تعديل العام 2013م، لقانون حق المؤلف والذي أصبح متماشياً مع القوانين المتبعة عالمياً.. ويعد السودان من الدول المتميزة في شأن الملكية الفكرية، فهو من الدول القليلة على مستوى العالم التي أنشأت محكمة تختص في الفصل في الدعاوى وقضايا الملكية الفكرية فأنشأت أول محكمة في العام 2000م، ولاحقاً ألحقت بها نيابة مختصة وقضت تلك المحكمة في العديد من قضايا حق المؤلف والحقوق المجاورة، هذا بالإضافة إلى المحكمة التجارية التي تقضي في قضايا العلامات التجارية وبراءات الاختراع والمعروفة بالمحكمة التجارية،هذا إلى جانب الإدارة المختصة بالملكية الفكرية في شأن الصناعة والتجارة وبراءات الاختراع والمكتب يتبع لوزارة العدل، وجدير بالقول إن هذا المكتب من المكاتب العريقة من حيث النشأة إذ تأسس منذ فترة استعمار العام 1925م، وقد طرأت عليه الكثير من التطورات الإدارية والقانونية، لذا فثقافة الملكية الفكرية معروفة لكافة المعنيين بها من صناع ومخترعين وأصحاب العلامات التجارية غير أن ثقافة حق المؤلف والحقوق المجاورة لا زالت تحتاج إلى إشاعتها بين المعنيين بها. الحق الأصيل حدد المشرع أن المؤلف هو صاحب الحق الأصيل، والمقصود بالمؤلف هنا كل شخص ألف مصنفاً إبداعياً وأخرجه وقدمه للناس، ويدخل في نطاق أصحاب الحقوق الأصيل، مؤلفي الأشعار والروايات والقصة ومؤلفي سيناريوهات الأفلام والنصوص المسرحية ومؤلفي الألحان الموسيقية ورسامي اللوحات التشكيلية، ولصاحب الحق الأصيل التصرف في مصنفه الإبداعي كيفما شاء، ويصبح وحده الذي يحدد الكيفية التي يراد استغلال مصنفه بها، وهو الذي يتمتع بحقه المادي الذي يحدده نظيراً استغلال مصنفه من قبل المستغلين، وفي الغالب الأعم هو الذي يبرم عقود الاستغلال التي تحوي القيمة المادية ومدة الاستغلال والكيفية التي يراد استغلال مصنفه، ويتمتع بهذا الحق المادي طوال حياته ويؤول لورثته لمدة خمسين سنة بعد وفاته. الحق المجاور يتمتع به المؤدون لمصنفات أصحاب الحق الأصيل (المؤلفين)، فالمغني ينصب حقه المجاور في صوته الذي أدى به الأغنية التي ألفها الشاعر والملحن وكلاهما صاحبا حق أصيل، كذلك مؤدو المسرحيات من ممثلين وفناني استعراض وأفراد الأوركسترا، كلهم أصحاب حقوق مجاورة ويتمتعون بحقوقهم المادية طالما كانوا يؤدون مصنفات أصحاب الحقوق الأصلية. الحق الأدبي قرر المشرع أنه حق مقدس يظل يتمتع به المؤلف مدى الحياة، ولا بد من أن ينسب لصاحبه حتى وإن سقط حقه المادي بالوفاة أو بتقادم المدة التي حددها القانون بخمسين عام.. وإغفال إثبات هذا الحق في أي لحظة تم عرض المصنف وعدم نسبه لمؤلفه يكون أمراً يقتضي مقاضاة من استغل المصنف ولم ينسبه لمؤلفه. قرصنة المصنفات تعد الظاهر الخطير التي تقضي على حقوق المؤلفين الذين تضرروا ضرراً فادحاً بسبب قرصنة مصنفاتهم وضياع حقوقهم المادية والأدبية.